Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    29-Aug-2017

حدث في لبنان.. يحدث هناك - محمد خروب
 
الراي - اندحر داعش وتم تطهير الحدود السورية اللبنانية من هذا التنظيم الارهابي، الذي استثمر في «وحشِيّته» ودمويته كثيرون، داخل لبنان وخارجه الاقليمي والدولي، على نحو تم تصوير المشهد وكأنه بالاضافة الى عبثيته وعدم جدوى محاربته، إنما وُجِد ليبقى ويتمدَّد، ولهذا بالغ هؤلاء في إبراز قدراته العسكرية والتنظيمية و»الفكرية» غير المحدودة على الأذى والانتقام ممن يحاولون كبح عربدته وجموحه الاجرامي، بل انبرى في الداخل اللبناني من يُراهِن على ان أحداً لن يستطيع «اقتلاع» هذا التنظيم من القوى المحلية او الاقليمية، ما يستدعي التعايش معه والقبول بشروطِه وإملاءاته.
 
ليس في الأمر مبالغة، فهناك في بلاد الأرز من لا يزال حتى اللحظة يعيش «الصدمة» التي شلّت لسانه عن التعقيب على تحرير جرود رأس بعلبك والقاع في الجانب اللبناني من الحدود المشتركة مع سوريا (يُقابِلها القلمون الغربي) الذي استسلم فيه «صناديد» داعش لحزب الله استسلاماً كاملاً بلا شرط او قيد تحت طائلة التصفية، إذا لم تُنفِّذ قياداتهم في الرقة كل ما تم إملاؤه عليهم مقابل ضمان سلامتهم الشخصية وترحيلهم الى بلدة البوكمال الحدودية مع العراق، حيث لا يملك داعش فرصة البقاء وليس الى بلدة الميادين في محافظة دير الزور التي ما تزال تخضع لسيطرة التنظيم ولكن تحت ضربات موجعة من اطراف عديدة باتت ترى مصلحة في هزيمة داعش، الآخذة مساحات سيطرته بالتقلّص، وبخاصة بعد معركة الايام الثمانية التي استغرقتها معركة تحرير قضاء تلعفر، الذي هو في واقع الحال اكبر قضاء في العراق من حيث مساحته الجغرافية، وإن كانت تركيبته الديموغرافية مُعقّدة تُغري دولة مثل تركيا بمواصلة التدخل في الشأن العراقي، بذريعة ان اغلبية سكان البلدة (تلعفر) هم من التركمان، إذ كانت (انقرة) وضعت «فيتو» على تحرير البلدة من داعش، مُنتدِبة نفسها لهذه المهمة، لكن الحقائق الميدانية وبخاصة بعد تحرير الموصل التي اجبرتها على ابتلاع تهديداتها بأنها ستُشارِك في تحرير الموصل، اسهمت ايضاً في عزلتها وإجبارها على قبول الأمر الواقع، ليس فقط في انها لم تُشارِك في معركة تحرير تلعفر، بل في ان «الحشد الشعبي» أَسهَمَ في هذه المعركة التي تُضاف الى سجِل هزائم داعش المتدحرِجة بتسارع، على الجبهات العراقية وخصوصاً السورية.
 
ما علينا..
 
في لبنان ثمة قوى من بقايا فريق 14 آذار لم تُصدِّق بعد، ان معادلة جيش شعب مقاومة قد تم تكريسها على ارض الميدان في مواجهة داعش هذه المرة، الذي «لا» يختلف في ايديولوجيته ومساره وطريقة استيلاده وسيرته «الوحشية»، عن الطريقة التي استولِدت فيها اسرائيل ذاتها، والذي استلهم داعش من «تاريخها» المُمتد منذ ما قبل النكبة الفلسطينية حتى الان، شعارها بانها «وُجِدَت لتبقى بل وتتمدّد»، وها هي تحظى بعد سبعة عقود من قيامها بإقرار عربي، أنها جزء لا يتجزأ من المنطقة، وتنهال عليها عروض التحالف والإعتراف وغيرها مما لم يحلم به ذات يوم حتى ثيودور هيرتزل ولا جابوتنسكي وبالتأكيد الإرهابي مناحيم بيغن، الذي «أنجز» اول «سلام» مع اكبر دولة عربية، تعهّد رئيسها «المؤمِن» ذات يوم بأن حرب اكتوبر 73 ستكون.. آخر الحروب.
 
في لبنان يرفض الذين انتشوا بوصول بعض المدرعات والعتاد الاميركي الى لبنان، ولكن ليس للمشاركة في معركة «فجر الجرود» لأنها تحتاج الى وقت لاستيعابها في سجِلات الجيش والتدرُّب عليها، وقالوا: ان الجيش ممنوع عليه ان يُنَسِّق مع «أحد» في معركته ضد داعش، وهؤلاء كعادتهم حاولوا تغطية شمس التنسيق مع الجيش السوري والمقاومة بغربال من الكلمات الفارغة، كون المعركة واحدة جغرافِيَّاً وأيضاً في مواجهة عدو واحد، يحتل اراض مُتداخِلة حدوديّاً منذ ثلاث سنوات. يستبيح الحدود المشترَكة ويجعل منها ممراً ومقراً لعصاباته الإرهابية وتحضير السيارات المفخَّخة والانتحاريين وتجنيد الخلايا النائمة وغيرها مما يبرع الارهابيون في مقارفته من ارتكابات، عملوا بدأب ومثابرة كي تُؤسِّس لفتنة مذهبية، استمراراً للمؤامرة المستمرة منذ عقود والتي وصلت ذروتها بعد الاحتلال الاميركي البريطاني للعراق في العام 2003 وكان لبنان منذ سبعينيات القرن الماضي «المُختَبر» الدائم لمثل هذه الفتنة المتنقلة، تارة بين مُسلِميه ومسيحييه، وطوراً أتّخَذت شعار السيادة المنُتهَكة التي مثّلها وجود المقاومة الفلسطينية على الاراضي اللبنانية، الى ان انتهت الان «سُنيّة شيعيّة»، امتداداً للحريق الطائفي والمذهبي الذي يفتك بالمنطقة العربية، بعد ان تراجع الاهتمام – حدود الطمس – بالصراع الرئيسي مع المشروع الصهيوني المتواصِل غطرسة وهيمنة.. واستيطاناً.
 
ليس بمقدور الذين نَظَّروا كثيراً وطويلاً لمدرسة «النأي بالنفس» عن الأزمة السورية، مواصلة سياسة دفن الرؤوس في الرمال، والإدِّعاء بأن لبنان بما آل اليه دوره وتحالفاته الداخلية وموازين القوى فيه (وفي المنطقة) لن يمنَح «الشرعية» للنظام السوري، او ان الأخير على قلق بأنه بدون اعتراف سمير جعجع ومعسكر الانعزاليين وايتام 14 آذار.. بِهِ، أو انه لن يستطيع دحر الارهاب واستعادة ما تبقى من الاراضي السورية التي يحتلها داعش وباقي التنظيمات الارهابية التي انحصر وجودها في دير الزور ومحافظة إدلب، إلاّ إذا حصل على اعتراف سعد الحريري.
 
تحرير القلمون الغربي «السوري» وتطهير جرود ورأس بعلبك والقاع اللبناني تكريس مُعمّد بالدم للمعادلة الثلاثية الذهبية، التي توهّم البعض انها باتت «خشبية» بعد استبعاده من المشهد اللبناني لاجترار ذكرياته ومداعبة أحفاده، وهي ايضاً انتصار للعهد الجديد في لبنان الذي على رأسه جنرال يقرأ جيداً في تاريخ المنطقة العربية وخصوصاً جغرافِيَّتِها.
 
kharroub@jpf.com.jo