Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Sep-2017

"بناء القدرات في قطاع التعليم" - المهندس خالد الكيلاني
 
الغد- قال نيلسون مانديلا “التعليم هو أقوى سلاح لتغيير العالم”، وقال مالكولم إكس “التعليم هو جواز السفر الى المستقبل، والمستقبل ملك لمن يجهز له اليوم”، وقال بنيامين فرانكلين “الاستثمار في التعليم هو الأعلى مردودا”. وأكد جلالة الملك عبدالله الثاني خلال زيارته الأخيرة إلى أوتاوا في آب استيعاب القيادة الأردنية ذلك فقال “علينا بناء القدرات في قطاع التعليم”.
سيركز هذا المقال على أهمية تحديث التعليم الجامعي ابتداءً لإطلاق التغيير المنشود في مختلف مناحي الحياة في الأردن. وسنذكر هنا بعض القصص التي يمكن ان تنير لنا تفكيرنا في تحقيق حل مشاكلنا وإطلاق نهضتنا عن طريق إحياء جامعاتنا.
الجامعة هي عماد النهضة وتوأم بيت النهضة وأول ما يجب بناؤه من المؤسسات. ولربما قال قائل أن المدرسة أهم من الجامعة وأن المدرسة هي تأسيس الطالب وأصل البناء. نعم لا خلاف، ولكننا بحاجة إلى جامعة تصمم البيئة التعليمية المدرسية المتفوقة وبما يناسب ثقافتنا، جامعة تقوم بجمع ما يصدر في العالم من أبحاث وما يتم اعتماده من نتائج، وتقوم بدراسة امتحانات التقييم الدولية لمخرجات التعليم وتعكسه على المناهج وعلى سياسات ومنهجيات التعليم المدرسية في بلادنا.
تسبق الجامعة المدرسة لتكون الحاضنة التي تنتج المدرسة الناجحة والطالب المناسب لزمانه ومتطلبات عصره. وكما نعلم جميعا، فهناك البناء الأصلي ومن ثم إدامة التحسين والتعديل بما يستوعب المتغيرات. وهكذا نرى أن جامعة كامبردج البريطانية، على سبيل المثال، هي مركز البحث والتطوير وحاضنة نظم ومنهجيات التعليم في بريطانيا.
تتكامل العلوم الإنسانية في دراسة وتحليل وفهم ثقافة الأمة، وتقوم الكليات المختلفة مثل كلية التربية وكلية علم النفس والسلوك بوضع المناهج وأساليب التدريس والمختبرات والألعاب التي تمثل أفضل الطرق لإيصال المعلومة إلى الطالب وكيف أن يكتشف الطالب العلم اكتشافا لا تلقينا. وبينما تركز جامعات العالم العربي وإفريقيا على التعليم النظري وتبتعد عن البحث العلمي لحاجته إلى مختبرات وأساتذة مكلفين لا تقدر أولا ترغب في توفيرها، نجد جامعات العالم الغربي تنتقي أفضل أبناء الدول المتخلفة وتستكمل تأهيلهم النظري بالتأهيل العملي ، وتحول بهذا الاستثمار هذا الشاب أوالشابة ليصبح منتجا. توفر هذه الدول مستوى الحياة المتقدم، ونظم الحياة المتطورة، والتي ما فتئ يقارنها هذا الشاب ببلده فيؤجل عودته، وتزداد بلده فقرا وتخلفا ويزداد عدد الهاربين، وهم من الأفضل والأذكى من أبناء الدول الفقيرة. ومن هنا، وبحسب داروين، يمكن مراقبة التخلف الجيني للأمم الفقيرة وعكسه في الدول المتفوقة والتي تراكم أفضل الصفات الجينية في شعوبها لتزداد تفوقاً وازدهاراً.
تذكر كتب التاريخ أن المسلمين اخترعوا الجامعة، حيث أخذ كل عالم ابتداءً أحد أعمدة المسجد الجامع في بلده، واجتمع تلامذته من حوله يتلقون عنه في مجالات متنوعة ابتداءً من علوم الدين وصولاً الى العلوم والآداب والفنون. ظهرت في عصور النهضة الإسلامية الجامعة المستنصرية في بغداد، والأزهر في القاهرة، وجامعات الأندلس، وكان أشهرها تفاعلاً وتنوعا في جنسيات الدارسين جامعة طليطلة والتي كانت نموذجاً رائعاً لتعارف الشعوب وتبادل المعرفة، وضربت أروع الأمثلة على اتساع صدر الدولة الإسلامية في إسبانيا لكافة الدارسين من مختلف البلدان الأوروبية. وكانت اللغة العربية هي اللغة السيدة في ذلك الزمان، ونجحت في استيعاب المعرفة الإنسانية وتطويرها. ومن جامعة طليطلة، انطلق العلماء الأوروبيون لتأسيس جامعات أوروبا الشهيرة مثل السوربون وأكسفورد.
نهضت بريطانيا حوالي العام ١٧٥٠، ولحقتها دول شمال أوروبا مثل بلجيكا وهولندا وفرنسا حوالي العام ١٨٣٠. تخلفت فرنسا عن بريطانيا بسبب انشغال فرنسا بالثورة والحروب النابليونية والأوروبية، مقابل الاستقرار السياسي والاقتصادي والناتج عن استقرار الحكم الديمقراطي البريطاني إضافة الى عدم وقوع حروب على الأراضي البريطانية، حيث تسبب هذه الحروب في تدمير هائل للاقتصاد والاستدامة الاجتماعية. ولتلحق فرنسا ببريطانيا، استدعت الأساتذة الجامعيين من بريطانيا وسعت إلى إنشاء جامعات مماثلة للجامعات البريطانية بسرعة كبيرة. أما اليابان، فقد قامت نهضتها على الوفود التي أرسلتها إلى بريطانيا وألمانيا حوالي العام ١٨٦٠ لنقل النظم المطبقة في هذين البلدين القائدين في ذلك الزمان، في مجالات التعليم والبحث والتطوير والصناعة والتجارة.
دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الاولى بقرار مفاجئ للجميع، بعد أن كان شعار الرئيس وودرو ولسون أثناء حملته الانتخابية التي سبقت ذلك، أن لا لمشاركة الولايات المتحدة في الحرب في أوروبا. كان هذا في العام ١٩١٧. احتاجت الولايات المتحدة إلى أكثر من سبعمائة ألف عسكري إضافي لتلبية احتياجات هذا القرار المفاجئ، أي هناك حاجة إلى تجنيد وتدريب وتسليح وتزويد هذا الجيش الكبير بسرعة قياسية. وهكذا اخترعت الجامعات الأمريكية علم القياس، والذي يقوم على فحص تأهيل المجندين من معرفة ومهارات وخبرات، كذلك الإمكانيات العقلية ورد الفعل الميكانيكي للمجند وسرعة الاستجابة العصبية والعضلية للمؤثرات اي رد الفعل على المؤثرات، وتم تصميم امتحانات وأدوات مساعدة لانجاز هذه الفحوص. قام الخبراء العسكريون بمقارنة تأهيل المجندين بالوظائف المطلوب إشغالها. وتم اختيار المجندين الأقرب تأهيلا لشغل الوظيفة، فوفر هذا الوقت الكثير في التدريب كما استبعد من لا تتوفر لديه مواهب أساسية للنجاح في وظيفة معينة، فهل ينجح مثلا في العمل على مدفع مضاد للطائرات من لا يستطيع التفكير بفراغ ثلاثي الأبعاد؟ أو هل ينجح من يعاني من عمى الألوان من شغل وظيفة خبير دهانات؟ وكأننا نقول وضع الرجل المناسب في المكان الأقرب لمؤهلاته. وهكذا نجحوا في بناء الجيش والدخول وكسب الحرب العالمية الاولى، والتي انتهت في العام ١٩١٨، أي في السنة التالية لدخول الولايات المتحدة الحرب.
في العام 2000، وجدت ألمانيا أن عدد براءات الاختراع التي سجلها الألمان في ذلك العام لكل 10,000 مواطن قد تراجع، ولنقل من40 براءة اختراع إلى38 براءة اختراع، مع بقاء ألمانيا الأولى عالميا في هذه المعدل. أطلقت ألمانيا ناقوس الخطر وجمعت علماء التربية والتعليم والنفس وغيره لتجد حلا لمعالجة هذه المصيبة الطارئة، وكان توجههم الى الجامعات لدراسة موطن الخلل ووضع الحلول. وضع العلماء الألمان ثلاث محاور استراتيجية لنظام تعليمي حديث يتم بناؤه في الجامعات حول هذه المحاور وهي: (1) التعليم المستمر للخريجين وبحيث يتم ربط الخريجين بالجامعات ليستكملوا سنويا ما جد من علوم على تخصصاتهم وكأنهم يستلهمون الحديث الشريف (اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد)، (2) معاملة الطلبة واحترامهم كزبائن للمؤسسة الجامعية بدلا من اعتبارهم مجرد طلبة، فالجامعة أصبحت بحاجة إليهم وليس فقط العكس، لأنه أصبح بإمكان الطالب المقيم بجانب الجامعة الانتساب بواسطة الإنترنت إلى أي جامعة في العالم، و(3) إدخال ثقافة الابتكار في كل منهج وعملية تعليمية أو تجريبية في الجامعة. نجح النظام الجديد، بعد استكمال بنائه ونجح تطبيقه خلال سنوات قليلة في أكثر من150 جامعة ومؤسسة تعليمية نجاحا كبيرا.
رأينا من الأمثلة اعلاه، وبشكل واضح، أن دولا من مختلف الثقافات والقارات نجحت في نهضتها وفي حل مشاكل ما بعد نهضتها من خلال جامعاتها. وهذا يؤكد ما ذهبنا اليه أعلاه من أن الجامعات هي عماد النهضة وأهم مؤسساتها.
واذا عكسنا ما رأيناه أعلاه على وضع جامعاتنا نصل إلى السؤال المحير التالي:
إذا كانت مهمة الجامعات توفير التعليم والبحث والتطوير وبما يحل مشاكل الأمة، فلماذا نجحت جامعات الغرب، ولنقل قبل مائة عام، بالقيام بدورها بنجاح، وقدمت المخترعات من آلات بخارية وكهربائية ومن أدوية وأجهزة وأسلحة، ولم تقم أي جامعة حديثة في العالم العربي بإنجاز أي ابتكارات تذكر، واكتفت بالتدريس او بالتلقين، رغم توفر الأدوات من الحاسبات والشبكات وأهمها الانترنيت طبعا، توفر التواصل السهل بين المؤسسات العلمية وتوفر العلم للجميع؟
لماذا تنتج جامعاتنا خريجين درسوا تاريخ العلوم ، مهندسين جاهزين لبيع أو لصيانة مخترعات نظرائهم من مهندسي الدول المتقدمة، ويسمي نفسه بافتخار مهندس صيانة، ويعادله في العالم المتقدم فني صيانة تخرج من مدرسة ثانوية؟
وأترككم مع سؤال محير آخر: ما حاصل طرح جامعة عربية اليوم من جامعة أوروبية قبل مائة عام؟ يا حبذا لو ندرك كلنا أن الفرق يكمن في بناء الاستراتيجية العلمية وتطبيقها وتصميم الهيكل العملياتي وادارة الجودة فيها.