Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    27-Dec-2019

قراءة في رواية «1989» للدكتور عصام الموسى

 الدستور- سمير قطامي

نحن في حضرة قاص روائي إعلامي أكاديمي راسخ القدم في العلم والأدب، ذي رؤية سياسية تقدمية وفكر تنويري، يوظف ثقافته ومعاصرته لأهم الأحداث التي حدثت سنة 1989، في إقامة معمار روائي تاريخي سياسي، فيقدّم لنا رواية فيها الكثير من الأحداث التي حدثت وعاشها جيلنا، ومن  الأشخاص المعروفين لنا على الرغم من التمويه، وفيها شيء من الخيال الفني لخلق شخوص وأحداث تشدّ القارىء، وتستثير عواطفه، ليوصل من خلالها أفكاره ورؤاه.
لا يؤرخ د. عصام، وهو ابن المؤرخ المعروف سليمان الموسى، لمرحلة من مراحل الحياة السياسية الأردنية، بل يقيم بناء روائيا أساسه أحداث وقعت، وشخوصه معروفون، لكنه يقدمهم بأسماء رمزية، ويخلق شخوصا إضافيين ليسبغ على الرواية جوا من التشويق والرومانسية، مازجا بين الحقيقة والخيال، كاشفا مرحلة مهمة من مراحل الحياة السياسية والإعلامية في الأردن، إذ كان رؤساء تحرير الصحف يعيّنون ويقالون بتلفون من الجهات الأمنية، ويفرض عليهم تعيين هذا الصحفي أو ذاك! وأرى أن عنونة الرواية بالسنة التي وقعت فيها الأحداث، ذو دلالة سياسية.
عندما أهداني د. عصام روايته استغربت أن يكون عنوانها رقما، ولكن ما إن بدأت في قراءتها حتى وصلت إلى سر ذلك العنوان، فأحسست كم كان الكاتب معنيا بذلك الحدث المهم في تاريخ الأردن السياسي، وهو هبة نيسان سنة 1989، ولذلك عنون روايته بذلك التاريخ، وغطّى لنا أحداث تلك المرحلة من خلال رحلة الصحفي الحر سلمان حيدر سلامة.
يتناول عصام في روايته  مرحلة حساسة في تاريخ الأردن، وهي الفترة التي سبقت أحداث سنة 1989، وما مارسته السلطة السياسية من قمع وتقييد للحريات، وما قامت به الأجهزة الأمنية من تدخّل في التعيينات وتوجيه للإعلام، وتقييد لحرية الكتاب والصحفيين... وقد صوّر ذلك من خلال معاناة ذلك الصحفي  الذي نفاه رئيس التحرير إلى معان بسبب تحقيقاته المثيرة للمتاعب، المزعجة للمسؤولين، ورفضه السير مع المنافقين، إذ كان يرى نذر الإنفجار القادم الذي لم تكن تلك الأجهزة تراه.
أُبعد ذلك الصحفي إلى معان عقابا له، ولكنه لم يرتدع، فقد واصل وقوفه إلى جانب الفقراء والمظلومين، وكشف بتحقيقاته التي كان يقوم بها في معان، هول معاناة الناس في قرى الجنوب النائية، متنبئا بثورة إذا لم يتدارك المعنيون الأمر.
انفجرت أحداث أو ثورة 1989 التي بدأت من معان اعتراضا على رفع سعر الخبز، وهبوط قيمة الدينار، وارتفاع أسعار السلع، وعمّت كثيرا من مدن المملكة، مما دفع بالملك حسين إلى قطع زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، والعودة إلى الأردن لتطويق الأحداث، بإقالة رئيس الوزراء، وتغيير الحكومة، والبدء في العمل لإجراء انتخابات نيابية.
كشف د. عصام من خلال سرد الأحداث وما كانت تنشره الصحف، حجم تزييف المعلومات التي كانت تقدّمها الحكومات للشعب، وسيل الأكاذيب التي كان يقدمها الإعلام عن الاستقرار المالي والوضع الاقتصادي الجيد، لتنفجر الفقاعة، فإذا بخزائن البنك المركزي خاوية، والدولة شبه مفلسة، دون أن يعلم أحد أين ذهبت الأموال والمساعدات التي كانت تنهال على الأردن.
أدّت تلك الأحداث إلى إعادة النظر بالمسيرة السياسية، فقام الملك حسين بإجراء انتخابات ديمقراطية نزيهة بعد طول انقطاع، تلك الانتخابات التي فازت بها عناصر عدة معارضة، ذات أيدلوجيات مختلفة من اليمين واليسار، ليغدو برلمان 1989 أفضل برلمان في تاريخ الأردن بعد برلمان سنة 1956.
ركّز د. عصام على حقبة حساسة في تاريخ الأردن الحديث، واختار موضوعا مهما من صلب تخصصه، وهو الصحافة التي كان  معنيا بها، دارسا ومؤرخا وكاتبا، لذا لانستغرب أن يكون ما كتبه رؤية معايش منخرط في الموضوع الإعلامي، فلسفة ومادة وأسلوبا وحرية، ومن هنا تأتي أهمية ما كتبه.
لا يهمني إذا كانت شخصية سلمان حيدر حقيقية أم خيالية، ولا يهمني ما فيها من الحقيقة والخيال، فمثل هذه الشخصية عايشتها أنا وخبرتها في صحيفة الرأي التي كنت من كتابها في مرحلة ما، ولكن ما يهمني قدرة الكاتب على تشخيص أدواء الصحافة، وقيود رؤساء التحرير، وحرية الصحفيين، تلك التي وضع الكاتب أيدينا عليها، وكشفها بما فيها من سلبيات، عاكسا ذلك على الحياة السياسية في الأردن، في وقت لا يجرؤ كثيرون على الإشارة إليها.
يمكن القولإن رواية عصام هي رواية تاريخية سياسية إجتماعية ناقدة، وضع فيها الكاتب إصبعه على الأدواء والعلل التي تنخر بنية المجتمع الأردني، وتعيق تطوره السياسي والاجتماعي والثقافي.. وهي رواية تنويرية تدعو إلى التفكير العقلاني الحر، وإلى مجتمع العدالة والمساواة والحرية والدولة المدنية.. وهي رواية يغلب فيها الفكر على الفن، وقد أحسست أن الكاتب مسكون بهمّ سياسي إجتماعي طغى في بعض أجزاء الرواية على الجانب الفني، فخلت أحيانا من السردية الروائية والتوتر القصصي، كما ظهرت شخصيته الأكاديمية بشكل واضح في ثنايا الرواية، وكأني به يتماهى مع شخصية سلمان حيدرالصحفي التقدمي العلماني المثقف غير المنتمي للسلطة.
أنهى الكاتب روايته نهاية فاجعة بسقوط ذلك الصحفي   مضرجا بدمائه وهو يحاول تغطية المظاهرات التي شبّت في معان، لتمتد الثورة التي تنبّأ بها، إلى بقية المدن الأردنية.
وبعد فإن الرواية تطرح علينا اليوم، ونحن نشاهد الانتفاضات والثورات الشعبية حولنا،  مجموعة من الأسئلة مثل : هل استفادت السلطة السياسية مما حدث سنة 1989 ؟ وهل تغيّرت أساليب الإعلام وأدواته ؟ وهل فتحت الأبواب للصادقين الأنقياء ؟ وهل حاربنا الفساد والفاسدين الذين كفّروا الشباب بوطنهم ؟ وهل نأخذ العبرة مما يحدث حولنا ؟ وهل يحسّ المسؤولون بما يمور تحت السطح، أم أن المنافقين والكذّابين قد حالوا دون ذلك ؟ وهل يعي ذوو الشأن حجم الفقر والبطالة في المجتمع، وهما حطب الثورات؟... اسئلة وتساؤلات كثيرة تراود القارىء وهو يتتبع أحداث سنة 1989 كما سردها عصام، ولسان حاله يقول : ما أشبه الليلة بالبارحة، فهل يأخذ السياسيون برؤى الأدباء والروائيين ؟
رواية عصام 1989رواية تحذيرية، فهل تعطي نتيجة أم يظل ما يكتبه الأدباء، وما يقوله المثقفون، كلاما في الهواء، وكتابة على الرمل لا يعيره المسؤولون أي اهتمام، إلى أن تقع الفأس في الرأس، كما يقول المثل الشعبي، ويغدو إصلاح الأمور صعبا ؟