Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Jun-2019

غطرسة الكولنيالية الجديدة في خطة كوشنر

 الغد-رشيد الخالدي – (ذا نيويورك ريفيو أوف بوكس) 12/6/2019

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
“إنكم لا تستطيعون أن تتدبروا أموركم من دوننا”. هكذا قال اللورد كورزون بتعال للهنود الذين كان حاكمهم إمبريالي قبل أكثر من قرن. وعندما قضت عائلة ترامب بعض الوقت مع العائلة المالكة البريطانية خلال زيارتها الأخيرة إلى لندن، لم يكن بالإمكان تفويت الفارق بين الأرستقراطية الحقيقة والأخرى الترامبية المختلفة المختلقة. ومع ذلك، ثمة شيء مشترك بين جاريد كوشنر، صهر الرئيس ومستشاره المسؤول عن صياغة خطة سلام للشرق الأوسط، وبين اللورد كورزون وأشباهه من الكولنياليين.
في مقابلة مع موقع “أكسيوس” الإخباري، والتي عُرضت على شاشة “أتش. بي. أو” يوم 2 حزيران (يونيو) قبل وقت قصير من وصوله إلى المملكة المتحدة، شكك كوشنر في قابلية الفلسطينيين للاستقلال وحكم أنفسهم، معلناً: “علينا أن نرى”، ومضيفاً: “الأمل هو أن يصبحوا قادرين على الحكم بمرور الوقت”. وعندما سُئل عما إذا كان الفلسطينيون يمكن أن يتمكنوا أبداً من التمتع بالحرية من “الحكومة الإسرائيلية أو التدخل العسكري”، قال فقط أن هذا سيكون “سقفاً عالياً”. وبعد اقتراح أن كوشنر استشار قلة، إذا كان قد استشار أي فلسطينيين من الأساس، على مدى السنتين الماضيتين عندما كانت خطته للسلام قيد الإعداد، سأله مضيفه عما إذا كان يفهم السبب في أن الفلسطينيين لا يثقون به. وأجاب كوشنر باقتضاب: “أنا لستُ هنا لكي يُوثَق بي”.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يقال فيها للفلسطينيين أنهم لا يستطيعون أن يحكموا أنفسهم، وأنهم ملزمون بالبقاء تحت وصاية أجنبية، وبلا ضمانات للتشاور معهم بشأن مستقبلهم الوطني. في العام 1919، كتب إمبريالي بريطاني آخر، اللورد بلفور –في مذكرة سرية للود كورزون نفسه –”في فلسطين نحن لا نقترح حتى إجراء نوع من الاستشارة لرغبات السكان المحليين في البلد… إن الصهيونية، سواء كان هذا صحيحاً أم خطأ، جيداً أم سيئاً، متجذرة في تقاليد قديمة بعمر أجيال، في حاجات الحاضر، وفي آمال المستقبل، وهي أكثر أهمية بكثير من رغبات الـ700.000 عربي الذين يعيشون الآن في تلك الأرض القديمة”.
عمد إعلان العام 1917 المقترن باسم بلفور، والذي شكل أساس الانتداب البريطاني الذي أفضى إلى تأسيس إسرائيل، إلى استثناء الفلسطينيين –الذين لم يذكرهم بلفور مطلقاً بالاسم- من الحقوق السياسية والوطنية التي منحها لليهود. وفي مقابلة “أكسيوس” المذكورة، ردد كوشنر صدى كلمات بلفور، مكرراً استثناء الفلسطينيين من الحقوق السياسية والوطنية. ومرة تلو المرة، أكد كوشنر وزملاؤه، مستشار البيت الأبيض جيسون غرينبلات، والسفير الأميركي إلى إسرائيل ديفيد فريدمان، أن خطتهم هي في الأساس مبادرة للتنمية الاقتصادية للضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، والتي ستعمل تحت الظروف الحالية من السيطرة الإسرائيلية شبه المطلقة. وحتى الآن، لا تنطوي الخطة على أي عنصر سياسي تم الإفصاح عنه، باستثناء الإشارة الواضحة إلى أن الدولة والسيادة الفلسطينيتين مستبعدتان. وكل ما يستحقه الفلسطينيون، برأي كوشنر، هو “الفرصة لعيش حياة أفضل… الفرصة لدفع أقساط منازلهم”، تحت الحكم الإسرائيلي.
لأسباب مفهومة ينظر الفلسطينيون –إلى جانب الكثير من المعلقين الدوليين- إلى هذا النهج على أنه يمهد الطريق ببساطة نحو تطبيع احتلال لن ينتهي أبداً وضم زاحف مستمر للأراضي الفلسطينية تحت ظروف من التمييز القانوني المتطرف بين اليهود الإسرائيليين والعرب الفلسطينيين: وهو وضع لا يشبه شيئاً بقدر ما يشبه نظام الأبارتيد في جنوب أفريقيا.
من المدهش حقاً، بالنسبة لشخص يُفترض أن يكون رجل أعمال ناجح، أنَّ كوشنر يجهل بوضوح الإجماع الاقتصادي الذي يصف الاقتصاد الفلسطيني بأنه مخنوق بشكل أساسي بسبب التدخل المنهجي للاحتلال العسكري الإسرائيلي نفسه الذي يدافع كوشنر عن إدامته. وقد أضافت إدارة ترامب إلى تشديد هذا الخنق الاقتصادي بقراراتها بقطع كل من المساعدات الأميركية المباشرة للضفة الغربية وغزة، ودعمها لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). وفي الأثناء، تواصل الولايات المتحدة دعمها للحصار الإسرائيلي لغزة، بمساعدة من مصر، بما له من آثار كارثية على سكان القطاع البالغ عددهم نحو 1.8 مليون نسبة، بما في ذلك النقص المزمن في الطاقة الكهربائية والمياه، وعدم توفر الحد الأدنى من معالجة مياه الصرف الصحي، ونسبة بطالة بين السكان تزيد عن 50 في المائة، وافتقار كامل إلى حرية الحركة.
هذه فقط بعض الطرق التي أظهرت بها الإدارة التي يشكل كوشنر جزءاً منها ازدراءها للفلسطينيين. فبالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أزالت الإدارة عن الطاولة، بشكل أحادي الجانب، قضية كانت إسرائيل ملزمة -بموجب معاهدة- بالتفاوض عليها مع الفلسطينيين، وافترقت عن سياسة أميركية قائمة منذ أكثر من سبعين سنة، بينما تجاهلت الإجماع الدولي على أن الوضع النهائي للمدينة المقدسة يجب أن يكون موضوعاً لاتفاق سلام مقبول للطرفين بشكل متبادل. كما تجنبت إدارة ترامب صراحة الاعتراف بحل يقوم على مبدأ الدولتين أو أي شكل من أشكال السيادة الفلسطينية، وهي مواقف رددها كوشنر في مقابلته. كما أغلقت مكتب البعثة الفلسطينية في واشنطن العاصمة، وقطعت المساعدات الأميركية عن السلطة الفلسطينية. وزعمت -على النقيض من وضع كل اللاجئين الآخرين منذ الحرب العالمية الثانية- أن أبناء وأحفاد الفلسطينيين الذين كانوا قد أُعلِنوا لاجئين في العام 1948، ليسوا لاجئين هم أنفسهم. وأخيراً، باعترافها بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان المحتلة، تكون إدارة ترامب قد مهدت الطريق لضم أي أجزاء من الضفة الغربية يمكن أن تختار إسرائيل ابتلاعها.
في مقابلة حديثة أجرتها معه صحيفة “النيويورك تايمز”، قال السفير فريدمان، الذي يقال إنه “قوة دافعة” وراء تشكيل سياسة إدارة ترامب الشرق أوسطية، أن إسرائيل لها “الحق” في ضم “بعض -وإنما ليس كل الضفة الغربية- على الأرجح”. ثم ذهب فريدمان إلى التفلسُف: عندما سُئل عما إذا كانت خطة كوشنر تشتمل على إقامة دولة فلسطينية، قال: “ما هي الدولة”؟ واختتم حديثه بمقارنة سخيفة بين الاحتلال الإسرائيلي القسري والمتواصل للأراضي الفلسطيني بالوجود الأميركي القائم على معاهدات في كل من ألمانيا، واليابان، وكوريا. وهذه الإعلانات هي أوضح مؤشرات ممكنة على الطريقة التي تهب بها الرياح في واشنطن.
في مقابل كل هذا الانتقاص من الحقوق الفلسطينية، سوف تُعرض على الفلسطينيين الأموال التي يتم جمعها من دول الخليج، في جهد يفترض أن يكتسب صفة الرسمية في مؤتمر يُعقد في أواخر حزيران (يونيو) في البحرين. وفي الحقيقة، لا يُقتصر اقتراح كوشنر إمكانية شراء تخلي الفلسطينيين عن معارضتهم لخطة تلغي فكرة التسوية السياسية المتفاوض عليها، على كونه اقتراحاً متغطرساً وفاقد البصيرة فحسب –في ما يتماشي بالكامل مع سجل عائلته وأصهاره. لكنه ليس أكثر من نسخة جديدة من خطط مشابهة للـ”السلام الاقتصادي” بدلاً من إقرار الحقوق الفلسطنيية، والتي روج لها القادة الإسرائيليون من شمعون بيرس إلى نتنياهو.
منذ زمن اتفاقيات أوسلو في أواسط التسعينيات، طرح بيرس، الذي كان ملتزماً بحرمان الفلسطينيين من الدولة والسيادة، عدة أفكار للـ”السلام الاقتصادي”. ثم كرر بنيامين نتنياهو نفس الموضوع بدءاً من انتخابات العام 2009، وبتأكيد متزايد منذ ذلك الحين، بينما تتزايد معارضته لإقامة دولة فلسطينية. وبالنسبة لنتنياهو ومويدية المفرطين في القومية من المستوطنين المتطرفين، مثل زميله الحالي في مجلس الوزراء، نفتالي بينيت، أصبحت إضافة تحلية اقتصادية لحبة الدواء المرة التي يراد للفلسطينيين أن يبتلعوها جزءاً بنيوياً من نهجهم القائم صراحة على سياسة الضم.
ليس سراً أن إدارة ترامب وحكومة نتنياهو تسيران بالتناغم وبإيقاع واحد، سواء كان ذلك في موضوع فلسطين أو المواجهة مع إيران. لكن المدهش هو كمُّ السياسة الشرق أوسطية في الأبيض، بما في ذلك خطة كوشنر نفسها، الذي مُنح لنتنياهو وحلفائه في إسرائيل والولايات المتحدة حق التحكم فيه. وحتى الآن، جاءت كل “مبادرات” إدارة ترامب الشرق الأوسطية معدَّة ومحزومة مسبقاً من مخزن أفكار اليمين الإسرائيلي المتطرف، بما في ذلك نقل السفارة إلى القدس، والاعتراف بضم الجولان، والتخلص من قضية اللاجئين الفلسطينيين، ومحاولة تفكيك الأونروا، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران. ولم تتبق سوى القليل من البنود على قائمة أمنيات نتنياهو، بما فيها ضم الكثير من أجزاء الضفة الغربية، ورفض أميركي رسمي لإقامة دولة فلسطينية، وتنصيب قيادة فلسطينية متعاونة ومروَّضة بالكامل، وطرق مؤسفة أخرى لإكراه الفلسطينيين على القبول بأنهم شعب مهزوم.
ما يقوله كوشنر وزملاؤه هو أن الفلسطينيين ليس لديهم مظالم مبررة، ولا حقوق مشروعة -سوى الحق في أي رخاء يمكن تحقيقه بنقود الخليج تحت احتلال عسكري إسرائيلي دائم لأراضيهم. ومع ذلك، فإن فكرة خطة كوشنر القائمة على إلقاء نقود الآخرين بسخاء على القضية لن يجعلها تذهب؛ ليس عندما تتعلق الأمر بالحقوق الوطنية، والسياسية والمدنية والإنسانية لما يقدر بنحو 12 مليون فلسطيني. وكما يجب أن يكون واضحاً من النشاط السياسي وعمل منظمات المجتمع المدني، مثل الحركة الدولية للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، والأشكال الأخرى من المقاومة في قطاع غزة، والضفة الغربية، وبين الفلسطينيين داخل إسرائيل، وفي الشتات الفلسطيني، فإن الشعب الفلسطيني ليس على وشك أن يبيع نفسه.
لقد أوضحت إدارة ترامب تماماً أنه في حين سيكون للإسرائيليين نصيب وافر من تقرير ما يحدث في فلسطين، فإن الفلسطينيين أنفسهم لا يستحقون أن تتم استشارتهم بشأن مستقبلهم: وفي غطرستهم، ينبغي أن يعرف كوشنر وفريدمان وغرينبلات، ومعلموهم من اليمين الإسرائيلي، أفضل من هذا. فقد تم تجربة الروتين المتعب المتمثل في حرمان الفلسطينيين من الوكالة عن أنفسهم، كما تفعل خطة كوشنر بطريقة صفيقة وغير محترِمة، لأكثر من قرن كامل. ولم يعمل هذا النهج في عهد الانتداب البريطاني، ولم يعمل في الفترة ما بين العام 1948 وصعود منظمة التحرير الفلسطينية في الستينيات، حين حاولت الأنظمة العربية أن تفرض وصايتها على الفلسطينيين، ولم يعمل تحت الحكم العسكري الإسرائيلي. وكان كل ما سمح به المحتلون للفلسطينيين، من مناحيم بيغن في العام 1977 إلى بنيامين نتنياهو اليوم، هو درجات مقيدة بشدة وتجميلية إلى حد كبير من “الحكم الذاتي” تحت سيطرة إسرائيل. ومن الواضح أن هذا هو كل ما يبدو كوشنر مستعداً الآن لتقديمه.
إن الوضع الراهن من الاحتلال العسكري والاستعمار اللذين يقترح كوشنر إدامتهما إلى أجل غير مسمى، يتناقض جذرياً مع عقود من السياسة الأميركية المعلنة، ومع كل مبدأ للحرية والعدالة والمساوة يفترض أن تدافع عنه الولايات المتحدة وتمثله. وسوف يعني السماح لمثل هذا الشخص التافه، الذي يعمل تحت تأثير الأفكار الرجعية لليمن الإسرائيلي، بأن يقوم بتأطير سياسة المتحدة، وضع البلد في موقف يسيء إلى سمعته فحسب.
في حين أن لقاء كوشنر مع العائلة المالكة في لندن ربما يكون قد أدار رأسه، سواء كان يعلم ذلك أم لا، فإن أيام اللورد كورزون واللورد بلفور قد ولت منذ وقت طويل، والحقبة الاستعمارية انتهت. ومع خطط الكولنيالية الجديدة التي وضعوها للفلسطينيين، فإنه هو وحلفاؤه الإسرائيليون إنما يسبحون ضد تيار التاريخ.
 
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Neocolonial Arrogance of the Kushner Plan