Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    05-Feb-2019

هل تَنجَح واشنطن في «إعادة تشكيل» أميركا اللاتينية.. عبر «غزو» فنزويلا؟*محمد خروب

 الراي

«إرسال قوات إلى فنزويلا. . أحد الخيارات».. هذا ما ردّده الرئيس الأميركي، المُولَع بالحروب والمسكون بالعدوانية، في مقابلة مع شبكة «CBS» الاميركية، الامر الذي رفع منسوب المخاوِف وسَقف التوقّعات، من إمكانِية إقدامه على خُطوة حمّقاء كهذه، قد يرى «حزب الحرب"في ادارة ترمب وأوساط الكونغرس والبنتاغون ووكالة المخابرات المركزية CIA ذات التاريخ الاسود في تدبير الانقلابات، في ما كان يُعرَف «حديقة واشنطن الخَلفِية» ان الفرصة سانِحة لإطاحة نظام الثورة البوليفارية الذي أنهى مُؤخّراً عقدين من السنين، منذ وصول هوغو شافيز الى السلطة (بما هو اول رئيس لفنزويلا ينحدر من اهل البلاد الأصلِيّين) عبر انتخابات ديمقراطية، اعترف بشفافيتها المُراقبون الدوليون (إقرأ الأوروبيون والأميركيّون)الذين مُنِحوا حرية كاملة في التجوال على صناديق الاقتراع. ومنذ ذلك اليوم 2 شباط 1999، وفنزويلا التي تتوفر على أضخم احتياطي نفطي في العالم، تتعرّض لحملات تحريض وحصار ومؤامرات وانقالابات عسكرية، من قِبل واشنطن وعميلتها في الداخل الطبقة البرجوازية المرتبطة بالاحتكارات الغربية الرأسمالية، حيث تُوفِّر لها واشنطن دعما إعلاميا وسياسيا مفتوحاً من اجل عرقلة المشروع «الشافيزي»، الذي لم يُحرِز سوى نجاحات متواضِعة نسبياً مقارنة بثروات البلد الضخمة، في ظل «مؤامرة» انخفاض سعر النفط وسياسات الحصار والاضطرابات التي تثيرها"مُعارَضة واشنطن» في الداخل، بعد ان تأكّدت ان الحكم الجديد يُهدّد مصالِحها والمُكتسبات التي حقّقتها، بفضل تحالفها الشرير مع الاحتكارات الرأسمالية، وارتباطها العضوي الوثيق بها القائم في الاساس على استغلال ثروات البلاد ونَهبِها.
 
ليس في ما نقول شِعراً أو محاولة للرد على الذين يتساءلون:عمّا اذا كان ما يجري في فنزويلا يعنينا (...) بقدر ما هو محاولة للإضاءة على طبيعة ما يجري في ذلك الجزء من العالم الذي نحن جزء اساس فيه، وأقصد «جنوب العالَم»، الذي كان وما يزال مَسرحا للنهب والغزوات الاستعمارية والمحاولات التي لا تنتهي للهيمنة على قرار دول وشعوب الجنوب. إن في إفريقيا أم في آسيا وخصوصاً في أميركا اللاتينية،
 
التي عانَت شعوبها ربما اكثر من غيرها من شعوب العالم، عسفاً وظلماً وقهراً واستعباداً مِن المُستعمِر «الشمالي» الأبيَض. سواء كان أميركياً أم أوروبياً، قادَه المُستعمِرون الإسبان والبرتغاليون والهولنديون والبريطانيون والفرنسيون. ولهذا تراهم الآن ينتظمون في جوقة واحدة ويلتقون (كعادتِهم ضد أهل الجنوب) برفع شعارات برّاقة ومنافِقة لا يؤمنون بها، وبل ولا يعترفون بحق شعوب الجنوب في ممارستِها او الولوج اليها، إلاّ وِفق معايير وضوابط وكالات استخباراتهم، التي لم تعد مقارفاتِها وارتكاباتها سِرا. ان لجهة التخطيط وتنفيذ الانقلإبات على الحكومات المُنتخَبة الديمقراطية، كما حدث في تشيلي في العام 1973 ضد نظام سلفادور الليندي، أَم قبله في غزو كوبا وتسهيل مهمة المُنشقّين الكوبيين عملاء الـCIA. والمحاولات التي لم تتوقّف لاغتيال الزعيم الكوبي فيدل كاسترو. وخصوصاً في إعدام تشي غيفارا في العام 1973 بعد سقوطه جريحاً في معركة غير متكافئة مع قوات النظام البوليفي المرتبط بواشنطن وبتخطيط من «خُبرائِها».
 
التاريخ قد يُعيد نفسه، وخصوصاً لان الأميركيين ورهط المُستعمِرين الغربيين لا يتقنون استخلاص دروس التاريخ وعِبره، بقدر افتتنانِهم بمنطق القوة والغزو والاجتياحات وقهر الشعوب. ولهذا اذا كان مستبعداً - حتى الآن - إقدام ترمب على غزو فنزويلا بمشاركة فاعلة من نظاميين لاتينيين التحقا مؤخرا بركب واشنطن، التي أنضجَت ظروفا ملائِمة لصعود رئيسَيّْهما الشعبويين:وهما البرازيلي «بولسونارو» والكولومبي «دوكي» حيث مركز كارتلات المُخدرات والمافيا في بلد الاخير، وهي التي اتهمَها الرئيس الفنزويلي المُنتخَب مادورو، بانها آداة واشنطن لاغتياله بعد صدور الأمر الاميركي لها. . . وِفق ما دورو.
 
ثمّة مؤشرات على ان الانقلاب الذي خطّطت له ورعته ادارة ترمب، بات يُواجِه عقبات جديّة بعد ارتباك السيناريو الذي ظن القائمون عليه، انه سيُصيب نجاحا بمجرد اعلان دُميتِهم «خوان غوايدو» نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد. فاذا بالجيش الفنزويلي الذي راهنوا عليه، يَصطَفّ الى جانب الرئيس الشرعي، وتُسارَع موسكو وبيجين الى رفض الانقلاب، محذرة من غزو البلاد والتمرّد على القانون الدولي. فيما أعلنت كوبا التعبِئة العامة مُوضِحة بجلاء انها ستقِف الى جانب الشعب الفنزويلّي، وتُحارِب من اجل عدم إسقاط نظامها الشرعي.
 
قد لا تأبه واشنطن بمعارَضة ومواقف وإجراءات كهذه، ما دامت وجدت ضالّتها في «منظمة الدول اللاتينية» التي تأتَمِر بتوجيهاتها، وقامَت (باستثناء المكسيك وبوليفيا) بإعلان اعترافها بغوايدو «رئيساً مؤقتا» لفنزويلا. الاّ ان التماسك الذي ابداه الحزب البوليفاري الحاكم والرئيس مادورو نفسه، وخصوصا الجيش الذي لم ينشق عنه سوى جنرال من القوات الجوية لم يلتحق به احد من مرؤوسيه، وضَعَ ادارة ترمب أمام مأزق كبير قد لا تستطيع الخروج منه، اذا ما تأكّدت ان خيار الغزو العسكري الذي يُراد من ورائه استكمال إعادة تشكيل اميركا اللاتينية، وإتمام مسيرة الثورة المضادة التي قادتها واشنطن منذ بدأ التحوّل الاميركي اللاتيني (الديمقراطي وعبر صناديق الاقتراع) نحو اليسار، ودائما في الفوز بالجائزة الكبرى وهي «نفط» فنزويلا المهول، الذي يسيل له لعاب شركات النفط الإحتكارية الاميركية، نقول:سيناريو الغزو العسكري حتى تم لن يكون سهلا او مجرد نزهة، يترتب عليها (كما يتوهّم الأميركيون) انهيار الجيش الفنزويلي واستسلام او هروب الرئيس مادورو نحو بوليفيا او كوبا. وهو امر يُروِّج له نائب ترمب بنس ومستشاره للامن القومي العدواني المُولع بالحروب والاستفزاز اللئيم... جون بولتون.
 
مشروع ترمب لاعادة تشكيل اميركا اللاتينية، لن يُكتَب له النجاح، ومحاولات واشنطن استعادة قيادتها المُنفرِدة للعالم التي كانت عليها منذ انتهاء الحرب الباردة، محكومة هي الاخرى بالفشل. فعالَمنا رغم كل ما يَعجّ به من حروب ومؤامرات وسيناريوهات عدوانية اميركية، ليس هو بالتأكيد العالم الذي عَرَفناه أَوائل تسعينيات القرن الماضي.