Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    05-Jul-2017

عن وثيقة اربد الاجتماعية «2» عبث أحزاب الإسلام السياسي - بلال حسن التل
 
الراي - نواصل تأملنا في الوثيقة التي وقعها وجهاء اربد وقصبتها, آواخر القرن الثامن عشر والتي نظمت العلاقات الاجتماعية, ساعية إلى ترسيخ التماسك الاجتماعي, لرد أي عدوان داخلي وخارجي, فيقودنا التأمل إلى المرجعية الفكرية لهذه الوثيقة حيث نلمس روح وثيقة المدينة المنورة, التي وضعها رسول الله عليه الصلاة والسلام فور وصوله إلى يثرب, لتنظيم العلاقات بين سكانها وتحديد واجباتهم وحقوقهم, في رد العدوان عن المدينة المنورة, بل إن القارئ لوثيقة اربد سيجد أنها استخدمت بعض مفردات وثيقة المدينة المنورة, مثلما استلهمت روحها.
 
كذلك فإن المتأمل في بنود وثيقة اربد سيجد بدون عناء أنها تجسد تجسيداً عملياً قول رسول الله «ص» « أنصر أخاك ظالماً أو مظلوما فقال رجل يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ قال تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره» وفي رواية أخرى « تأخذ فوق يديه», وهذا هو التدين الصحيح الذي يعني أن تأخذ القيم والتوجيهات طريقها إلى التطبيق في حياة الناس اليومية, وهو ما ذهبت إليه وثيقة اربد, ليس في استلهامها للحديث النبوي أنصر أخاك...إلخ فقط بل وفي تطبيقها لقوله تعالى « وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين» فقد نصت وثيقة اربد « على أن كل شخص, من أي حمولة كانت, حصل بينه وبين شخص من حمولة أخرى مشاجرة, يجب على أقارب الشخصين أن يفصلوا بينهما بالوجه المرضي بدون فزعة كل حمولة على الأخرى. والحمولة التي تقوم ضد الأخرى من تلك الأسباب نكون الجميع عليها وضدها».
 
إن هذا الاستلهام لوثيقة المدينة المنورة, وقبله السعي لتطبيق المنطوق القرآني والنبوي في حياة الناس وواقعهم. يقدمان الدليل المادي الملموس على حجم العبث الذي أدخلته أحزاب الإسلام السياسي على دور الدين في حياة الناس, عندما ضخمت الخطاب السياسي على حساب الخطاب الاجتماعي في عملها, فكان حصادها الهشيم, فلا أرضا قطعت ولا ظهرا أبقت, عندما خسرت السياسي بإهمالها للاجتماعي.
 
إن هذه الوثيقة التي وقعها وجهاء اربد , تعكس حالة من الوعي الاجتماعي, الذي نحن الآن أشد ما نكون حاجة إليه, في ظل انتشار العنف الاجتماعي, والجرائم التي تنتهك حرمات البيوت, ولا تأبه بالمال العام.
 
كما أننا أشد ما نكون حاجة إلى إحياء دور القيادات الاجتماعية, التي كانت تلعب دوراً مركزياً في ضبط إيقاع المجتمع, والحفاظ على قيمه, وردع كل من تسول له نفسه بالخروج على النظام العام, وهو ما بينته وثيقة اربد بجلاء عندما نصت على «يجب على كل فرد إذا كان له حقوق عند أي فرد كان من أهالي القصبة, ولم يرغب مراجعة المحاكم, عليه أن يراجع المختارين...ووجوه القرية لفصل دعوته مع خصمه. وإن جميع ما تقرره هيئة ووجوه القصبة فهو حكم نافذ, ولا يحق لأي شخص نقضه ومخالفته, ويكون مجبوراً للانقياد والرضوخ لذلك الحكم».
 
كما أننا أشد ما نكون حاجة إلى إحياء الرادع الاجتماعي, فقد كانت العقوبات الاجتماعية غاية في الشدة والردع لمن يخرج عن النظام العام والأعراف الاجتماعية, حيث» يعد مبطلاً ومفسداً وساقطا من الشرف والناموس والجلوس بأي مجلس ومحل كان وتطرد حيواناته من ضمن حيوانات القرية ولا يرد عليه السلام» كما ورد في وثيقة اربد التي نحن بصددها والتي أوصلت عقوبة المعتدي على الغير إلى هدر دمه عندما قالت « الذي يقتل أثناء تعاطيه السرقات والتعدي على الأموال وعرض الآخر فدمه مهدور»
 
خلاصة القول في هذه القضية هي سؤال خلاصته ألا تعتقدون أننا نرجع القهقري في نظامنا الاجتماعي, وفي علاقتنا الاجتماعية, التي صار العنف عنوانها, وأن آباءنا وأجدادنا كانوا أكثر وعياً اجتماعياً مما نحن عليه الآن؟
 
Bilal.tall@yahoo.com