Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    15-Apr-2019

هكذا حدثت هبّة نيسان المجيدة 1989.. الخلفيات واليوميات

 الطليعة نيوز 

مقدمة :
في الخامس عشر من نيسان قرر مجلس الوزراء الأردني برئاسة رئيس الوزراء آنذاك زيد الرفاعي تعديل أسعار بعض المواد والسلع،
وذلك تنفيذاً لقرار المجلس بمعالجة العجز في الموازنة بزيادة واردات الخزينة وضبط النفقات،
حيث أن مجلس الوزراء وبعد أن اطلع على تنسيبات لجنة المالية والتخطيط والتجارة والصناعة والتموين، وافق على تعديل أسعار السلع التالية:
اسطوانة الغاز من دينار و800 فلس إلى دينارين، لتر البنزين الخاص من 210 فلسات إلى 270 فلساً،
لتر البنزين العادي من 180 فلساً إلى 220 فلساً، وقود الطائرات والسولار والكاز من 65 فلساً للتر إلى 75 فلساً،
كما قرر زيادة الجمارك على المشروبات الكحولية وتعديل أسعار المشروبات الغازية، والمعدنية وأسعار السجائر، وتعديل رسوم ترخيص وتسجيل المركبات.
القرار المذكور أعلاه أدى إلى ما عُرِف بين الأردنيين بـ ”هبة نيسان” والتي بدأت أحداثها
صباح يوم الثلاثاء الموافق 18 نيسان في مدينة معان،وأدّت إلى تحول اقتصادي وسياسي في الأردن.
 
أولًا، خلفيات الهبّة
التحولات الاقتصادية التي أدت إلى هبّة نيسان
ويجب علينا قراءة الهبّة بشكل مناسب؛ لا بكونها ردة فعل على حدث مباشر بل كنتيجة لمسارٍ اقتصاديٍ من المهم التوقف عنده وقراءته.
في الفترة ما بين مطلع السبعينات ومطلع الثمانينات شهد الاقتصاد الأردني «تحسّنًا» على إثر الطفرة النفطية،
فقد زاد حجم الناتج المحلي خلال السنوات 1973-1982 بمعدل وسطي قدره 8.5 % سنويًا كما يشير هاني حوراني في كتابه «أزمة الاقتصاد الأردني».
 ويعزو حوراني هذا الارتفاع إلى عوامل عدة منها، كثافة المساعدات المالية العربية والأجنبية وازدياد حجم الاقتراض من الخارج والداخل
إضافة إلى النمو السريع لتحويلات الأردنيين في الخارج وازدياد عائدات التصدير نتيجة توسع السوق المحلي والخارجي أمام السلع والخدمات.
لكن ، من الصعب التسليم ببراءة خطاب «معدلات النمو» كمؤشر وحيد لقياس الوضع الاقتصادي في البلد، والذي كثيرًا ما يستخدمه ما يسمى بـ«الخبراء» لتمرير توجه اقتصادي معين،
دون الأخذ بعين الاعتبار مصادر تكوين هذا النمو، أو الإجابة على أسئلة فرانسوا بيرو في كتاب «فلسفة لتنمية جديدة»:
«النمو من أجل ماذا؟ ولأي هدف؟ كيف يكون النمو مفيدًا؟ النمو من أجل من؟ لبعض أعضاء المجتمع أم من أجل الجميع؟».
إن ما يسمى بفترة «الانتعاش» الاقتصادي التي شهدها الأردن في سبعينات القرن الماضي
تركت آثارًا كبيرة على بنية الاقتصاد الأردني قد تكون أسست للأزمة الاقتصادية التي مرّت بها البلاد في ثمانينات القرن الماضي.
رغم أن برنامج التنمية للسنوات السبع 1964-1970 تضمّن تقليص الاعتماد على الدعم الخارجي كهدف رئيسي من أهداف البرنامج، إلا أنّ الاعتماد على المساعدات، تحديدًا من الدول العربية النفطية،
تعاظم في بداية السبعينيات، وقفز حجم مساعدات دعم الموازنة من 44 مليون دينار عام 1972 إلى 210 مليون دينار عام 1978.
إضافةً إلى هذا، ساعدت الطفرة النفطية على ارتفاع التدفقات النقدية من تحويلات العاملين في الخارج،
حيث ارتفعت من 7.9 مليون في بداية السبعينيات لتصل إلى 236 مليون دينار عام 1980 كما يشير هاني حوراني.
لكن هذه الوفرة المالية القائمة بشكل كبير على المساعدات والقروض وتحويلات العاملين في الخارج
وجّهت غالبيتها الساحقة إلى القطاعات الخدمية على حساب القطاعات الإنتاجية.
وانعكس تضخم الإنفاق الاستهلاكي المصاحب للوفرة المالية، وهيمنة القطاعات الخدمية والتوزيعية والمالية على حساب القطاعات الإنتاجية على أمرين:
أولا، تركيبة القوى العاملة، حيث يشير حوراني إلى أن القطاعات الإنتاجية كانت في عام 1961 تستوعب قرابة 53.3% من إجمالي القوى العاملة،
وبدأت تتراجع شيئًا فشيئًا منذ بداية السبعينات لتصل إلى 29% في عام 1985.
وترافق هذا مع تراجع حصة القوى العاملة في الزراعة من 33.5 % عام 1961 إلى 7.8 % عام 1985. وكان هذا التراجع، سواء بالقطاعات الإنتاجية أو الزراعية،
على حساب تنامي حصة القطاعات الخدمية والتوزيعية والمالية.
بدأت الدولة منذ منتصف السبعينات تتجه تدريجيًا من الحيز العام إلى الحيز الخاص، تحديدًا مع صعود النخبة التجارية على إثر الوفرة المالية
وتقاطع توجه الدولة مع مصلحة هذه النخبة على حساب القوى العاملة في القطاعات الإنتاجية والزراعية.
إن تشوّه تركيبة القوى العاملة نتيجة التركيز على القطاعات الخدمية كان له الأثر الكبير على بنية المجتمع،
حيث كان من الممكن لتطوير القوى العاملة وتنظيمها في أجسام وهيئات نقابية
أن تساهم في خلق تشكيلات اجتماعية مغايرة تمامًا للتشكيلات الاجتماعية القائمة على الهويات الفرعية العشائرية والمناطقية والإقليمية.
ثانيًا، اتساع الفجوة بين العاصمة والمحافظات؛ ساهم لجوء الفلسطينيين عام 1948 وعام 1967 بشكل كبير في تركيز كتل بشرية كبيرة في منطقة العاصمة،
لكن الوفرة المالية في السبعينات أدّت كذلك إلى تركيز مفرط لمختلف النشاطات الاقتصادية في العاصمة عمان.
ويؤكد حوراني على استئثار عمان في أواسط السبعينات على نحو 93% من المؤسسات غير الحكومية العاملة في البناء والنقل والتخزين والخدمات المالية.
وساهم التركيز الشديد للاستثمارات والمؤسسات الإنتاجية والخدمية في عمان في اتساع الفجوة الاقتصادية والتنموية بين العاصمة والمحافظات.
إذ ضمّت عمان لوحدها في منتصف السبعينيات 54% من مستشفيات البلاد و73% من الصيدليات و84% من الفنادق.
وتمتّع سكان عمان بأعلى معدل من خدمات الطرق التي كانت تصل إلى 92% من سكان العاصمة في الوقت الذي لا تصل فيه إلا إلى 40% من سكان الكرك، على سبيل المثال، كما يقول حوراني.
هذه الحالة من انعدام المساواة خلقت شعورًا بالغبن لدى سكان المحافظات الذين رأوا في هذا التركيز تهميشًا لهم.
كذلك، أدّت مرحلة «الازدهار» بين مطلع السبعينات ومطلع الثمانينات إلى تعاظم الاتجاهات التضخمية في الاقتصاد، حيث أدى تزايد الطلب على السلع والخدمات إلى رفع أسعار العديد منها،
مما أدى إلى خفض القيمة الفعلية للأجور. ويقول حوراني أن الأرقام القياسية للتكاليف المعيشيّة ارتفعت في البلاد حوالي 200% بين عامي 1972-1982
ما أدى إلى خفض القيمة الفعلية للأجور الثابتة إلى حوالي نصف قيمتها الحقيقية كما كانت في مطلع السبعينات.
الأزمة المالية
أدى تنامي المساعدات وتحويلات العاملين في الخارج في فترة السبعينيات إلى تضخم الموازنة العامة وزيادة الإنفاق الجاري.
ومع انخفاض أسعار النفط في بداية الثمانينيات دخل الاقتصاد في مرحلة ركود، إذ تراجعت المساعدات المالية بشكل كبير،
وتراجعت أيضا تحويلات العاملين في الخارج بسبب انخفاض الطلب على العمالة، ويضيف حوراني إلى هذا ظهور عوامل أخرى مصاحبة للأزمة؛مثل ظهور مشكلات تصريف حادة للبضائع المحلية،
حيث تراجعت الصادرات الصناعية الصناعية الأردنية إلى العراق بسبب الحرب مع إيران،
وتراجعت الصادرات الزراعية إلى السعودية ودول الخليج بسبب تمكن هذه البلاد من تطوير زراعتها وتأمين قدرٍ من الكفاية الذاتية.
بالإضافة إلى هذا، شهد قطاع العقارات والسياحة والنقل والخدمات ركودًا شديدًا بسبب الأزمة المالية.
ولجأت السلطة السياسية آنذاك إلى وسائل أخرى للحفاظ على مستويات الإنفاق السابقة في عهد الوفرة المالية،
حيث اتجهت السلطة وبشكل كبير جدًا إلى القروض الخارجية والداخلية كبديل عن المساعدات.
أدت الأزمة الاقتصادية إلى زيادة نسب البطالة وتسريح العاملين من وظائفهم وانحسار فرص العمل، وتشير النشرة الإحصائية السنوية لعام 1985 أنه في الفترة ما بين 1980-1985
ارتفعت أسعار المواد التي تستهلكها الأسر الفقيرة بنسبة 30% بالمقارنة بأسعار 1980.
حيث ارتفعت أسعار اللحوم والدواجن بنسبة 24.5% والألبان والبيض والزيوت بنسبة 27% والسجائر بنسبة 101% والنقل والمواصلات بنسبة 55%.
هذا الارتفاع في الأسعار يعني أن القيمة الشرائية للأجور الثابتة قد انخفضت بنسبة 30% مقارنة في بداية الثمانينيات.
حكومة زيد الرفاعي والتحول إلى السياسة النيوليبرالية
بحسب ديفيد هارفي في كتاب «الليبرالية الجديدة»، فقد شهدت السبعينات إعادة الدول المصدرة للنفط تدوير أموالها عبر البنوك والمؤسسات المالية في نيويورك،
مما عنى أن هذه البنوك حظيت بودائع مصرفية هائلة سعت لاستثمارها. ولم يكن خيار الاستثمار داخل الولايات المتحدة مجديًا نظرًا لحالة الكساد الاقتصادي التي شهدتها منتصف السبعينيات،
وانخفاض معدلات العوائد على الأرباح. لذا، كان تقديم القروض للدول والحكومات الاستثمار الأكثر أمانًا، لأن «الدول والحكومات لا تختفي ولا تتحرك» كما يقول هارفي مقتبسًا عبارة والتر ريستون، رئيس «سيتي بانك».
لكن مع مطلع الثمانينات حدث تحوّل في سياسة مانحي القروض، من مؤسسات الدول الرأسمالية إلى دول العالم الثالث تحديدًا،
بعد تخلف المكسيك عن سداد ديونها وظهور ما سمي بـ«أزمة ديون العالم الثالث».
حينها، يقول هارفي أن إدارة ريغان استطاعت أن تجمع بين سلطات وزارة الخزانة الأمريكية وصندوق النقد الدولي لحل المشكلة،
من خلال إعادة جدولة الديون بأسعار فائدة جديدة يترافق معها شرط إجراء إصلاحات نيوليبرالية.
وبهذا تم تطهير صندوق النقد الدولي من آثار الكينزية كافة وتحوّل إلى مركز ترويج ودعم «أصولية السوق الحر» والعقيدة النيوليبرالية على حد تعبير هارفي.
تبنت حكومة زيد الرفاعي (1985-1989) التوجه النيوليبرالي «لإنعاش» الاقتصاد الأردني وتخليصه من الأزمة.
واتخذت حكومة الرفاعي جملةً من الخطوات من أجل هذا، يمكن تلخيصها بمجموعة من النقاط كما يذكرها هاني حوراني بشكل مفصّل جدًا،
مع ذكر أمثلة على كل نقطة منها، في كتابه أزمة الاقتصاد الأردني:
1- تشجيع ورعاية القطاع الخاص، والعمل على تقليص دور الحكومة والقطاع العام في الحياة الاقتصادية.
2- منح الرأسمال الخاص إعفاءات ضريبية كبيرة وتسهيلات وحوافز مادية جمة على حساب خزينة الدولة.
3- تضخيم الإنفاق الحكومي والتوسع في الإنفاق الرأسمالي بهدف تنشيط القطاع الخاص وتقليل عثراته.
4- ازدياد الاعتماد بشكل غير مسبوق على الاقتراض الداخلي والخارجي لتمويل الإنفاق العام.
5- الاستجابة التامة لمطالب صندوق النقد والبنك الدوليين المسماة بسياسات «التصحيح والتكيّف».
لجأ الأردن إلى صندوق النقد الدولي بعد عجزه عن الوفاء بسداد ديونه، ووقع اتفاقيته الأولى مع الصندوق التي نصت على منح الأردن قرضًا بقيمة 275 مليون دولارًا تدفع على 18 شهرًا،
وإعادة جدولة جزء من ديون الأردن الخارجية التي بلغت آنذاك ستة مليارات دولار مقابل البدء ببرنامج «التصحيح الاقتصادي» والذي، على أثره،
قرر مجلس الوزراء في 15 نيسان، رفع أسعار المحروقات والسلع والمواد الغذائية بين 15 إلى 50%،
وشملت الزيادة أسطوانة الغاز، البنزين، السولار، المشروبات المعدنية والغازية، السجائر، إضافة إلى رسوم ترخيص وتسجيل المركبات.
كردة فعل على هذه التحولات الاقتصادية العنيفة التي شهدتها البلاد خلال السبعينات والثمانينات، انتفض الفقراء والمهمّشون في 18 نيسان 1989 في هبّة شعبية عارمة سميت آنذاك بـ «هبّة نيسان».