التاريخ الشفوي.. سيرة التعليم (4)
الراي - مفلح العدوان - يا أهل القرى، التفوا حول منارات العلم والتعليم في قراكم، فهي التي ردت لكم جميل التأسيس والأيام الصعبة، حين صارت هي بؤر معرفة وعلم وخرّجت لكم الأبناء الذين جازوا الامكنة فراكموا التحصيل العلمي والثقافة وصار منهم المهندس والطبيب والعالم والسفير والوزير وغير ذلك في ضروب المعرفة والعطاء..
يا أهل القرى.. أنتم، أنفسكم، وبألسنتكم وثقتم كل هذا، فحفظتم العهد، كما كان ذات زمن شحّ فيه التعليم، فكان أي تحصيل علمي هو باب خير للناس هناك، وكان نواة تغيير ايجابي فيه نقلة اجتماعية نحو الحضارة والمدنية، وكان أن وثّق بعض معلمو القرى تاريخها فبقيت كتاباتهم شهادات تاريخية على المكان والانسان هناك، واذكر في هذا المقام ما كتبه المعلمان سامي أيوب فخري وعبده يوسف التل، في عام 1939م، عن قرية صويلح(تقع شمال غرب عمان، على الطريق الموصل إلى السلط، على مسافة 13 كيلومترا من مركز العاصمة)، وقد كان تقريرا شاملا حول قرية صويلح وتاريخها وواقعها آنذاك، وأعطياه عنوانا هو (تقرير من قرية صويلح.. وأحوال الزمان)، والذي صار مرجعا مهما في توثيق القرية وتاريخها وذاكرتها لكل من يريد الكتابة عنها.
صويلح.. المدرسة الأميرية
ها هي الكتابة تأتي حول التعليم في صويلح، وفي هذا المضمار لا غنى عن العودة الى تقرير أحوال الزمان لسامي ايوب فخري وعبده يوسف التل، اضافة الى مجموع الكتابات المتعلقة بالتاريخ الشفوي حول المدرسة والتي رصدها الباحث موسى رحال في كتابه (صويلح.. ارض المهاجرين)، وكذلك ذاكرة الدكتور طه سلطان رمضان، ومصطفى الدباغ في (بلادنا فلسطين)، اضافة الى مجموع شهادات شفوية ومعاينات رصدتها في مضمار التعليم في صويلح، خاصة وأنني درست في مدارس صويلح منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي.
زرت مدرسة صويلح، بعد 25 سنة من تخرّجي منها، حيث استقبلتني أشجار السرو عند مدخلها، هذه الأشجار هي بقايا حديقتها التي كانت تأسست في الفترة ما بين 1/10/1934-31/12/1934م، وكانت مساحتها في تلك الفترة تسعة دونمات، حيث قامت دائرة الزراعة بتخطيطها، وزرعها بالحبوب، بعد تسييجها، وأحيطت الحديقة بجدار من أشجار السرو بصف واحد، إلا حديقة الفاكهة إذ يحيط بها صفان متعاقبان. وتذكر الوثائق أيضا بأنه في عام 1935م أنشىء مدجن في المدرسة، وعين للمدرسة معلم زراعي.
تلك ذاكرة أستعيدها مع زيارتي للمدرسة، ومعها أتذكر بعض المعلمين الذي كانوا في المدرسة في الثمانينات، منهم موسى أبو نوار، عبد المجيد العبادي، كمال الواكد، محمد نمر، سليم الدقم، محمد عمرو، سالم الخواجا، سليمان السودة، وغيرهم.
أعود إلى ذاكرة المدرسة، وأحاول أن أكتب قصة التعليم في صويلح من خلالها، مستعينا بمراجع مختلفة وشهادات عديدة من أهل القرية، إذ أنه كان في بداية القرن الماضي كان يوجد في مسجد الشركس فيها كُتّاب لتعليم القرآن الكريم، واللغة العربية على يد إمام المسجد الشيخ علي الترك، حيث كان يقوم بتعليم الأطفال فيه. كما أنه قد درس بعض أبناء شيشان صويلح في كتّاب قرية السخنة على يد الشيخ محمد زاهد الداغستاني، وقد تخرج من هذا الكتاب معظم المتفقهين في الدين من الرعيل الأول من الشيشان، أمثال عبد الحميد عبد القادر من صويلح، والشيخ محمد معصوم من الزرقاء.
لقد تأسست مدرسة صويلح كمدرسة أميرية، في قرية صويلح، في شهر أيلول من عام 1921م، ومن ثم نقلت في شهر أيلول من عام 1927م الى قرية أم جوزة، وبعد ذلك أعيدت الى صويلح في شهر أيلول من عام 1934م، وما زالت حتى الآن، وهي مدرسة صويلح الثانوية للبنين، حيث أنها كانت في البداية ذات صبغة زراعية، وكان فيها معلم واحد، ولكن لكثرة التلاميذ فيها قامت ادارة المعارف بتعيين معلم ثان لها.كان عدد طلاب المدرسة في عام 1939م 150 طالبا من عرب وشيشان وشركس، وكانت تتألف من أربعة صفوف.ولوجود المدرسة في صويلح فإنه يشار الى ترسخ جذور التعليم فيها، حيث أنه في عام 1939م، كان أعداد من يعرف القراءة والكتابة في صويلح على النحو التالي: من الشيشان 147، ومن الشركس 63، ومن عائلة القطيشات 10، هذا بحسب تقرير من قرية صويلح عام 1939م.لكن في الفترة التي انتقلت فيها المدرسة الأميرية من صويلح الى أم جوزة في عام 1927، كان هناك مبادرة لتأسيس مدرسة ليلية، تحت مسمى مدرسة النهضة العلمية القوقازية، حيث تم الاتفاق في آذار 1932م، بعد اجتماع لشباب قرية صويلح، بعد دعوة من ادريس بك سلطان، على أن يقيموا مدرسة ليلية يقوم بالتدرس فيها السيد محي الدين بك الداغستاني، الحائز على شهادة دار المعلمين، وتم افتتاح المدرسة في 27/5/1932م، وأطلق عليها اسم المدرسة الليلية، ثم تبنى النادي القوقازي المدرسة الليلية، وحولها الى مدرسة نظامية أولية ذات أربعة صفوف سميت «مدرسة النهضة العلمية القوقازية في عين صويلح»، وقام النادي بالصرف على المدرسة خلال السنوات 1932، 1933، 1934م.ومن أقدم المعلمين في صويلح يمكن تذكر المعلم يوسف افندي ابن عمر في عام 1922م وهو من شركس وادي السير، والمعلم عبد الكريم الجيوسي في عام 1924م، والمعلم نسيب تقي الدين من سوريا في عام 1926م، والمعلم عبد الحافظ جاسر القطيشات في عام 1934م، والمعلم سامي أيوب أفندي في عام 1939م، وقد أصبح بعد ذلك وزيرا للزراعة، والمعلم عبده يوسف التل في عام 1939م، والمعلم احمد عبد الرزاق هاكوز، والأستاذ مصطفى حيدر الكيلاني عام 1943م، والمعلم صالح فالح الخطيب عام 1946م، ومصطفي العلي النجداوي في أواخر الأربعينات، والأستاذ أحمد الدبعي في عام 1949م، وغيرهم من المعلمين في المراحل التالية بعد ذلك.
القويرة.. «دعم من منظمة كيو»
دائما حين تبدأ المدرسة يلتف حولها أهل القرية بمبانيهم،لكن في القويرة(تقع جنوب الأردن على مسافة خمسين كيلومترا إلى الشمال من العقبة بمحاذاة الطريق الصحراوي، وتتبع اداريا إلى لواء القويرة من ضمن محافظة العقبة) كان الاستقرار الفعلي،وبشكل جماعي، في مساكن ثابتة فيها قد بدأ عام 1958م ضمن مشروع توطين البدو في عهد الملك حسين،وجرى توزيعها على المواطنين في نيسان عام 1963م.لكن قبل ذلك كان يتم استعمال المباني العثمانية القديمة في القرية في الخزين،والسكن الموسمي أحيانا،ولإيواء الحلال.
ويشير أهل القرية الى أن بعضا من أهالي القويرة بنى بشكل فردي فيها مثل الحج عفنان سلمان عوده العويضات الذي يصرحون بأنه أول من بنى في القرية في فترة الخمسينات،كما أنه بنى أيضا جامعا في القرية التي تتوزع فيها المآذن من خلال خمسة مساجد توجد فيها.
المدرسة كانت في تأسيسها سابقة على استقرار الناس في البنيان داخل القرية إذ أن أول مدرسة أنشئت في القويرة كانت عام 1942م، وكانت في بيت شعر،في بيت «صباح بن حسان»، وتم تأسيس غرفتين،وبعدها توسعت وصارت مدرسة.
كما أنه في عام 1969م تم بناء مدرسة أخرى بدعم من منظمة كيو العالمية،وهذه المدرسة هي كلية الحسين بن طلال التابعة للثقافة العسكرية،وهنا لا بد من الإشارة إلى دور القوات المسلحة الفاعل في القويرة حيث ساهمت في إنشاء كثير من المرافق في القرية مثل الوحدات السكنية والمدرسة،إضافة لجامع القويرة الكبير.
كثربا.. «قراية أبو العلمين»
يتحدث أهل كثربا،الواقعة جنوب غرب الكرك على مسافة 25كم من مركز المدينة، أن احد الرحالة مرّ بالقرية عام 1897م وذكر أنه كان فيها ثلاثة معلمين ومئة وعشرين طالبا، لكن الوثائق تشير إلى إن أول مدرسة افتتحت فيها كانت عام1953م وكان بها معلم واحد هو الأستاذ «فهمي»، وكان فيها التدريس حتى الصف الثالث الابتدائي، وكانت مكونة من بيوت طينية في البداية.
كما يتحدث أهل القرية عن أسماء شيوخ الكتاب القدماء فيها مثل الشيخ حامد الدوايمه، والشيخ أبو شريف ، أما أشهرهم فهو الشيخ «أبو العلمين» الذي صار اسمه مرتبطا في ذاكرة الكبار بأنه أفضل الشيوخ في التدريس والإفادة حتى أنهم صاروا يقولون كلما ذكروا التعليم والنزاهة فيه «عُقب (بعد) قراية أبو العلمين ما في قرايه».
منشية القبلان.. «الدراسة في الدفيانة»
عن بداية التدريس في قرية منشية القبلان الواقعة شرق شمال المفرق، بمحاذاة قرية الدفيانة، يتحدث أهل منشية القبلان بأن أبناءهم كانوا يدرسون في الدفيانة في البداية، ثم بعد ذلك أسسوا مدرسة وبنوها على حسابهم،بأن جمعوا من الجميع نقودا لبناء المدرسة،وفي البداية تم بناء ثلاثة غرف مدرسية،كان هذا في عام 1973م،وكان فيها مدرس واحد،وكان اسمه الأستاذ عبد الرحمن الزعبي،ويقول «الحاج فهد الماضي» الذي تشغل ابنته»غازية» موقع مديرة المدرسة الآن،يقول أنه «جاء بعد الزعبي اساتذه ثانيين، مثل عيد عواد حراحشه،وهاني محمد الحنيطي، ودوّاس الخالدي، ومحمد عبود الماضي،ونجاح شاهر الماضي،أما بنته غازيه وهي المديرة الآن فعندها في المدرسة خمس معلمات،والتدريس عندها للصف السادس، وبعد هيك يكون تكميل الدراسة في الدفيانة».