Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    30-Jan-2017

قانون المساءلة الطبية 2/2 - د. كميل موسى فرام
 
الراي - ذكرت في مقالتي السابقة مقدمة مختصرة عن تاريخ الممارسة الطبية ضمن حدود الدولة الأردنية حيث المهارات الطبية والمستوى المتميز وتقديم أفضل وسائل الخدمات العلاجية والتشخيصية المساندة التي تقدمها العائلة الطبية بجميع منتسبيها، ممارسة جعلت من الكادر الطبي والمستشفيات الأردنية محجا لجميع الباحثين عن العلاج من الداخل وخارج حدود الوطن، بل ساهمت بحجز مساحة مقدرة على خارطة السياحة العلاجية في المنطقة، ويقيني أن هناك قوانين ضابطة تحكم العمل الطبي وتمنع العبث بدستوره الذي أقسمنا بأكثر من فترة زمنية عمرية باحترامه عبر رحلة الاختصاص الممتدة، فتطبيق قواعد العلاج وفقا للاصول العلمية المتعارف عليها بأدق الممارسات العلاجية لا يحتاج لفصل إلزامي تحت بنود التهديد بالعقاب كما جاء بالفقرة السادسة من المشروع المقترح، ناهيك أن بقية بنود المادة ذاتها تتحدث عن أبجديات تمثل العامود الفقري للمهنة الطبية بجميع أشكالها، ولكنها صيغت بالمشروع المقترح لتجرم الطبيب على عمله بالقدر الذي يسمح للمريض وذويه والمستفيدين باستخدام سلاح التهديد للابتزاز المادي وهم يدركون أن نسبة مقدرة من الأطباء تتجنب الدخول بمناقشات توفيرا للوقت والمكانة، فجاء القانون بصيغة جزائية والذي يفترض أن يحترم المهنة ويقدم بصورة حقوقية.
 
تمثل بنود المادة السابعة من القانون المقترح سيفا قاتلا يهدد المهنة وإعدامهاخصوصا بالفقرة «ب» التي تعاقب مقدم الخدمة إن اعتذر، بجملة جامدة انتهت بعلامة الترقيم « النقطة» والتي تمثل لغويا نهاية الجملة، ستشكل باب الابتزاز الأكبر وسببا وجيها لاختلاق المشاكل تحت هذا البند الذي سيمنح المرضى أو الممثلين للادعاء بالمرض بطريقة تمنح صك التقدم بشكوى ضد الطبيب خصوصا أنها تفتح المجال للتلاعب بفنون التمثيل المرضي، وأريد أن أتسائل باستغراب كبير عن الهدف من فقرة كهذه ضمن فقرات القانون، ولماذا يصر المشروع على جعل الطبيب الطرف الضعيف بالمعادلة بكل معطياتها بل لماذا نعطي الحق لتسليط السهام على عناق الأطباء بالقوة الجبرية لتقديم خدماتهم ضمن مجال اختصاصهم، فقد تجولت بالقوانين الطبية للعديد من الدول المقارنه ولم أجد قانونا واحدا يحتوي على مثل هذا البند الذي سيساعد على هجرة الكفاءات الطبية تفاديا للاصطدام مع القناصين، ناهيك أن المريض والنظام الصحي هما أكبر الخاسرين بالمعادلة المقترحة، فهل مقترح القانون ساهم ولو بجزء يسير بتكلفة مسيرتي الطبية ليسقط فتواه بسيف القنون للإذعان بتقديم الخدمة العلاجية ؟ 
 
ندرك جميعا أن القوانين التي تنظم العمل تقتل وتتفكك عندما تكثر لجانها خصوصا إذا علمنا أن صاحب الولاية بتشكيل اللجان يستطيع توجيه بوصلتها حسب رؤيته وقناعته، والمؤسف أن القانون المقترح يوصي بتشكيل اللجان للنظربالشكاوي والدعاوي التي يقدمها متلقي الخدمة أو من يمثله حتى لو كانت كيدية بحق مقدم الخدمة ورأس هرمها الطبيب صاحب الخلق والانسانية، فقرة تصور الأطباء بأنهم أصحاب قلوب قاتلة وسوابق تحتاج للعقاب بشتى أشكاله، ويهمني أن أؤكد أننا أصحاب رسالة سامية تهدف أساسا بتقديم الخدمة الصحية على أكمل وجه وبأحدث ما وصلت اليه تكنولوجيا الخدمات الطبية بدافع ذاتي، ولا نحتاج لفتح سجل للأخطاء الطبية كما يراها المشروع خشية أن نلزم بالحصول على شهادة براءة من اللجنة عند تجديد الاشتراك السنوي أو التقدم للعمل اسوة بشهادة عدم المحكومية وحُسن السلوك. هناك الفقرات الاضافية القاتلة لهذه المسودة والتي توضح السبب الأساسي لتبني البعض وبقوة بالدفع نحو إقرار القانون بصيغته الغابرة التي توصي صراحة بإلزام الأطباء بالبحث عن شركات التأمين (الجاهزة سلفا للانقضاض على الأطباء) للحصول على حماية مالية، وربما أن تفصيل بنود القانون أصلا قد جاءت لهذه الفقرة بالتحديد، ففُصلت البنود بما يخدم الهدف وهي فقرة ستعود بالنفع على أصحاب شركات التأمين والوسطاء بمختلف درجات النفع العائدة للعرابين، ليصبح الطبيب مطاردا بعمله ورزقه ومكانته بنفق يضيق ويضيق في نهاية المشوار تمهيدا للهجرة من المهنة أو المكان، والمؤسف حقا أن ذلك يمثل خطوة تكاملية للقضاء على الجسم الطبي عندما يصبح مهددا بعمله وشخصه، فإقرار قانون كهذا، يعني زيادة كبيرة بأسعار الخدمات العلاجية بجميع مراحلها، فجزء من الدخل المادي المتحقق سيدفع لشركات التأمين التي سيزيد إزدهارها على حساب مقدمي الخدمة الطبية، وجزء مثيل سيذهب لضريبة الدخل التي تصنف الأطباء بأنهم أصحاب الدخل العالي بالشريحة التصاعدية الأعلى، وجزء موازي سيذهب لتسديد الأجور والنفقات والتراخيص والمستلزمات والأجهزة الحديثة والايجارات، وجزء ثابت من الدخل سيكون نصيبا للمحامين الذين سيدافعون عن الطبيب والمراكز والمستشفيات بأسعار تتضاعف نتيجة الزيادة المتوقعة بالدعاوي على الأطباء التي سهلها القانون المقترح، بل وهناك زيادة مضطردة بالعبء على السادة القضاة أصحاب الشرف في الجهاز القضائي للنظر بالدعاوي الطبية وبمختلف درجات التقاضي ونفقات خبرات طبية تستنزف جزء من الدخل المتحقق للطبيب، لتصبح الخدمة الطبية خليطا متداخلا بدون نظارة أو أو رؤية. المؤسف أن العرابين للقانون المقترح يدركون أن قوانين المهنة الطبية التي تحكم العمل الطبي ممثلة بوزارة الصحة ونقابة الأطباء هي قوانين عصرية للمريض والطبيب وتنظم العلاقة بصورة مثالية بدون فجوات، فالمقصر يحاسب من جمعيته ونقابته، ويحاسب من الوزارة المسؤولة عن الشأن الصحي، وأبواب المحاكم مفتوحة لمن يعتقد بحصول خطأ طبي تضمن له حقوقه، حقائق تجعلني أكرر سؤالي عن الهدف من صياغة قانون قاتل للمهنة وأصحابها، سوف يجبر أصحاب المهارات على هجرتها، بل وكيف تصاغ بنود القانون بعيدا عن رأي أصحاب الشأن ممثلين بنقابتهم التي من واجبها حماية جميع أطراف المعادلة الصحية؟ من باب الأمانة والاجتهاد، أكرر النصيحة بظروفها المثالية للأخذ بها بضرورة الحذر من إقرار القانون بصيغته الحالية لأن ذلك سوف يضحي بمقدم الخدمة ومتلقيها بنفس الوقت بسبب زيادة التكلفة المالية على الطرفين، ويقيني أن وضع المواطن لا يسمح بأي مساس بواقعه الصحي، أو ميزانيته العائلية، فهل يدرك واضع القانون ومن يدفع لسرعة إقراره (بغض النظر عن هدفه المعلن أو المخفي) قبل التوافق على بنوده مع أصحاب المهنة ونقابتهم، أن المريض سوف يكون الضحية بالتوازي مع الطبيب؟ وأتمنى على معالي وزير الصحة بما عرفناه عن حرصه على المهنة واستقرارها وتطويرها، بسرعة الاستجابة لنداء الجسم الطبي وسحب المشروع من مجلس النواب لصياغة قانون بالتوافق لا يهدد أو يهضم الحقوق ونسميه قانون عصري. أمنية برسم التحقيق.