Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Nov-2015

اللامركزية على المحك*د.باسم الطويسي

الغد-أخيرا، وبدسترة قانون اللامركزية، يبدو أن خطوة على طريق الإصلاح قد أنجزت، رغم بعض التحفظات على هذا القانون. من جهة أخرى، فإن إعادة القانون السابق المفرغ من مضمونه الإصلاحي، بعد رفض الملك التصديق عليه بموجب صلاحياته الدستورية، تشكل دليلا آخر على الحاجة إلى المضي قدما في ترسيخ قيم الملكية الدستورية في الممارسات السياسية وليس كمجرد شعار سياسي، وأبرز أدوارها دور الملك باعتباره الحامي للدستور والإصلاح معا.
بعد أكثر من عقدين من المعارك السياسية والجدل حول حاجة الأردن إلى نمط جديد من الإدارة أو الحكم المحلي، وبعد عقد من بدء طرح مشاريع مكتملة على هذه الطريق، ننتقل خلال أشهر إلى تطبيق القانون الجديد الذي من المفترض أن يشكل النواة الأولى للديمقراطية المحلية بصيغتها الأردنية. إذ لا يمكن، بأي شكل من الأشكال، ترسيخ الديمقراطية على المستوى الوطني من دون أن تكون لها جذور اجتماعية وإدارية على مستوى المحليات. ولعل هذا الدرس نتعلمه من فشل محاولات التحول الديمقراطي في أكثر من بلد عربي وغير عربي؛ تلك البلدان التي حاولت أن تعلّق الديمقراطية في الهواء من دون حامل اجتماعي، ومن دون جذور عميقة في الممارسة الديمقراطية في المجتمعات المحلية التي فيها تنضج الديمقراطية، كما فيها تنضج القابلية للتكيف مع الاستبداد وإنتاج التطرف، ومنها أيضا تخرج حركات التغيير والثورات.
الأمر الأهم من القانون، أن تكون البلاد مهيأة بالفعل لهذا الانتقال الاجتماعي والسياسي والتنموي والإداري. وهنا السؤال الذي يضع المشروع الإصلاحي على المحك. فالمسألة ليست مجرد مجالس محلية أو برلمان محلي وحكومة محلية؛ وإنما انتقال اجتماعي سياسي، يؤسس لإعادة إنتاج المجتمعات المحلية في المحافظات ضمن مصفوفة كبيرة من متطلبات التغيير، التي تقود إلى إعادة التمأسس لهذه المجتمعات على قيم المشاركة والمسؤولية، وبالتالي الإنتاجية والتنافسية، وفي نهاية اليوم تحقيق تغيير نوعية الحياة للأفراد والأسر.
إذا نظرنا إلى اللامركزية على أنها مجرد قانون يتيح مجلس محافظة إلى جانب المجلس التنفيذي؛ أي اختصار الأمر في شكل الإدارة المحلية، فإن المشروع بأكمله قد لا يكتب له النجاح، وسيتم التخلي عنه بسرعة. الفكرة الأساسية في تجارب اللامركزية هي أنها عملية تحول اجتماعي وسياسي نحو مجتمعات تخطط لنفسها وترفع مكانة الإنتاج المحلي وقيمته. وهذا هو جذر الاختلال التنموي في المحافظات، حينما قادت السياسات التنموية إلى تفريغ المحافظات من أنماط الإنتاج التقليدية، ولم تؤسس لأنماط إنتاج حديثة.
الدولة الأردنية التي قارب عمرها القرن، تأسست وتطورت على نظم مركزية كانت الدولة بحاجة إليها في مراحل التأسيس والتنمية المبكرة. هذه الخبرة الطويلة من المركزية لا يمكن شطبها بجرة قلم، ولا يمكن تصور انتقال سلس وسريع نحو اللامركزية من دون مشاكل ومعوقات. ما يعني أن المحك الحقيقي يكمن في خلق بيئة مواتية لعملية الانتقال، وتهيئة المجتمعات المحلية لمشاركة فعلية، ورفع الكفاءة الوطنية في المشاركة؛ أي كيف نجعل الناس في المحافظات يشاركون وينتخبون بدوافع المصلحة العامة التي يجب أن تعكس مصلحة كل فرد. والمحك الآخر يكمن في أداء السلطات المركزية، ونعني الحكومة المركزية والبرلمان الوطني؛ بقدرة هذه السلطات على الاستجابة السريعة والكفؤة لحاجة هذا التحول. وهذا يحتاج إلى إصلاحات إدارية، وإعادة هيكلة بعض الوزارات، وعلى رأسها وزارات البلديات والتخطيط والداخلية، لكي تكون أكثر استعدادا واستجابة لهذا التحول.
الحكومة المقبلة ربما عليها أن تطرح قائمة مهمات عاجلة، عنوانها إعادة تأهيل الإدارة العامة للتحول نحو اللامركزية. وهي عملية ليست سهلة وليست مضمونة النجاح، لكنها مهمة أساسية وجوهرية في طريق الإصلاح وردم الفجوة التنموية التي تعاني منها المحافظات، وواحدة من الفرص المحدودة أمام الأردن للعبور.