Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    27-Dec-2019

أشبه بالحلم

 الدستور-نايف النوايسة

هل باغته حلم عابر وهو بين اليقظة والوسن؟
   كل شيء ممكن..
   كان يبتسم، وبدا لي فاتح العينين.. ويغمضهما بعض الأحيان إغماضة طويلة وفي كل الحالات يظل مبتسماً، حتى أشكل علينا أهو نائم أم يقظ؟ وهل بوسع الإنسان أن يكون نائماً ويقظاً في اللحظة ذاتها؟ وهل بوسعه التحكم بمشاعره في مثل هذه الحالة؟ هذا افتراض قد لا يصح، لكن ماذا أقول عن حالة أحمد الذي راح يغط في نوم عميق وابتسامته من زمن اليقظة مسترخية بين شفتيه؟
   تدخّل ابنه ولمس قدمه ليوقظه، فتح عينيه ثم سأل: ماذا تريد؟ قال: سهّل رأسك يا أبي لتنام مرتاحاً. قال: أنا لست نائماً. قلت لابنه: دعْه، التعب والمرض أنهكه. ابتسم وراح يُشخّر مع كل إغماضة عين.
   كانت فرصة لي لأقرأ أحمد من الداخل.. من أعماق نفسه السحيقة المخفية بعيداً وراء الأقنعة الكثيفة التي تُغلّف الحقيقة وتقف حاجزاً في طريق التلقائية.. لم أكن طبيباً نفسياً ولكنه الفضول....
  لانت تقاطيع وجهه وشكلت سطحاً هادئاً لا موج يعكره.. يبتسم كالبرق الخاطف ثم يُرسل تكشيرة سريعة، ويتنفس بعدها بعمق ويتقلب بين حين وآخر.. كان كوناً مذهلاً يخفي وراءه عوالم معقدة رُكّبتْ بعناية.. حركاته المفاجئة تفضح سكونه.. صمت مُطبق يجثم عليه إلاّ من بعض أصوات غير المفهومة التي تفلتُ من بين شفتيه بين حين وآخر.
   أعرف أن يوماً عصيباً مرّ عليه حين حملته(الجلطة) إلى مشارط الأطباء وأجروا له عملية جراحية تكللت بالنجاح..
    هو الآن ضعيف منهك ويُرسل شخيراً له مزايا موسيقية.
   لامستْ يدي قدمه بالصدفة وتمتم بعدها بكلمات أغرتني بالاستزادة.. كان يبتسم وفضولي كان فاضحاً.. ظللت ممسكاً بقدمه وكأنني أُمسك بصنبور ماء، ولسان حالي يقول له: هيّا يا صديقي ها أنا منصت لك..
   انطلق لسانه من عقاله وتحدث بعصبية: يا الهي ما هذه الملابس التنكرية التي لحقتني وارتدني، يا أولادي من فعل ذلك؟ ألم تعلموا بأني ذاهبُ للقاء؟ وكيف ضمّ هذا الحذاء البالي رجليّ؟ ولحيتي استطالت أيضاً وكأنها من مخلفات أهل الكهف؟! يبدو أنني سأظل في السيارة.. قهقه: يا للسخرية، أهكذا أكون معكم بهذا الشكل ولا ولا ولا تفعلون شيئاً؟! قهقه وحرّك يديه..
   خفت من حركاته وظننته يراقبني كلما رمشت عيناه.. أصابعه تنتفض وشفتاه ترتجفان وحبّات عرق نزّت من جبهته، ويتمتم: دعوا السيارة، اتركوها تطير، أنا سائقها وأعرف أين تهبط.. سكت وهو يتململ وقال: لا أدري أين نحن..؟ ها هو الشاطئ هيّا انزلوا.
   ضحك بمرارة: أحسّ بأنني عارٍ.. لا شيء يسترني؟! لن أشارككم اللقاء اذهبوا وحدكم.. لا لا لا سأذهب، إني أراهم من بعيد.. كلهم مثلي لا يلبسون، سأذهب..
   وضع يده على رأسه بعصبية وقال وهو يئن: آخ يا رأسي.. فتح عينيه ثم نكّسهما متفقداً بدنه وتلمّس صدره، وقال: أين أنا؟ لم ينتظر منا إجابة، وإنما أراح جسمه واستقر نظره واسترجع بسمته المعهودة.. سألته: أكنت غارقاً في حلم مزعج؟
   ألقى مؤخرة رأسه على باطن كفيه وأُسندا ظهره إلى الكنبة وقال: قفز قلبي من صدري فجأة وراح يطير في الهواء من تلة إلى تلة ومن وادٍ إلى واد، وهو يصيح: الخلاص الخلاص، كان متصلاً بي بخيط رفيع لا أدري ما هو، وجريت خلفه لاهثاً وأنادي: رويدك قف، لا تبتعد، حتى وصل منحدراً حاداً فهوى فجذبني إليه بشدة، فوجدت نفسي متزحلقاً خلفه، فاعترضنا غصن من شجرة خاوية فتعلقنا به الاثنان.. كنا نلهث من شدة الإعياء.. وألقيت نظرة تحتي فلم أجد إلاّ فراغاً مرعباً، فحملت قلبي وأعدته إلى صدري.. شخصتْ ببصري إلى السماء وقلت(لا إله إلا الله سبحانك إني كنت من الظالمين)فرأيت حبلاً قد تدلى فدنا مني فتشبث به وعدت ُإلى القمة..
   تبسّم أحمد بارتياح وقلت له: لكن الذي كنت تتمتم به غير هذا.. فتح فمه مستغرباً وقال: وما الذي كنت أتمتم به؟ فسردته له.. قال مستذكراً: ربما يكون هذا أشبه بالحلم في محيط كابوس لا نهاية له وأنا أطارد قلبي..