Wednesday 11th of September 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Apr-2013

قصة "الجزية" *د. رحيّل غرايبة

العرب اليوم-يجري تخويف غير المسلمين من النظام السياسي الإسلامي الذي يبشر به الإسلاميون الناشطون في المجال السياسي، وتزداد وتيرة الرعب والتخويف في ظل ثورات الربيع العربي وبروز نجم الحركات الإسلامية في الانتخابات الحرة التي تجري بعيداً عن تدخل الأنظمة المتسلطة في صناديق الاقتراع.
يجد هذا التخويف صدى لدى بعض الفئات المثقفة، وبعض الفئات السياسية التي تتبنى أفكاراً مخالفة للفكر السياسي الإسلامي، ويكبر الجدل ويحتدم النقاش في ظل التنافس السياسي بين الأحزاب المتصارعة على السلطة، ويكبر هاجس القلق من قدوم الإسلاميين نتيجة عدة عوامل:
العامل الأول المتبلور من خلال زيادة منسوب التطرف والتعصب بين أتباع الأديان على مستوى العالم، وهذا التطرف وهذا التعصب أصاب بعض المسلمين كما أصاب غيرهم، فهو ليس مقتصراً على بعض أتباع الدين الإسلامي كما يصوّر الإعلام الغربي والشرقي ومساحة كبيرة من الإعلام المحلي كذلك، الذي أسهم إسهاماً واضحاً في تشويه الحقائق واخفائها، وإذكاء روح التعصب تحت تأثير الخصومة السياسية، والخصومة الثقافية والدينية أحياناً كثيرة.
العامل الثاني يتجلى في الجهل الذي يضرب أطنابه لدى أغلب فئات المجتمع من المسلمين وغير المسلمين حول بعض حقائق النظام الإسلامي وبعض النقاط الجوهرية في مجال نظام الحكم على وجه التخصيص، وذلك لانقطاعه عن واقع الحياة والتطبيق فترة طويلة، ولإخفاء كثير من حقائقه الجوهرية بفعل الحكام المستبدين بالسلطة عبر كثير من مراحل التاريخ الإسلامي.
أما العامل الثالث فيتمثل بالعجز الكبير الذي أصاب العقل الإسلامي الحديث عن تطوير صيغ جديدة معاصرة لنظرية الإسلام في الحكم، ولعدم القدرة على العرض الموفق لفكرة الإسلام الجوهرية في معالجة شؤون الحياة وشتى المجالات الدينوية وعلى رأسها إدارة المجتمع البشري، وحل مشاكله السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بطريقة علميّة منهجية، تجمع بين القواعد والأصول الثابتة من جهة، وبين المساحة الواسعة لدور العقل والاجتهاد والخبرة والتجربة البشرية.
من بين المسائل التي يجري الخوض فيها على سبيل التخويف وإثارة الفرقة والخلاف بين مكونات الأمة هي مسألة "الجزية"، حيث يزعم بعضهم أن المسلمين سيفرضون الجزية على المواطنين من غير المسلمين في حالة تطبيق نظرية الإسلام في الحكم.
وهنا ينبغي الإشارة بوضوح إلى أن مسألة "الجزية" ترتبط بموضوع الحرب والقتال بين المسلمين وبين أعدائهم، حيث يتوجب على المسلمين في حالة القتال أن يخيّروا أعداءهم قبل بدء المعركة بين ثلاث خصال: إما الإسلام وإما التخلي عن القتال واللجوء إلى الصلح مقابل الجزية، وإما القتال، وهذا ما ورد في الوصية المعروفة لكل الجيوش المقاتلة: "إذا لقيت عدوك فلا تقاتلهم حتى تدعهم إلى إحدى ثلاث خصال.."
فالجزية مشتقة من الجزاء، وهي مبلغ من المال يُعطى مقابل تأمين الحماية لهم في أرضهم وعلى أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وإذا لم يستطع المسلمون تأمين هذه الحماية لا يجوز أخذ هذه الأموال، وهذا ما تم فعلاً مع القائد الفاتح أبي عبيدة عامر بن الجراح، عندما أراد الجيش الانسحاب من المدينة لأغراض "تكنيكية" عمد أبو عبيدة إلى أرجاع الأموال إليهم واعتذر عن حمايتهم.
أما التعامل مع المواطنين في الدولة فقد أوضحه الرسول العظيم (صلى الله عليه وسلم) في وثيقة المدينة الدستورية الأولى عندما جعل جميع المواطنين من المسلمين وغير المسلمين سواء أمام القانون، وأقام الدولة على أساس المواطنة وفرض المساواة بين المسلمين وغير المسلمين في الحقوق والواجبات، ومنها الواجبات المالية التي تفرض على جميع المواطنين تحت مظلة القانون الواحد دون تفرقة أو تمييز على الدين أو العرق أو المذهب أو اللون.