Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    21-Oct-2016

المسلم المُدلّل - معاذ بني عامر

 

(1)
الغد- كشفت حادثتا: 
1 - اغتيال الكاتب ناهض حتّر، انطلاقاً من مرجعية دينية ارتأت ضرورة حسم المسألة، وذلك بمحاسبته حساباً كبيراً هنا والآن، عبر إراقة دمه، نظراً لأنه أخطأ خطأً فادحاً بحقّها، وهي المعصومة بإذن الله؛
2 - وحرق الكتب المدرسية في كثير من المناطق الأردنية، انطلاقاً -أيضاً- من مرجعيات دينية، 
على اعتبار أن التعديلات المُفترضة التي أجريت (يفترض بأي تعديل أن يكون جوهرياً لا عرضياً، وما أقدمت عليه وزارة التربية والتعليم لا يتعدّى كونه تعديلاً عرضياً، وفي حقيقة الأمر بقي كل شيء على ما هو عليه أساساً) هي محاولة للنيل من حالة الطُهر التي يعيشها المُسلم، ويُسْعَى عبر عمل تخريبي، مثل تعديل الكتب المدرسية، إلى تدنيسها وتلويث مسلكياتها.
كشفتا عن مسلم سأصطلحُ عليه بـ"المُدلَّل" هَهُنا، اعتباراً للنظرة الطفولية التي تحكم نظرته للعالَم؛ فهو يُريد مجتمعاً وفقاً لمقتضيات نظرته تلك، وساعة لا يحصل على ما يريد، فإنه يُهدّد بالصراخ والصياح وإعلاء الصوت، وفي كثير من الأحيان يتجلّى هذا الصراخ فعلاً دموياً كما حدث ساعة اغتيال ناهض حتّر، أو ساعة تمّ إحراق كتب المناهج.
(2)
في الخلفية، أو في كواليس حادثتي:
 1 - اغتيال ناهض حتّر و2 - إحراق الكتب المدرسية، كان ثمة تحضير ذهني محموم لهذا "الدلال" الذي سيتجلّى بعد حين كحدثٍ دامٍ على أرض الواقع، وتُثبت بموجبه تلك الفئة المُتدينة، أنها بصدد عالَم طاهر وفقاً لمفاهيميتها عمّا هو طاهر، وينبغي اتباعه من قبل الكُلّ؛ لكيلا يدخل المجتمع في سلسلة من النجاسات المكروهة والمذمومة. أو التهديد -في حال عدم الامتثال لهذه الطهارة، تحت وطأة نقدها أو تبيان تهافتها من قبل البعض- بالزعل والغضب إذا لم تُحقّق هذه الطهارة -المرة تلو الأخرى- وفقاً لنموذجها المبدئي. إلى درجة أن هاجساً بدأ يتمظهر في المجتمع، لناحية الحسّ الطفولي المُدمّر الذي ينطوي عليه هكذا مُتديِّن في تعامله مع العالم المحيط به، فهو إما أن يحصل على ما يريد، أو يحرق الأخضر واليابس، دونما مراعاة لمقتضيات الدولة التي يتمثلها هذا المجتمع، فنموذج الطهارة الذي يؤمن به هكذا مُتدين، ويسعى إلى إجبار الناس عليه -طوعاً وكرهاً- هو نموذج أكبر من أيّ إحداثية دنيوية، حكومةً كانت أم قانوناً أم عُرفاً... إلخ، فهو يدفق من علّو يتجسّد حيّاً وحياةً عبر هذا المؤمن تحديداً، لذا تصير تصرفاته ليست تصرّفات عادية كتلك التي يقترفها الإنسان العادي، بل تصرّفات مُباركة، لأنها تسعى إلى تحقيق ما هو أعمق من تفكير الناس العاديين!
إذن، في العَلَن تمّ اغتيال ناهض حتّر، على يدّ مُتدين، كنوعٍ من الاحتجاج الدامي على ما أقدم عليه حتّر، واعتبره هذا المتدين مسّاً لمنظومة الطُهر الديني التي يسعى إلى تحقيق مسلكياتها في المجتمع، شاء من شاء وأبى من أبى. وتمّ إحراق بعض الكتب المدرسية من قبل بعض الناس، لأنهم رأوا أنَّ إقدام وزارة التربية والتعليم على تعديل أي شيء يتعلق بالنصوص الدينية، مَسٌّ بمنظومة الطُهر التي يسعون إلى الإبقاء عليها فاعلة في المجتمع، حتى لا يتلوّث، ويفقد معناه في هذا العالَم.
في الخلفية، أو بالأحرى في التحضير لهذين الحدثين، تلطخّت الجدارن الافتراضية لكثير من المثقفين المُتدينين (هنا يتساوى من حصل على شهادة علمية عالية، ومن هو أمي لا يقرأ ولا يكتب، فالأطروحة الدينية بصيغتها الفاعلة في مجتمعاتنا، هي أطروحة جاهزة وناجزة، وفي الغالب الأعم تُورّث توريثاً تسليمياً) بنُتف صغيرة من الدماء التحريضية، تحثّ على استرداد حقّ المسلمين المسلوب، الذي انْتُهِكَ -كمرةٍ أولى- من قبل ناهض حتّر ومن لفّ لفيفه، وانتهك -كمرةٍ ثانية- من قبل وزارة التربية والتعليم، ومن يدور في فلكها. بما جعل من حالة الدلال، حالة عابرة من ذاتٍ فردية، تسعى إلى الثأر العنيف من تصرّفات تمسّ منظومتها الطاهرة؛ إلى ذاتٍ جمعية، اشتركت في التحضير لهذا التصرّف الفردي، وذلك بمباركة فعلته مسبقاً في الأذهان، والتأسيس لما سيُنجزه السياق الفردي في الأعيان.
مرحلة ما بعد الاغتيال والحرق، تجلّى "الدلال" على أكمل وجه، إذ تحوّلت الجدارن الافتراضية والمجالس الواقعية إلى حلقات ذمّ وشتم لكل من يحاول التطاول على منظومة المسلم التي يمتثل لها من لحظة ميلاده المادي، إلى لحظة خلوده في العالَم الميتافيزيقي، فهي منظومة طاهرة، وكل ما سواها نجس بالضرورة.
(3)
وفقاً لمقتضيات التربية التي يتربّى عليها المُسلم عموماً (لربما كانت هذه التربية عابرة لأغلب أتباع الأديان، على اختلافها، فنموذج التربية الحقّة هو نموذج مشترك بينها، لناحية الصوابية المُطْلَقة، لكن بما أننا بصدد مناقشة حالة داخل مجتمع إسلامي، فسأختصر على المسلم هَهُنا)، فإنه يتربّى على أساس أنه أصلح الناس وأفضلهم وأطهرهم وأحسنهم وأتقاهم وأنظفهم. وشيئاً فشيئاً يتعمّق هذا الإحساس بالفوقية، إلى درجة تصبح معها العودة إلى الخلف أو حتى التوقّف لمراجعة هذه الفوقية، ومقتضياتها الحياتية، ضرباً من الانتحار الوجودي، لأنّ أي نقاش أو مراجعة هو بمثابة فقدان لأكبر قيمة للمسلم في هذه الحياة، فحياته متموضعة بين الصُلح والطُهر والحُسن والتُقى والنظافة. لذا يُسلّم المسلم، وفقاً لذلك، بما هو عليه تسليماً نهائياً، ويصبح قياسه للعالَم والناس قياساً أحادياً، يحتكم إلى ما رُبّي عليه، فهو لا يفتأ يُخضع الناس لمُدخلاته، ويسعى إلى أن تكون مُخرجاتهم وفقاً لما صار إليه، وفي حال لم يُمتثّل إلى هذه الشرطية القهرية، يُجلّي حالة الدلال التي عاينها طول حياته، كسلوك عملي على أرض الواقع. وفي أغلب الأحيان تأخذ حالة التجلّي هذي، شكلاً مأساوياً، فالحسّ الطفولي الذي يعيشه، ويسعى إلى مقاربة العالَم انطلاقاً منه، وذلك بالحصول على كل شيء، أو التهديد -بما يقوم به الأطفال عادة- بالبكاء والصراخ والعويل والتكسير والتخريب، سيكون حسّاً غير خاضع لأي مقتضيات تربوية أو أخلاقية، من شأنها الحدّ من غلواء الطفولة، لاسيما إذا ما تحوّلت إلى حالة عبثية، لا همّ لها إلا تحقيق المصالح الأنانية.
(4)
إذا ما بقي الوضع على ما هو عليه، وذلك من شعور عارم من قبل هذا المسلم، بأنّه على صوابية مُطْلَقة، مع ما تقتضيه هذه الصوابية من شنِّ حرب على كل من لا يؤمن أو يُشكّك أو ينفي وجود مثل هذه الصوابية، فإننا سنصل إلى حائط مسدود في تعاملاتنا مع بعضنا بعضا، لأنّ ذلك الشعور الطفولي بالحصول على ما يريد الشخص، أو التهديد بما هو عنيف، قد ينتقل إلى الآخرين ويصيبهم شعور "دلالي" مماثل، فهم بصدد الحصول على ما يريدون أيضاً، أو اللجوء إلى ثقافة الصراخ والتهويل والتخريب والقتل والإيذاء، لأنها أقصر الطرق لتحصيل الحقوق المُفترضة، إذ لا أحد أفضل من أحد، طالما أن ذلك "الدلال" قادر على تحصيل تلك الحقوق، حتى ولو وصل الأمر إلى القتل وتخريب البنية الاجتماعية والقضائية، التي يمكن أن يحتكم إليها الناس في معاملاتهم اليومية.