Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    04-Feb-2017

شذرات - ابراهيم العجلوني
-1-
 
الراي - مَنْ لا يفتأ يكررُ نفسه لا يخرج في حقيقة امره عن اثنين: اولهما رَجُل لم يعد قادراً على الابداع والعطاء فهو يجترُّ ويجترُّ دونما طائل او عائدة، وثانيهما رَجُلٌ ممتلئٌ غروراً يحسب أنه يلقي في الناس اعلاقا نفسية وجواهر نادرة، وفي كلتا الحالين نحن امام مرض عُضال يفتك بصاحبه ولا يدعه إلا وهو سخرية الساخرين. 
 
-2-
 
عرفته صغيراً يستجدي ان يُعترف به على اي نحو، وكان لم يزل في واقع الفكر والثقافة (والصحافة) من يملك ان يزن الكلام بمعايير مضبوطة، ثم تراخى الزمن، وفسدت القيم واضطربت الموازين، فاذا الصغير الشادي الذي صلب عوده على سوس ودخل، ينزلق في الدهاليز المعتمة ويتسلل الى مواقع ما كان له ان يحلم بالاقتراب منها لولا افن العقول وهُزال الانفس، واذا هو في جملة الخُشُب المسندة التي تحسب كل صيحة عليها وتنام وتصحو على وهم العبقرية والنبوغ النادر، واذا العقلة الغافلة والجهالة الجاهلة تفسحان له منبرا وتوطئان له مكانة، وإن حسبك من شر مستطير ان تذكره.
 
-3-
 
كان يريد ان يكون كاتبا يشار اليه بالبنان، فقيل له: حبذا الهدف المنشود، ولكن ذلك يتطلب ان تسلك للبُغية مسالكها وان تطرق اليها سُبُلها، ولا اقل في ذلك من ان تقرأ وتقرأ، وتحاول الكتابة وتحاول، حتى تلمس من نفسك القدرة على ان تكون شيئا مذكورا.
 
ثم إن بعضهم اشار عليه ان يقرأ ابتدأ كتب مصطفى صادق الرافعي وعباس محمود العقاد واحمد امين وطه حسين ومحمد حسين هيكل، واشعار المتنبي والشريف الرضي واحمد شوقي وعلى محمود طه، ثم ان يستبحر في القراءة زمنا وان يمضي فيها اشواطا، فلعله قياسا على ما يجد لدى هؤلاء الاعلام واضرابهم ان يكون هو اول ناقد لنفسه، واول من يرى الى مدى اقترابه فيما يكتب من هذه القامات او مدى ابتعاده عنها.
 
ثم إن بعضهم نصحه بان يقرأ شيئا من المنطق والفلسفة ومن علم الكلام، ومن علوم البلاغة ومن الابحاث العلمية المعاصرة لعله ان يكون اوسع آفاقاً واعمق فهما واوزن حكمة، إذ لا بُدّ للكاتب الحق من هذه المعارف يأخذها بقوة ويُمضي في تطلبها حِقبا.
 
ثم إن صاحبنا نظر وقدّر، فرأى عجزه دون بعض بعض ما قيل له، فآثر السلامة، ونكص الى طرق مختلفة واساليب ملتوية، كان من اعجب العجب انها اوصلته، وبسرعة لا تصدق، الى ان يُعدَ من الكاتبين، والى ان يكون ثعلبا من الثعالب التي تخرج في ثياب الناسكين، وحسبك من شر مقيم ذكره.
 
-4-
 
فيهم، ولست فيهم..
 
منهم، ولست منهم..
 
هذا ما يهجس به صاحبنا – ثالث الانموذجات – في هذه الشذرات، إذ تقرر لديه انه وقد خُلي بينه وبين الناس، يبثهم ثرثرته، انه سحيان وائل او القلقشندي صاحب «صبح الأعشى في صناعة الإنشا» فهو يتهدّى ويتخلّعُ ويلوى شدقه عُجبا، وقد وطأ له الفسادُ المستشري الأكناف، وهيأت له العتمة الواقبة ان يتنفجَ كما يريد.
 
***
 
وبُعدُ، فليس كل ما يعرفُ يقال.
 
وحسبنا من البيان ما يسميه الجاحظ: «النُّصبة» او الحال الدالة التي تغني عن كل مقال.