Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-May-2017

أستاذ التاريخ - عبدالهادي راجي المجالي
 
الراي - في طفولتي, كان لدينا أستاذ تاريخ.. شرس وله مهابة, وحين يدخل إلى صفنا علينا أن نقف إجلالا واحتراما له, وإذا لم تقف فالعصي تتحدث وقتها.. وتقيم وزنا للأستاذ واحترامه.
 
الذي كان يلفت انتباهي في أستاذ التاريخ أنه يبذل محاولات جادة لإخفاء الصلعة, فهو يقوم بعملية جلب الشعر من الجهة اليمني وفرده على الصلعة لإيهام الناظر بأن هنالك صلعا محدودا يعاني منه.
 
القصة معقدة قليلا, وأنا تأملت (صلعته) كثيرا أثناء الدرس واكتشفت أنه يقوم (بتطويل) الشعر النابت في المفرق الأيمن, ويضع عليه مستحضرات تثبيت أو ما شابه.. ثم يقوم بجره عبر المشط إلى الجهة اليسرى... ولشدة متانة الشعر كنت أظن أنه يقوم بإلصاقه بمادة (الغراء)..
 
ذات يوم كان يكتب على اللوح ملخصا, لمبادئ وأهداف جامعة الدول العربية, وفي لحظة تأملي للصلعة من الخلف ضحكت.. فخرج صوتي, فنظر إلى الطلبة واعترفت على الفور بقيامي بالضحك.. وكان لابد من عقاب فادح, وخرجت لتلقي ما ستجود به عصى الأستاذ.. وفي لجة الضرب وانفعاله يبدو أن الجسر الذي صنعه عبر الصلعة من المفرق الأيمن وحتى الأيسر (فلت) بمعنى اخر.. انتفض الشعر نتيجة الإهتزاز أثناء الضرب, كان مشهدا يشبه لاقط الراديو في السيارة, مشهدا غريبا مضحكا.. اشبه بانهيار جسر من الشعر وقد تعرض للقصف المباشر.. ولأول مرة أشاهد في حياتي ما يشبه عامود الكهرباء معلقا على طرف صلعة الأستاذ..
 
يومها لم امسك نفسي فعدت للضحك مجددا, والأستاذ استبد بي والمنظر كان بالنسبة له يثير الإستغراب.. وأنا كان يثيرني الضحك فكل المحاولات التي أمضاها في الصباح لمحاولة إخفاء الصلعة فشلت.. وصار الرأس قبيحا جدا.
 
هناك فئة من الناس تحاول إخفاء الصلعة, عبر جلب الشعر من الجهة اليمني لليسرى, لإيهام الناظر بأن التصحر محدود.. ومع أول اهتزاز أو هبة ريح.. تنهار كل محاولات التجميل..
 
كل المفاوضات التي تنشأ حول سوريا, تشبه صلعة الأستاذ مع أول طلعة للقصف ينهار المشهد ويتعرى الرأس وتبرز الصلعة... ويحاول العالم عبثا أن يمد بعض الجسور بين المفرق الأيمن والمفرق الأيسر عله يخفي حجم الخراب والصلع الذي برز على الرأس.. لكن مع طلعة قصف واحدة ينهار كل شيء...
 
تلك أزمة تشبه صلعة أستاذ التاريخ, لايوجد حل.. وعليك أن تقبل بالصلعة أو تقبل بالأزمة, وعلينا نحن أن نتلقى العصي ونضحك على حجم الماساة..
 
سوريا أصبحت جرداء, دمر الحجر والشجر والبناء والإنسان.. وتذكرني دوما بأستاذ التاريخ..