Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    20-Jun-2019

في يوم اللجوء العالمي.. لاجئون فلسطينيون يستذكرون العيــد فــي قراهــم المُدمّــرة

 الدستور - محمـد الرنتيسي

بعد انتهاء شهر الصيام، لعيد الفطر فرحته وبهجته، وله أيضاً طقوسه وعاداته التي تكسبه خصوصية، تجعل الأطفال يلتقطون المدهش والجديد فيه، والمختلف عن يومهم العادي.
 
الآباء والأمهات، هم من يتكلّفون الإعداد لهذه الفرحة، قاصدين أطفالهم بالدرجة الأولى، فيندلقون إلى الأسواق، بحثاً عن ما يسرّ خاطر أبنائهم، من ملابس وحلوى، ومما تيسر.
 
اقبال على «جديد العيد» ودمى الأطفال الجميلة، مكسرات وحلويات، وللقهوة العربية حضورها.. فلا يحلو العيد بدونها، هكذا عاشت فلسطين أجواء العيد، لتسود فرحة وبهجة في النفوس، لدرجة أنها طغت عمّا سواها، في إشارة واضحة المعنى والمغزى والدلالات، تفصح بأن الفلسطيني المعطاء له أن يفرح رغم الجراح.
 
غير أن الحال كان مختلفاً في محافظة طوباس والأغوار، إذ أعادت سلسلة حلقات «ذاكرة لا تصدأ» التي اعتادت وزارة الإعلام الفلسطينية على توثيقها، بالتعاون مع اللجنة الشعبية في مخيم الفارعة للاجئين، جمع أجواء العيد في القرى الفلسطينية، التي دمرتها العصابات الصهيونية إبان النكبة.
 
واستردت التسعينية آمنة أبو هنية، أجواء العيد في قرية شحمة جنوب غرب الرملة: كنا نستعد لعيد الفطر، ونُحضر الكعك، ويذبح المقتدرون الذبائح، ويجتمع الأهالي في ساحة مجاورة للمقبرة، لزيارة أمواتهم، ويحضرون معهم القهوة، ويوزعون الحلوى عن أرواح الغائبين، ثم يلفون بيوت القرية.
 
 
 
وتابعت: كان الكبار ينتظرون الهلال، ويستعدون للعيد للذهاب إلى الرملة ويافا، فيخيمون ثلاثة أيام على شاطئ البحر، ويأخذون معهم الطعام والشراب، ويركبون الجمال والخيول، ويفرح الأطفال.
 
ووفق الراوية، فقد انتشرت في القرية عادة حفظ اللحوم بطريقة تقليدية، وفيها يسلقون الذبائح، ويحتفظون بها بأوعية من الفخار مع القليل من الطحين، خشية تلفها، ويأكلون في الأيام التالية للعيد، أما العكك فكان يٌعد بعجوة تأتي بأوعية كبيرة تسمى «زنبيلا».
 
وكانت أبو هنية وأطفال شحمة ينتظرون العيد طويلًا، وكن يتلقين العيدية، ولا تنسى وحدات الجنيه الصغيرة «الملّات المعدنية» وفئاتها الكبيرة التي كانت مثقوبة من منتصفها.
 
سمك يافا
 
وسرد الثمانيني محمـد الخطيب، شوقه ليافا، ولحي العجمي، مسقط رأسه ومسرح طفولته، وقال: كان أطفال يافا ينتظرون مدفع الإفطار والسحور، ويتسابقون إلى موائدهم، ويحرصون على أن يشمل وجبات سمك طازجة، كما أقاموا موائد الرحمن، فيما كان الصياد المسيحي من عائلة «هللو» يحرص على إهداء الجيران، السمك في شهر الصوم. 
 
وتابع: كنا نعرف دخول العيد من المذياع، عبر راديو «الشرق الأدنى» التابع للإذاعة البريطانية، التي كانت تبعد عن منزله 50 متراً، ويحرسها موظفون سنغاليون.
 
وأفاد: كان منزلنا تحت البحر، وبجانب المستشفى الحكومي، وأذكر جدي إسماعيل الذي أجرى فيه عملية للتخلص من حصى الكلى، وانتشر في مدينتنا الطعام القريب من أطباق مصر، وراجت في رمضان عادة بيع قوالب الثلج على عربات متنقلة، وكنا نتسابق للحصول عليها، وكان يصل المدينة عمال سعوديون ومصريون ومن جنسيات عربية أخرى للعمل في الميناء، ولقطف البرتقال، وكان الأطفال يذهبون للمطاعم قبيل الإفطار لشراء أطباق الحمص والفول.
 
وزاد: أتذكر تحول شارع اسكندر عوض في أيام رمضان الأخيرة إلى مكان مكتظ، فالجميع يأتيه لشراء الملابس، التي يتخصص بها دون غير من أسواق المدينة الساحلية، أما صلاة عيد الفطر فكانت تقام في مسجد حسن بك، وكان يكبّر للعيد أمام مسجد أبو كبير، الشيخ محمـد سعيد، بصوته الجميل، أما العيدية ففي الغالب خمسة ملات، وخلال العيد كان الفتية يذهبون للبحث عن الخيول، فيركبونها بأجر، ويدفعون لسائق الحنطور «العربة» للتنقل بين أحياء المدينة، ثم يذهبون قليلاً للسباحة في البحر القريب، وكنت شاهداً على غرق طفلة من نابلس، ابتلعها الموج أمام أمها يوم العيد.
 
حلوى ومراجيح
 
وروت فاطمة صبح ما التصق بذاكرتها من قصص أمّها، وما شاهدته خلال طفولتها في أم الزينات، حين كانت أجواء الفرح واللعب والتكافل الإجتماعي تتجلى في العيدين بقوة، وتعلق بها مظاهر وتكافل وطعام.
 
وقالت: كانت رائحة الكعك والفطير تفوح من بيوت أم الزينات كلها، وكانت الأمهات والصبايا يعملن لوقت طويل قبل حلول العيد في صناعة الحلوى، وتحضير العجين، ونقله إلى الطابون، ورش السمسم والقزحة «حبة البركة» عليه، وتجهيزه في أوانٍ من القش، ثم تقدمه للضيوف بجوار القهوة المرة، والملبّس الذي كان يسمى «بيض الحمام».
 
كانت الفتيات ممن هن في جيل صبح ينفقن وقتاً طويلاً في اللعب، فيجهزن بمساعدة الأمهات ألعاب العيد من بقايا الأقمشة غيرة المستعملة، ثم يذهبن للبساتين المجاورة للهو على المراجيح محلية الصنع، والتي تتشكل من ربط الحبال بين شجرتين كثيفتين بالظل.
 
وأضافت: صنعنا العقود من الملاّت التي نحصل عليها من الأقارب وكنا نلبسها، ونشتري الحلوى والقضامة والأساور، ولم نكن نجمع غير 5 قروش، أما الأولاد فكانوا يفرحون كثيراً بالتكبير ليلة العيد مع الشيخ الملقب بـ»أبو حنا»، وكان والداي يذهبان إلى حيفا لشراء القماش قبل العيد بوقت طويل، ثم نذهب للخيّاطة في القرية، وكنا نتسابق للبس كعك العيد الدائري في أيدينا، مثل الأساور.
 
بقرة سعيّد
 
والأكثر حنيناً للراوية صبح، أنها كانت تتسابق وصديقاتها على الاستيقاظ المبكر صبيحة يوم العيد، لارتداء الملابس والأحذية الجديدة، والتي كنا يضعنها تحت مخداتهن، ويحلمن طوال الليل بها، وبعد وقت قصير، يشاهدن الأضاحي، فقد كان الجميع يحرص على نحر الأغنام في بيته، حتى لو كان فقيراً.
 
تستجمع أغاني العيد، فتقول: كنا نغني طوال النهار الذي يسبق العيد: «بكرة العيد وبنعيّد، ونذبح بقرة سعيّد، وسعيّد مالوا بقرة، نذبح بنته هالشقرا، والشقرا ما فيها دم، نذبح بنته بنت العم».
 
وقدّم الثمانيني عبد القادر حمد، صورة لحال رمضان في قريته صبارين المجاورة لحيفا: كنا نطحن ونخبز ونعيش من خيرات أرضنا، ونخصص صاعاً من القمح للعالم إبراهيم النعاني، الذي كان يتطوع في بلدنا، ويعطي الناس دروساً في رمضان، وكانت «الهيطلية» والزلابية والفطير والبرغل، الوجبات الشائعة في رمضان، وحرص الأهالي على تسمين الخراف لذبحها نهاية رمضان، فيما كانوا يعرفون توقيت حلول حلول العيد من الراديو الخشبي الضخم والوحيد للمختار مسعود عبد القادر.
 
وقال: أحفظ «توحيشة» شهر رمضان للمسحراتي أسعد الناطور، ونتذكر استعدادات الرجال والنساء لموسم الصيام، وطحن البرغل، وتجهيز البيوت للشهر الفضيل، ويوم العيد، واعتماد العائلات على ما تزرعه وتربيه في طعامها وسحورها وأعيادها.