Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    02-Apr-2017

أصول ينبغي فهمها - ابراهيم العجلوني
 
الراي - لا بدّ أن يكون لكل مذهب خلاصة يمكن ان نردّ كل ما استفاض من مقولاته اليها، فاذا نحن فهمناها كان ذلك مجزئاً عن الخوض في المتعلقات والحيثيات، وإن العمر ليقصر عن ان يتسع للاطاحة بأطراف المذاهب وما يتفرع منها او بما تتشقق عنه من مباحث واستدراكات وشروح، بل ان ما يستغرقه ذلك انما يضرب في رمال وعساء او يروح في تيه عميق.
 
من أجل ذلك، وجب ان نعمد الى منهج يقينا الضياع في مهامه وبيدٍ لا نهاية لها ولا وضوح لغوامضها، ويقفنا على لباب اللباب من المذاهب المنتشرة في العالم، سواءً أكانت قديمة أم حديثة.
 
وإن من مطلوبات هذا النهج في الايجاز (غير المُخِلّ) ان نضع بين أيدي شبابنا صورة بانورامية شمولية للمذاهب التي تعتبر مراجع للعقول في عصرنا هذا حتى يكونوا قادرين على فهم ما يجري فيه من أحداث السياسة والاجتماع، وحتى يكون لهم القدرة (بتوافر هذا الشرط المعرفي) على اتخاذ مواقف حصيفة من الوقائع التي يلزمهم اتخاذ مواقف منها، اذ لا يكفي بحال ان تأخذنا ظواهر السياسات وما يطفو على أديمها دون حقائقها ومظانّها وما تصدر عنه، ولا يكفي ان ترى الى ما تحمله التيارات الأدبية والفكرية والفنية في مدها من معطيات ومضامين او ايحاءات، دون معرفة بما تتحدّر منه او تؤول اليه من مآرب وغايات، فمن مقتضى الانتباه الواجب او التقدير الضروري لحال الأمة ان تعرف ما تصدر عنه القوى التي تواجهها او التي تتعالق معها على نحو أو آخر، و»تقدير الموقف» هذا لا يتم تمامه دون ادراك الخلفيات والبواعث والمنطلقات والخطابات وكل ما يمكن ان تفسر به الوقائع والمستجدات.
 
إن «الدبلوماسية» قشرة رقيقة تكمن وراءها – قبل المصالح – افكار وعقائد وفلسفات وأديان ومناهج تفكير، ومن لا يأخذ هذا في عين اعتباره سيظل وعيه قاصراً عن فهم المنبعثات والمآلات، وسيغرق في اللحظة القائمة دون ان يرى الى ما سبقها وما يليها، وسيكون في المحصلة «العوبة» في أيدي اولئك الذين يخططون لعشرات السنين او للمِئين منها.
 
من أجل ذلك كله، صار لزاماً على من يريد ان لا يُستغفل عن الدواعي والأسباب، في السياسة والثقافة على حد سواء، ان يدرس أصول المذاهب (دينية او سياسية) الفاعلة في عالمنا هذا، وان يتبين كيفيات تحولها الى أفعال (محمودة او مذمومة) وكيف تتعلق بها مصائر الأمم، او كيف تُفسّر به مصارعها..
 
إن فهم أصول كلّ من الماركسية، والليبرالية، والعولمة، والوجودية، والماسونية، وغيرها من مذاهب الشرق والغرب، فعل معرفة بالغ درجة الضرورة الحيوية في عالم لا يزال محكوماً بهذه الأصول وإن بدا تنائيه في ظاهر أمره عنها، وان من لا يبادر الى تحقيق هذا الشرط المعرفي، اكتفاء منه بما يسمع ويرى في وسائل الاعلام المختلفة من ضروب التلبيس والتعمية، سيظل ذاهلاً عما يراد، او سيظل في وادٍ، وحقائق ما يجري في واد.
 
وليس يخفى ان المذاهب الدينية قديمها وحديثها، صحيحها وسقيمها، داخلة في الأصول التي ينبغي فهمها، وأنها اليوم تعلّة الجاهل وتُكأة الذاهل، وان الخائضين فيها – بغير عقل ولا هُدى ولا كتاب منير – هم الأكثر عُرضة للاستلاب، وان وهموا غير ذلك.
 
أصول ينبغي فهمها، لأن بها تُفسّر الأفعال والأقوال ولأنها هي المَرَدّ الذي تؤول اليه السياسات، وما دون ذلك الا ما نحن فيه، والا ما يجتالنا عن أنفسنا، أو يضحك من جهالتنا علوج الأمم وأغتامها..