Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Jan-2018

إنّـهـم تـقـلـيـديّـون أيـضاً - د. صلاح جرّار

 الراي - عندما نصف أحداً بأنه تقليديّ ينصرف ذهن كثير من الناس أوّل ما ينصرف إلى أنّه متشبّثٌ بالتقاليد ومنحاز إلى القديم في فكره وقيمه ومعتقده وثقافته وهواه، وأنّه أكثر التزاماً بتراث وطنه ومجتمعه وأمّته، ويرى بعض الناس في ذلك عيباً أو مذمّة، وهم في الغالب ليسوا على حقّ، ويرون أنّ التطوّر والتقدّم وتجاوز صفة «التقليدي» يكون بالتوجّه نحو فكرٍ خارجيٍّ وقيمٍ وعادات وأساليب عيش أجنبية وتقليد الغرب في كلّ شيء من طريقة اللباس إلى طرق التفكير.

لقد غاب عن الذين يعتقدون أن الخروج من النمط التقليدي إلى الأنماط الأجنبيّة عامّة والغربيّة خاصّة، أنّهم بذلك يدعون إلى الانتقال من صورة من صور التقليد إلى صورة أخرى، فبدلاً من تقليد السلف يذهبون إلى تقليد الغرب، وبالتالي فهم تقليديّون أيضاً لأنّهم في سلوكهم مسالك الغربيين إنّما هم يقلّدون فقط ولا يأتون بأيّ جديد، وإنّ من الادّعاء والزعم الباطل أن يقولوا إنهم يسعون إلى التطوير والتقدّم، ولو أنّنا نظرنا في ما يصدر عن هؤلاء من أقوال وأفكار وممارسات يقلّدون بها الغرب لوجدنا أن أكثره شكليّ وقليل النفع وأن معظمه قد عفا عليه الزمن في مواطن نشأته، وليس له أي علاقة بالتطوير والتقدّم الذي يزعمونه.
إنّ مناهج هؤلاء سواءً في الإدارة أو التنظيم أو التربية أو التعليم أو البحث العلمي لا تتعدى المظاهر الخارجيّة والجوانب الشكليّة، وأنّ تأثيرها على المجتمع وعلى الأجيال تأثير سطحيّ لا يصل إلى الأعماق، بل إنّه يصرف الأجيال عن العمل الحقيقي الجادّ إلى الانشغال بمظاهر لا قيمة لها.
إنّ الأصل في تقليد الآخرين هو أن يكون خطوة أولى نحو التجديد والتطوير والإبداع، لكنّ ما يحدث في مجتمعاتنا أنها اكتفت بالتقليد بل أخذت تنزع نحو تقديسه، وأصبحت عقولنا أسيرة للغربيّين في مناهجهم وأفكارهم ونظرياتهم، وكلّما أردنا أن نزيّن قولاً أو كتاباً أو بحثاً أو حديثاً طعّمناه بأسماء مفكرين أجانب أو عناوين كتب أجنبية أو عبارات أجنبية كي نرفع من قيمته.
إنّ التطوير الحقيقي هو الذي يتجاوز البدايات التقليدية إلى إبداعات ذاتية جديدة يكون لنا الفضل فيها وتضيف جديداً إلى المعرفة والعلم والبناء الحضاري، أمّا الالتصاق بكلّ ما نقلناه عن الغرب سواءً أكان يلائم مجتمعاتنا واحتياجاتنا أم لا يلائمها، والاستماتة في الدفاع عن هذه المنقولات، فهو شكل من أقبح أشكال التقليد، بل هو عائق كبير أمام حلم التقدّم والتطوير الذي نتطلّع إليه.
salahjarrar@hotmail.com