Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Apr-2019

ما الذي ينتظر السودان بعد سقوط البشير؟

 الغد-ألبرتو فرنانديز* – (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 11/4/2019

 
لم يصمد النظام الأكثر نجاحا في السودان -إذا تم قياس النجاح فقط بمعيار البقاء في السلطة والبؤس الذي عاناه الشعب- لكي يحتفل بالذكرى الثلاثين لمجيئه إلى الحكم. في 30 حزيران (يونيو) 1989، أطاح جنرال غير معروف في “القوات المسلحة السودانية” يدعى عمر البشير بحكومة صادق المهدي المنتخبة ديمقراطيا. أو، هذا ما بدا عليه الأمر من الخارج على الأقل. أما في الواقع، فقد كان ذلك انقلابا إسلاميا عنيفا بقيادة المتطرف اللبق الدكتور حسن الترابي الذي عمل بالتعاون مع العناصر العسكرية التي تشاطره الأفكار ذاتها. وبما يشبه عرضا مسرحيا باهرا، تم اعتقال الترابي وبعض زملائه من المخططين في بداية الانقلاب، مما أدى إلى حالة ارتباك بشأن الطرف الذي تولى حقا زمام الأمور وأخفى الطبيعة الحقيقية للنظام الذي أفرزه الانقلاب.
غير أنه تبين بوضوح على مر السنين أن نظام البشير كان أساسا نظاما إسلاميا. وإذا رغب أحد في رؤية ما سيحصل إذا نجحت حكومة على غرار “الإخوان المسلمين” في إحكام قبضتها على قيادة دولة عربية على المدى الطويل، فإن السودان يعرض مثالا أفضل من غزة الخاضعة لسيطرة حركة حماس، أو ولاية محمد مرسي القصيرة في مصر.
صحيح أن البشير انقلب على الترابي في نهاية المطاف في العام 1999، لكن كبار مساعدي الترابي من الكوادر الإسلامية (على سبيل المثال، علي عثمان طه، نافع علي نافع) استمروا في الاضطلاع بدور مهم لسنوات. وعلى الرغم من أن حكام النظام أصبحوا أكبر سنا وأكثر ثراء بفضل تحقيقهم مكاسب غير مشروعة، فقد استمر النظام في تبني الإسلام السياسي، على الأقل كأداة للحفاظ على مصداقيته أمام الشعب. والدليل على ذلك على سبيل المثال، محاكمة معلمة بريطانية سمحت لطلابها بإطلاق اسم “محمد” على دمية بشكل دب في العام 2007، أو سجن المواطنة المسيحية مريم إبراهيم في العام 2014 بتهمة الارتداد عن الإسلام.
 
من المسؤول الآن؟
في 11 نيسان (أبريل)، أصدر المجلس العسكري السوداني الانتقالي المنشأ حديثا بيانا أعلن فيه عزل البشير من السلطة، في حين بقيت العديد من الأسئلة من دون إجابة. وبصرف النظر عن الشخصية التي أدلت بالبيان من خلال شاشة التلفزيون الوطني -وزير الدفاع عوض محمد بن عوف، أحد أركان الجهاز الأمني للنظام- فإن السؤال هو: مَنْ هو الذي يتولى زمام الأمور حاليا؟ ذكر البيان “القوات المسلحة السودانية” والشرطة و”جهاز الأمن والمخابرات الوطني” مرهوب الجانب، و”قوات الدعم السريع” شبه العسكرية، باعتبارهم جميعا من المشاركين المؤسسين في العملية الانتقالية. ولكن، مَنْ هم الأفراد المحددون الذين يحملون ميزان القوة؟ لدى الضباط الأصغر سنا قواسم مشتركة أكثر مع آلاف المواطنين الذين نظموا احتجاجات في السودان على مدى أشهر. ولكن، هل يمتلكون أي تأثير على عملية صنع القرارات الأمنية؟ 
أما بالنسبة لابن عوف، فإنه لا يبدو مصلحا على الأرجح. فبالإضافة إلى مواجهة العقوبات الأميركية بسبب عن القمع العنيف الذي مارسه النظام في دارفور، لا يتمتع بن عوف بشعبية، كما أنه لا يشغل مركزا مهما في الجيش. وفي الواقع، أحاله البشير في الماضي إلى التقاعد من القوات المسلحة وعينه سفيرا في سلطنة عُمان قبل أن يعيده إلى الجيش في النهاية.
من المؤكد أن الشعب مسرور عموما بواقع استجابة الجيش لمطلبه برحيل البشير. لكن الكثيرين يشعرون بالقلق من أن إنشاء مجلس عسكري انتقالي هو محاولة جلية لإثباط عزيمة الناس وإبقاء السلطة في يد الجهات الفاعلة السيئة نفسها التي كانت متواطئة مع حكم البشير -بعبارة أخرى، كان الأمر بمثابة تصحيح مسار في ظل النظام نفسه أكثر منه انقلابا للإطاحة بالنظام. ويمكن تفهم هذا الانطباع الأولي، حيث لا يبدو أن السلطات المؤسسية الانتقالية المعينة قادرة حتى الآن على تلبية تطلعات الشعب السوداني الذي عانى طويلا. 
كما أشار بعض النقاد إلى أن قرار المجلس باحتجاز البشير “في مكان آمن” ليس كافيا، وطالبوا بتقديمه إلى المحاكمة (وبرغم تفضيلهم على الأرجح رؤية محاكمته في السودان، إلا أنهم قد يكونون أكثر استعدادا لإرساله للمحاكمة أمام “المحكمة الجنائية الدولية”، طالما يواجهون -هو ومساعدوه- العدالة). وربما يشعر آخرون بالاستياء من إعلانيْن أساسييْن آخرين صدرا عن المجلس: الأول أن حالة الطوارئ ستستمر لمدة ثلاثة أشهر، والثاني أنه لن يتم إجراء أي انتخابات قبل مرور عامين من الآن. تجدر الملاحظة أن حالة الطوارئ وحظر التجول يطرحان معضلة بشكل خاص، إذ يبدو أنهما يمهدان الطريق أمام مواجهات مباشرة وفورية بين المجلس العسكري والمتظاهرين.
قريبا ستبرز أيضا أسئلة ملحة أخرى إلى الواجهة. فمع حل الحكومة على الصعيد الوطني والولايات، فالأسئلة التي تطرح نفسها هنا مَنْ الذي سيدير شؤون البلاد الآن بالفعل؟ وإلى أي مدى ستختلف الحوكمة فعليا إذا بقي معظم الطاقم القديم في السلطة؟ ومَنْ الذي سيشرف على اقتصاد السودان وماليته في وقت يركز فيه العديد من المتظاهرين على قضايا الدخل في بلد يتجاوز فيه التضخم نسبة 60 في المائة؟ وما مصير “حزب المؤتمر الوطني” المهيمن وقائده المعين حديثا مجرم الحرب المدان أحمد هارون؟ وفي حين تضمن بيان المجلس اللغة المعتادة الداعمة لحقوق الإنسان، فهل حقا ستكون هناك أي حرية للتعبير أو التجمع في السودان في ظل حالة الطوارئ والحكم العسكري الانتقالي؟
 
هل سيبقى السودان “مرنا”؟
على الرغم من أن نظام البشير بُني على أساس إسلامي صلب، إلا أنه كان مرنا من الناحية التكتيكية والسياسية بما يكفي لتصحيح مساره وفقا لما تقتضيه الظروف. وكان مسبقا نظاما قاتما دعم أسامة بن لادن وروج للجهاد في جميع أنحاء أفريقيا والعالم الإسلامي في تسعينيات القرن الماضي، ثم توصل إلى اتفاق سلام مع “الحركة الشعبية لتحرير السودان‎” العلمانية اليسارية في العام 2005، حيث تقاسم معها السلطة (على وجه التقريب) لست سنوات وسمح لجنوب السودان بالانفصال في العام 2011.
وبالمثل، حتى في ظل تعاون البشير مع الولايات المتحدة لمواجهة تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات الإرهابية، فإنه استخدم حركة “جيش الرب للمقاومة” المكروهة ضد خصوم النظام في جنوب السودان وأفريقيا الوسطى، وتعاون أيضا مع إيران لمساعدة حماس. وفي وقت لاحق غير النظام سياسته فتخلى عن إيران كحليفة له وعاد إلى كنف الدول العربية في الوقت المناسب لدعم التدخل الذي قادته السعودية في العام 2015 ضد الثوار المدعومين من إيران في اليمن. وجزئيا، استمدت هذه الحيل وغيرها من الألاعيب الجيوسياسية من واقع عدم تمكن بلد غارق في مصاعب اقتصادية شاقة كالسودان، من تجاهل شركاء أثرياء كالرياض وقطر وتركيا. ولكن، هل سيعتمد السودان الجديد (على افتراض أنه جديد بالفعل) النهج نفسه أم أنه سيتبنى توجهات سياسية واقتصادية مختلفة؟
هل واجه سكان المنطقة ما يكفي؟
بغض النظر عما سيفعله الحكام العسكريون الجدد في البلاد على المدى القصير، هناك بعض الأسباب التي تدعو إلى التفاؤل في السودان. فخلافا لبعض الدول العربية الأخرى التي شهدت انقلابات في السنوات الأخيرة (على سبيل المثال، عهد بالقذافي في ليبيا)، يتمتع السودان بمجتمع مدني نابض بالحياة ومعارضة سياسية حية، وبِحُرية تعبير وصحافة مصانة تقليديا، ومغتربين موهوبين يضمون أصحاب رؤية على غرار الملياردير السوداني-البريطاني مو (محمد) إبراهيم. ولم تكن التظاهرات المستمرة التي انطلقت في كانون الأول )ديسمبر( الماضي بقيادة أحزاب سياسية أو جماعات مسلحة، بل بقيادة جماعات المجتمع المدني على غرار “تجمع المهنيين السودانيين” وسط تعاون حماسي من الشباب والنساء والفقراء في المدن. وجاءت الضغوط الرامية إلى الإطاحة بالبشير من الجهات الفاعلة المحلية وليس من بعض “الأيادي الخفية” الأجنبية. وهناك سوابق تاريخية واعدة أيضا – ففي العامين 1964 و1985، أدت التدخلات العسكرية إلى استعادة الحكم الديمقراطي إلى السودان (وإن كان ذلك لفترة وجيزة)، وبالتالي من المحتمل أن يؤدي التحرك العسكري الأخير إلى نتيجة جيدة.
مع ذلك، إذا كان البلد الذي يتمتع بإمكانيات الثراء -وإنما المعدم بشكل دائم- سيحظى بمستقبل أفضل، فعليه أن يكسر الحلقة المفرغة التي علِق فيها منذ الستينيات: ولا سيما الحكم العسكري الذي أعقبه حكم فاسد وغير كفوء في ظل الطبقة السياسية المنهكة والقديمة نفسها. فالشعب الجامح الذي يغلب عليه عنصر الشباب بحاجة إلى نظرة عالمية جديدة وقادة جدد قادرين على إيجاد حلول جدية للمشاكل الرئيسية المتمثلة في التنمية والفقر والفساد وتغير المناخ التي يواجهها سكان البلاد البالغ عددهم 43 مليون نسمة.
أخيرا، تجدر الإشارة إلى أن شريحة الجماهير التي تشاهد الأحداث الجارية في السودان تمتد خارج الخرطوم بكثير. فقد حفزت أشهرٌ من العمل السياسي المتضافر من قبل المتظاهرين المسالمين في الجزائر والسودان على الإطاحة بقائدين حافظا على منصبيهما لفترة طويلة وإلى تدخل عسكري من سلطات تطلق وعودا غامضة بالإصلاح. ويجب أن تكون هذه الأحداث بمثابة جرس إنذار لقادة المنطقة الذين يعتقدون على ما يبدو أنهم يستطيعون الاستمرار في تخفيف احتقان شعوب ثائرة وجائعة وغاضبة من خلال استعمال نفس الصيغ إلى أجل غير مسمى.
*رئيس “شبكات البث في الشرق الأوسط”.