Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Feb-2017

«وجهُ أمِّي، وجهُ أمتي» - الاب رفعت بدر
 
الراي - العنوان مقتبس من جبران خليل جبران، وفيه بلاغة كبيرة. ذلك أنّ الأم المربية والمعلمة والحانية هي التي تخرِّج للمجتمع الأشخاص الأكفاء القادرين على خدمة وطنهم وأمّتهم وعالمهم بإخلاص وتفانٍ.
 
أتأمل بهذه المقولة في هذه الأيام، بعد أن رحلت الوالدة العزيزة، إلى الديار السماوية، بعد 80 عاماً على هذه الأرض. وعندما أتأمل بوجه «أمي»، أتأمل بوجه مجتمعي و»أمتي»، وبعيداً عن شخصنة الحديث أجد أنّ الحديث عن هذه الأم الفاضلة هو حديث عن مواطنة في هذا البلد لم تتبوأ مناصب عالية، لكنها أسهمت بطريقتها بالسير على درب وطني وإيماني رائد. 
 
وُلدت في بلدة الوهادنة شمال الأردن، في مكان غير بعيد عن مسقط رأس النبي ايليا (أو مار الياس) الذي يعتبر من أبرز الأنبياء الذين وُلدوا في بلادنا وعاشوا فيها، وانطلقوا منها إلى السماء وتحديداً من وادي الخرار – المغطس. وفي بيت جدي (والد والدتي) في الوهادنة كنا نشاهد الآثار والفسيفساء، كما في بيوت الأقارب والجيران، الأمر الذي جعل دائرة الآثار تحتفظ به إلى اليوم (لم يتم تطوير المكان، لكنه باق بتاريخه وفسيفسائه).
 
وجه أمي هو وجه أمتي العربية، وهنا بشقها المسيحي الذي ليس طارئاً وإنما قديم قدم الديانة المسيحية وفي هذا فخر لنا جميعاً، بأنّ مجتمعنا قد حافظ على تعدديته باخلاص للجذور واحترام لمختلف مكوّناته. فالفسيفساء الأهم هي البشرية، وفي بلدة «الوهادنة» يعيش التناغم والوئام بين مختلف السكان، ضمن تعددية دينية وكذلك تعددية كنائسية. ويذكر الكاتب هنا أيام طفولته كيف كنا نشارك في داخل المسجد باحتفالات دينية، وبالأخص عيد المولد النبوي، بدون تعقيدات. وفي هذا الأسبوع (الأول من شباط) الذي نحيي فيه الوئام بين الأديان ومبادراته العديدة، جيّد أن نعود إلى الأصل، وهو العلاقة الفطرية بين السكان. أمي على فكرة أمية، ولم تكن بحاجة إلى «تفلسف» حول العلاقات مع أبناء الأديان الأخرى، بل كانت تشجعنا إلى الذهاب والمشاركة بدون أي عوائق. انّ وجه الأم هو وجه الأمّة الناصع والمتحاب والمتضامن والذي نتمنّى العودة إلى فطريته وطبيعته وعفويته.
 
كانت الزراعة هي المهنة – بل الرسالة- الكبرى لمجمل أبناء البلدة، وكم كان الوضع الاقتصادي صعباً، لكنّ المواطن كان راضياً ومسروراً. أمّا اليوم فالقلق والخوف هما سمة الانسان، بشكل عام، وهو خوف من المستقبل وعلى الأطفال، وعلى الصحة، وعلى العائلة وعلى الوطن، وعلى المحبة. لماذا كان الانسان قبل هذا الوقت مسروراً؟ لأنه كان قانعاً بما لديه، شاكراً ربّه ليل نهار على ما أنعم به عليه، ولم يكن الفقر رمزاً للتعاسة، ولم تكن قلة المال مسبباً للجرائم والإدمان والبحث عن سبل غير مشروعة وفاسدة للكسب والتحصيل.
 
حظيت الوالدة بتأمين صحي في المدينة الطبية، كوالدة لشقيقتي العاملة في الخدمات الملكية، وهذا أيضاً مشرِّف وفيه خير كبير على العديد من العائلات، وقد قال لي أحد الأطباء الذين أصبحوا أصدقاء من تعدد زيارات الوالدة للمستشفى: يدخل المدينة الطبية يومياً ما يُقارب مليون شخص، ولا نستطيع هنا سوى أن نشيد بهذه الكوادر العاملة ليل نهار، لتقديم خدمة أساسية وحيوية للمواطنين. ولا أنسى هنا أن أشكر كل من واسى بحضور شخصي أو الكتروني، لقد عمّق ذلك الشعور بالفخر الوطني، وبما تعلمناه في الطفولة بأنّ العلاقات الاجتماعية ما زالت، وبحمد الله ، بألف بخير. رحم الله أمّي وحفظ الله أمّتي.
 
Abouna.org@gmail.com