Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Sep-2017

عبدالله الأب.. الأردن مواطن وعرش ودولة - رومان حداد
 
الراي - استطاع جلالة الملك عبد الله الثاني خلال الفترة الماضية التحرك وبسرعة لملء الفراغ الذي حصل في علاقة الأردني مع (الدولة)، وذلك عبر إعادة الروح والاعتبار إلى دور الأب وإعادة الاعتبار إلى مفهوم الأسرة الأردنية، وما مشهد جلالة الملك مع ابنه إبراهيم إلا جزء من علاقة تاريخية وممتدة بين الهاشميين وأبنائهم الأردنيين.
 
فجلالة الملك أعطى طوال الفترة الماضية صورة حقيقية ومهمة عن ضرورة وجود (أب) حليم قادر على التسامح والتغاضي عن بعض أخطاء الأبناء لمصلحة الأسرة ككل، وللتقدم بطريق الإصلاح وحل القضايا المتناثرة والتي لا تشكل عائقاً أمام التحرك.
 
فما يحدث اليوم من ملء حسابات التواصل الاجتماعي من هجوم يعيدنا بالذاكرة إلى مرحلة تجاوزها الأردن، يثير التساؤل حول الغايات المرجوة من وراء هذا الهجوم، فما نراه اليوم ممن يدعون المعارضة وحرصهم على الوطن والمواطن يضعون السم في العسل، وتبدو وكأنها مخطط لا يعلمه كثير ممن يسيرون في ركبه، فثمة مخطط مدور بعناية لتفكيك الروابط بين الثالوث الأردني المقدس (المواطن والعرش والدولة).
 
فجلالة الملك يؤكد على دوره الأبوي الحقيقي للأردنيين جميعهم، كما أنه في ذات الوقت استطاع ضرب مثال مهم في التسامح والمغفرة عند المقدرة في مواجهة من يملأون مواقع التواصل الاجتماعي بإساءات للوطن ورموزه تحت شعارات بطولية وعنترية، وذلك لأن جلالة الملك يثق بأبنائه ويشعر أن غاية الجميع النهوض بالأردن الوطن والأسرة وإن خانت الأساليب والطرق البعض وأودت بهم إلى منزلقات لم تكن هي الهدف والغاية.
 
ولكن السؤال المهم ما هو الدرس المستفاد من تجربة المراحل السابقة، وكيف يمكن أن نطور الأداء الرسمي خلال المرحلة القادمة؟
 
هناك عدة دروس مستفادة من تجربة المراحل السابقة، وأبرز هذه الدروس هي أن التجربة الأردنية هي تجربة ذات خصوصية لا يمكن قياسها أو مقارنتها مع غيرها من تجارب عربية أخرى، وأن كل من حاول مقاربة الحالة عبر القياس أو حتى استعارة تجارب عربية أخرى سواء من الجانب الرسمي أو من قبل من سميوا جدلاً بـ (المعارضة) كان مصيره الفشل، وهو ما يعني أن هناك حالة متمايزة عن غيرها من الحالات العربية اسمها الحالة الأردنية، يجب قراءتها ودراستها وفق شروطها الداخلية والخاصة بها ووفق المعادلات التي تقترحها، لا وفق وصفات جاهزة معدة كوصفة قابلة للتنفيذ في أي مكان وأي زمان.
 
ففي الأردن نعترف جميعنا أننا كأردنيين نتاج علاقة نادرة وزواج مقدس بين سلالة من أشرف السلالات وأرض من أقدس ما وطأها إنسان، وما يريده الأردنيون هو أن يشعروا أن لهم أماً حنونة هي الوطن، وأنهم يحيون بكنف أب حليم وقادر هو الملك الذي حسم دور الأب وظهر من جديد عبر النموذج (الملك) الذي نقر جميعاً بأبوته ونحب أن يعترف بشرعية بنوتنا.
 
كما أنه من الدروس المستفادة أن الدولة الأردنية ليست دولة هشة أو كرتونية كما كان البعض يظن أو يحاول الترويج، فالدولة الأردنية والنظام الأردني عمرهما ستة وتسعون عاماً، وهي أعوام مرا فيها بأزمات وصراعات وجودية خطيرة، واستطاعا اجتياز كل تلك المراحل والتعلم كيفية التعامل مع كل الأخطار الممكنة، وصارت الوصفة لكيفية تجاوز الصعاب جزءاً من التركيب (الجيني) للدولة والنظام، وفي كل مرة يتم تعزيزها وتطويرها لتتلاءم مع الحالة المستجدة، وبالتالي فمنسوب الثقة بالدولة والنظام، بتجاوزهما الأزمات السابقة، سيرتفع مما سيساعد على تسارع تجاوز الأزمات.
 
وبالإضافة إلى ذلك لا بد من ملاحظة عدة نقاط أساسية لتجاوز العقبات في المرحلة القادمة، فبمواجهة ما يحدث يجب التحصن بالملكية بأشد ملامحها وقوتها وبروتوكولاتها، فالأبهة الملكية والحضور القوي لصورة الملك والعرش هي الطريق الوحيدة لإعطاء التطمينات الضرورية للمواطن الأردني من شمال الأردن إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، فالعرش وقوته هما اللذان يشكلان الضمانة التقليدية في المخيال الأردني.
 
وبالتالي فإعادة بث الروح في الديوان الملكي العامر كبيت جميع الأردنيين ومكان للحوار الوطني الجاد والمنجز، ومناقشة جلالة الملك بالتفاصيل وليس في الخطوط العريضة فقط، يعني أن العرش هو المبتدأ والمنتهى، وبجولات جلالة الملك في مختلف محافظات الأردن وقراها ومخيماتها وحتى تلك المناطق التي تبدو للبعض مناطق ساخنة، يستطيع جلالته تهيئة الأجواء لحوار حر ومفتوح وجريء ويصب في مصلحة الوطن، وجلالته الوحيد القادر على أن يكون نقطة الإجماع الوطني، فلنستفد من هذه الحقيقة لتبريد المناطق الساخنة، والوصول إلى توافقات وطنية حول القضايا العالقة.
 
وعلى مسار آخر على الدولة إجراء مراجعات حقيقية لمعرفة الأسباب التي قادتنا إلى هذه المرحلة، دون التلكؤ بإجراء المراجعات الضرورية بحجة الظرف الراهن وما يتطلبه من فعل آني لا استراتيجي مستقبلي، فالمراجعات التي ستقوم بها الدولة هي التي ستقدم الطريق الحقيقي للخروج من الحالة الراهنة.
 
وإذا ما تمت المراجعات بصورة صحيحة يجب أن تخرج الدولة بحلول لأربعة عناوين عريضة كانت هي المداخل الحقيقية لحالة التأزيم، وهي إيجاد آلية لإحلال مفهومي العدالة والمساواة بدل مفهوم الأقل حظاً، وإيجاد آليات حقيقية لإنتاج السياسيين الحقيقيين بعد تراجع دورهم في المرحلة الماضية لمصلحة رأس المال ورجال الأعمال، كما يجب على هذه المراجعات الانتصار لمفهوم (الرجل الثاني) ودوره الحقيقي، وأخيراً وضع أسس صحيحة للقيام بإصلاح اجتماعي يشكل الأرضية الحقيقية لأية عملية إصلاح مستدامة.
 
وفي هذه الأثناء يترقب الأردنيون الدور القادم لولاية العهد، فالحسين قادر على القيام بدور مهم خلال الفترة القادمة عبر بوابة الشباب، ولكن بعيداً عن الملتقيات الوهمية والتجمعات الاحتفالية، وسموه قادر على إعادة الاعتبار لمؤسسة ولاية العهد، هذه المؤسسة التي تؤكد متانة العرش وقوته وامتلاكه رؤية للمستقبل.
 
عيون الأردنيين شاخصة نحو العرش والملك فحل الأزمات والإشكالات والاستمرار بمسيرة الإصلاح يبدأ من هناك، هذه هي قناعة الأردنيين والحقيقة التي لا يمكن إغفالها.