Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Jul-2017

مناسبة خاصة.. مختلفة ! - د. زيد حمزة
 
الراي - المناسبة مختلفة حقاً فهي افطار رمضاني أقامه سلاح الجو الملكي الأردني الشهر الماضي تكريماً لذوي شهدائه ودُعيت اليه كشقيق للشهيد الطيار العسكري زياد حمزة الصمادي الذي قضى أثناء قيامه بالواجب قبل اكثر من ستين عاماً، ففي شهر كانون الاول من عام 1956 كان يقود طائرته في رحلة عمل الى لندن ومعه زميله الطيار احسان قاقيش وفني اللاسلكي صالح البرقاوي وميكانيكي الطيران... رابية وقد فُقد الاتصال بها وبدأ على الفور البحث عنها واستمر ستة أشهر اذكر بالحزن والأسى كل يوم من ايامها التي كابدناها متأرجحين بين القنوط من نجاتهم وبين الأمل في العثور عليهم احياء، وقد جرى التفتيش في كل مكان وباهتمام شخصي مباشر من جلالة الملك الراحل الحسين فقد كان زياد طياره الخاص ومرافقه العسكري، وبعد صبر مضنٍ وتوتر مشحونٍ بالألم والحرقة أبلغتنا السلطات التركية في شهر حزيران من عام 1957 أنها عثرت على حطام الطائرة والرفات في احدى قمم جبال الاناضول بعد أن ذابت عنها الثلوج.
 
في طريقنا الى مأدبة الافطار ولحظة دخولنا بوابة سلاح الجو في مطار ماركا العسكري عاد بي الزمن لسبعين عاماً مضت عايشتُ فيها بدايات سلاح الجو عند انشائه حين كان أخي زياد واحداً من اربعة ضباط أوفدوا عام 1950 الى بريطانيا في دورة للتدرب على الطيران العسكري في اول بعثة من نوعها ضمّت معه علي شقم وسعد الدين قاسم ومحمد نور عيسى، وعلى ارض هذا المطار نفسه شهدتُ في 19 /6/ 1951 حفل تعليق الأجنحة على صدورهم من قبل الملك المؤسس عبد الله الاول، وفيما بعد روى لنا الشهيد زياد اكثر من مرة شدة اهتمام الملك الحسين بسلاح الجو ومدى تعلقه به بعد ان تعلم قيادة الطائرات وكيف كانت علاقاته ودية حميمة مع رفاقه من الطيارين وكم كان يتألم حين يستشهد اي منهم بسقوط طائرته اثناء قيامه بواجبه، وشهدنا بدورنا نحن عائلة زياد مدى قلق جلالته عليه وسؤاله عنه إثر حادث وقع له في مطار نيروبي (كينيا) حين كان عائداً وحده من لندن يقود طائرة التدريب الصغيرة ذات المحرك الواحد وكان مضطراً للهبوط بها في اكثر من مطار للتزود بالوقود! وبعد طرد غلوب في آذار عام 1956 ألحقه جلالته بالوفد العسكري برئاسة القائد الجديد للجيش راضي عناب وعضوية صادق الشرع وغازي عربيات لمحادثات الدفاع العربي المشترك في بيروت وفي نهاية تلك السنة كانت رحلته الاخيرة المنكوبة.. وطُويتْ بذلك صفحة من التاريخ حفظها سلاح الجو باطلاق اسم الشهيد زياد على قاعة الاجتماعات الرئيسية في مبنى قيادته..
 
وفي صفحة اخرى من تاريخ سلاح الجو أذكر ان جلالته بعد ذلك قربّ أخي الاصغر سهل الذي كان ايضاً طياراً عسكريا وبرع كمدرب للطيران وقد استطاع عام 1961 أن يجنّب رفاقه ونفسه موتاً محققاً إثر حادثة تحطم طائرته الهيلوكوبتر واحتراقها في صحراء معان وكان جلالته اول من زاره في المستشفى للاطمئنان عليه، وفي السنة التالية 1962 عيّنه قائداً للسلاح وتلك قصة أخرى تجلت فيها قيم الشهامة والحكمة التي يندر أن تتوفر في زعيم آخر غير الحسين وقد رويتُ جزءًا منها في كتاب مذكراتي ( بين الطب والسياسة ) الذي اهديتُ نسخة منه اثناء المأدبة لمكتبة سلاح الجو الملكي الاردني..
 
لقد كانت المأدبة فرصة فريدة للقاء العديد من ذوي الشهداء ومنهم من كانوا ضباطاً متقاعدين من سلاح الجو أو اسلحة أخرى لكن أكثرهم لم يكن من الاجيال التي عرفتْ الطيار سهل الذي كان جالساً بيننا يجيب على أسئلة بعضهم حول تاريح سلاح الجو في ذلك الزمن البعيد، في حين كان بعضهم الآخر يروي لنا جانباً من قصة استشهاد شقيقه أو إبنه، ولعل اقرب هؤلاء الشهداء الى قلوب وذاكرة الاردنيين هو فراس العجلوني الذي أبلى بلاءً بطوليا في حرب 1967 قبل ان تطاله يد العدو ويستشهد على ارض هذا المطار نفسه وقد أسعدني كثيراً أن شقيقه العميد المتقاعد يزن عجلوني ابن العائلة الصديقة التي ضمت زهير ومازن وعصام وفراس.. كان معنا على المائدة.
 
وبعد.. ألا ترون معي انها مناسبة مختلفة ليس القصد منها تمجيد سيرة أشخاص بعينهم بل الاشارة الى أجزاء صغيرة ربما تكون متواضعة لكنها مع سواها تشكل في النهاية تاريخ هذا البلد الطيب والاشارة كذلك الى عمق الوشائج بين مواطنيه وقد تمثلت هنا في هذه السُّنّة الحميدة بدعوة ذوي الشهداء لتكريم ذكرى أعزِّ من فقدوا..