Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Sep-2017

أولوية الإصلاح الإداري في الأردن - د. مهدي فكري العلمي
 
الراي - أحسن الاردن صنعا اذ قام في السنوات الست الاخيرة باصلاحات ديمقراطية، وتعليمية، واقتصادية ودستورية ولقد ادت هذه الاصلاحات الى نشر جو من الطمأنينة والامان والامل بالمستقبل. صحيح ان هناك تحفظات على هذه الاصلاحات تطفو على السطح بين فينة وأخرى الا ان المحصلة العامة لهذه الاصلاحات تقول: بان قطار الاصلاح يمضي على سكة السلامة والامل بتؤدة وثقة وهدوء.
 
ومع جزيل الاحترام، ووافر التقدير لكل هذه الاصلاحات وللجهات التي قامت بها وكذلك للجهات التي تحفظت على بعضها فان هناك اصلاحا لازماً، ضرورياً، مُهماً لم يقم به الاردن لغاية الان: على الرغم من ضرورته واهميته وهذا الاصلاح المطلوب هو الاصلاح الاداري.
 
يعتبر الاصلاح الاداري رافعة لكل انواع الاصلاحات الاخرى: فالاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية لا يمكنها ان تنجح او تقوى او تنتعش او تستمر الا اذا رافقها اصلاح اداري جذري حقيقي يسبر اغوار واعماق المشاكل الادارية التي يُعاني منها الاردن والتي تتمثل في الاوجه التالية:
 
اول هذه الأوجه الواسطة والمحسوبية اللتان تقفان صخرة عثرة في وجه كل تقدم اداري، او سياسي، او اقتصادي او اجتماعي فالواسطة وكذلك المحسوبية تحولان دون اعطاء القوس لباريها، ودون وضع الشخص المناسب في المكان المناسب! ناهيك عن استقرار الظلم والمظالم في التعيينات، والترقيات والبعثات والمشاركة في الدورات التدريبية، والمؤتمرات العلمية والثقافية والزيارات السنوية مما سوف يؤدي حتما الى انتشار الحسد والبغض والحقد بين العاملين والعاطلين عن العمل والمتعطشين للبعثات والترقيات.
 
لن تنتهي الواسطة وكذلك المحسوبية من حياتنا الا بتشريع قانون يُسمّى (قانون مكافحة الواسطة والمحسوبية وترشيد القرارات المتعلقة بالتعيين والترقية والابتعاث والتدريب والمشاركة في المؤتمرات) على ان يتضمن هذا القانون عقوبات رادعة لمن تسول له نفسه مخالفة احكام هذا القانون.
 
وثاني هذه الأوجه هو الفساد المالي والاداري بكافة اشكاله واصنافه وامتداداته، ذلك الفساد الذي يمكن ان يخرب علينا كل الانجازات الوطنية ويمنع المستثمرين من التوجه الى بلدنا للمساعدة في صنع النهضة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
 
وثالث هذه الأوجه هو الترهل الوظيفي، والبطالة المقنعة اذ اصبح القطاع العام وكأنه الدرع الواقي للصدمات المتأتية من تضخم اعداد الخريجين الجدد من الجامعات والمعاهد العلمية.
 
اما رابع هذه الاوجه فهو التدخلات والتأثيرات العائلية والاسرية والقبلية والعشائرية والتوريث في القرارات المتعلقة بالتعيينات والترقيات والزيادات والبعثات مما يخلق نوعا من انواع التمييز السلبي بين العاملين في القطاع العام.
 
وخامس هذه الأوجه هو البيروقراطية السلبية الموجودة في دوائر القطاع العام (والبلديات) والتي تتمثل في تعدد الاجراءات وتعقدها، وتعدد الاختام والتواقيع والطلبات والمستويات الادارية، مما سوف يؤدي الى احداث الملل، والضجر عند المستثمرين والمراجعين والمتعاملين مع هذه الدوائر والبلديات.
 
وسادس هذه الأوجه عدم القيام بمسوحات او دراسات او ابحاث تسأل المواطنين عن مدى رضاهم عن الخدمات المقدمة من الدوائر الحكومية.
 
وسابع هذه الأوجه هو بُعد المسافة بين المسؤول والمواطنين وعدم وجود ابواب مفتوحة للمواطنين لتقديم تظلماتهم او اقتراحاتهم او آرائهم.
 
وثامن هذه الاوجه هو عدم رعاية الابداع والمبدعين والموهبة والموهوبين في القطاع العام مما سوف يؤدي الى هجرة الادمغة الذكية الى جهات خارج الوطن ترحب بهؤلاء المبدعين والموهوبين.
 
وتاسع هذه الاوجه هو وجود نمط اداري لين، ناعم، غير حازم على استعداد ان يتساهل كثيرا مع الموظفين في نواحٍ عديدة مثل اذونات المغادرة والاجازات والتسيّب والهدر في الانفاق، والمواظبة والاناقة والترتيب.
 
وعاشر هذه الاوجه هو مقاومة التغيير المتعلق بادخال النظم الادارية الجديدة والحوسبة.
 
اما الوجه الحادي عشر فهو عدم وجود التنسيق ذلك انه من الطبيعي جدا ان تجد في الدوائر الحكومية (وكذلك البلديات اقسام، او دوائر او اشخاص في عمل دائم ومستمر آناء الليل واطراف النهار وتجد في المقابل اقساما وللتوضيح فإن التنسيق كمصطلح اداري يعني: ان يعمل الجميع، بأعلى طاقة انتاجية ممكنة، طوال الوقت.. فهل هذا المفهوم موجود في دوائر القطاع العام (والبلديات).
 
اكتفي، هنا، بتعداد هذه الاوجه الممثلة للمشاكل الادارية التي يواجهها القطاع العام في الاردن، ولكن هذا الاكتفاء لا يعني بأن هذه الوجوه هي فقط الوجوه التي تمثل ما يعانيه القطاع العام من مشاكل ادارية.
 
وبعد تعداد هذه الوجوه، والتعليق على عددٍ منها، يبرز السؤال الأهم وهو: كيف نستطيع ان نجعل من الادارة الحكومية الاردنية رافعة حقيقية للنهضة والتقدم في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والتعليمية في المستقبل الاردني؟ آخذين بالاعتبار بأن التعثر الاداري هو السبب الاول الذي يقف وراء كل حالات الفشل في الشركات، والمؤسسات، والجامعات، والمدارس، والوزارات، والدول، والجمعيات، والهيئات، وغيرها من الاجسام التنظيمية المختلفة في تسمياتها واشكالها.
 
للاجابة على هذا السؤال الاستراتيجي المهم اقول: بأن لا بد من البدء بحركة اصلاحية ادارية جذرية هي أبعد بكثير من مجرد التحديث او التطوير او التنمية.
 
هذه الحركة الاصلاحية الادارية الجذرية سوف يكون لها بالضرورة إشعاعات، واضاءات، وامتدادات نحو امور عديدة أقلها: تبني فلسفة التفوق الاداري، وادارة المواهب، والتعاقب الوظيفي، وترشيد الاستقطاب، والاختيار والتعيين، ورشاقة الجسم التنظيمي، واختصار الاجراءات، والتدريب وتنمية الموارد البشرية، ورضاء المواطنين، ورضاء الموظفين، والتحفيز، والعدالة، والمساواة، والعقلانية والحوكمة، واخلاقيات الوظيفة العامة، وادارة الخدمات والتخطيط الاستراتيجي، والادارة الاستراتيجية... وأمور أخرى كثيرة.