Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Aug-2020

تاريخ الكاميرات الفوتوغرافية و»وَعْد الغَريب»

 

 
 
 محمد حنون
الدستور- في أصناف الإنتاج الإبداعي المرئي، سواء كان ذلك في المَسرح، أو السينما أو التلفزيون، ثَمَّة موجودات تكميلية لا تَقل أهمية عن العمليات الإبداعية من كتابة وإخراج وتصوير وإضاءة، إلى آخره من الاختصاصات الإبداعية. هذه المُكملات حاضرة في المشاهد وليس في الكواليس، ولها دَور جَمالي بصري، ولها أيضا وظيفة تعريفية، تُسمى في جميع هذه المجالات الإبداعية بالـ «بروبس/ Props». وهو ما يُمكن تَرجمته من حيث الغرض الوظيفي بالـ « الموجودات أو الأدوات التعريفية أو الدلالية أو التكميلية»، في حين أن ترجمتها الحرفية هي « المُمتلكات»، أما أنا فأميل أكثر لكلمة «موجودات».
هذه الموجودات التكميلية تُستخدم في تأثيث المَشهد بَصرياً، للتَدليل على حِقبة زَمنية مُحدَّدة، أو تاريخ مُحدَّد، وللتدليل على المكان ومَكانة الشخصيات في العَمل الفني؛ ولإضفاء مصداقية بَصرية وتاريخية للعمل. فالإعتناء بالدِقَّةِ التاريخية للموجودات التعريفية الـ «بروبس»، يُثريه بواقعية لا يُستهان بِها، مَهما كانت صَغيرة وتفصيلية. على سبيل المثال، حين يَذكر كاتب ما في نصه، سيارة مُعيَّنة، ويكون لها حُضورها في النص، ولكن دون أن يحدد نوعها وتاريخ صناعتها، فعندئذٍ، يَفْرض ذلك بالضرورة على المُخرج وعلى الإنتاج الفني البَحث في الأمر، للعثور على نَوعية السيارة وتاريخ صناعتها، لتتوافق مع سياق تاريخ أحداث القصة وجغرافيتها، سواء كانت القصة ذات مَرجعية تاريخية حقيقية، أو واقعية غير حقيقية.
إغفال هذه التفاصيل، يَنزع شيئا من جمالية العَمل، ولا أقول ينسفه أو يلغيه. فمَهما كان التفصيل الذي قُدِّم في العمل بشكلٍ غير دقيق، صغيراً؛ فإن ذلك يحجب عن المُتلقي الإحساس بواقعية الزمان والمَكان والحدث في المشهد. ناهيك عن أن ذلك يُقدِّم للمُتلقي معلومة بَصرية غير صحيحة، عند إستخدام نوع السيارة الخطأ، أو البُندقية الخطأ أو الأزياء الخطأ، أو الأثاث الخطأ، أو أي أداة موجودة في المَشهد أو في الحكاية الدرامية، ولا تنتمي لها من حيث الزمان والمَكان، وهو ما يُمكن لهُ أن يُربك النَص البَصري.
قبل سَنوات من إصدار رواياته «ثُلاثية الأجراس»، تواصل معي الشاعر والروائي إبراهيم نصرالله لعدة مَرَّات، من أجل البَحث والتحقق من أمور تقنية فوتوغرافية، ومن أنواع الكاميرات والتيارات الفوتوغرافية الفنية والنقدية في فلسطين وفي بلاد الشام، في الفترة ما بين نهايات القرن التاسع عَشر وبدايات القرن العشرين. أخذ ذلك البحث منه ذلك الكثير من الجُهد البَحثي، من أجل كِتابة روايته «سيرة عين» والتي هي إحدى روايات الثُلاثية. « سيرة عين»، هي الرواية التي تناولت حياة « كَريمة عبُّود»، أول مصورة فوتوغرافية عربية وفلسطينية. كان نصرالله شَديد الحِرص في كل الأسئلة التي طَرحها عَليْ. نوعية الكاميرا التي تَظهر مع المصورة عبُّود، في صورة شخصية لها، وهي تقف في صالتها الفوتوغرافية. تاريخ صناعتها ونوعها، وآليات عملها؛ من حيث طريقة إلتقاطها للصُور وتظهيرها وطباعتها. نوعية الشرائح السلبية المُستخدمة، وعن طريقة تجهيز الكاميرا لإلتقاط الصور. إستفسر الروائي نصرالله مِنِّي حتى عن نوعيات الكاميرات الأُخرى في تلك الفترة الزمنية، والتي تُعتبر الأكثر تطورا، مع كل تفصيل من مواصفاتها وطريقة عملها. حين قام الروائي نصرالله ببحثه هذا، مُتَبِّعا مَنهجية بحثية وإستقصائية، فهو يكون بذلك قد أسس وبشكل مَتين ووافٍ، لأيِّ توجه مُستقبلي لتحويل هذه الرواية إلى مسلسل أو فيلم، ويكون كذلك قد أوفى القِصة حقها، من حيث الواقعية والدِقَّة في تناول «الموجودات التكميلية» الفوتوغرافية، والتي هي جزءاً مُهما من سَردية «سيرة عين».
في المسلسل البدوي الأردني «وعد الغريب»، والذي كان من إنتاج المركز العربي للإنتاج الإعلامي في العام 2016، والذي لم أشاهده إلا منذ فترة قَصيرة، ظَهرت كاميرا فوتوغرافية في الحلقة الأولى وفي حلقاتٍ أُخرى. كان يَستخدمها المُستشرق البريطاني روبرت نيومان (غَزوان)، وهو أحد شخصيات المُسلسل، فيما هو يلتقط الصور لأهل الصَحراء وحياتهم ومعاركهم وغزواتهم. تدور أحداث القِصَّة في فترة الحرب العالمية الأولى، أي في الفترة التاريخية ما بين 1914-1918. كانت الكاميرا الفوتوغرافية قد استخدمت في المسلسل، بوصفها كاميرا قديمة من تلك الفترة الزمنية، إلا أنَّها في حقيقة الأمر لم تكن تتناسب مُطلقاً مع الفترة الزمنية للقِصة، وهو ما أنا بصدد تناوله، وهو أيضا ما دَفَعني لكِتابة هذه المقالة.
الكاميرا بين يَدي المُستشرق البريطاني روبرت نيومان، هي كاميرا من عائلة كاميرات الـ «TLR - Twin Lens - Reflex»، والتي يُستخدم في أغلبها أفلام جيلاتينية / بلاستيكية من قياس 120. صُنعت تقنية الكاميرات هذه، مُزدوجة العدسات، من قبل عدة شركات، وأولها هي كاميرا «Rolleiflex» الألمانية في العام 1928. أما الكاميرا التي كان يَحملها المُستشرق في المسلسل، هي كاميرا « Yashica Mat 124G - ياشيكا «، وهي كاميرا يابانية، وقد صُنع هذا الطِراز منها في العام 1970. حتى أن الشَركة اليابانية الأُم لم تَكُن قد تأسست بعد، إلا في العام 1949، تحت اسم شركة «ياشيما»، وفي العام 1957 تم تأسيس شركة «ياشيكا المحدودة» من قبل الشَركة الأُم، وبدأوا بإنتاج عائلة كاميرات الـ «TLR» تحت الاسم نفسه، «ياشيكا».
من الواضح جدا ما أُريد قوله في هذا المَقام، وهو أن استخدام كاميرا صُنعت في العام 1970، في مشاهد مُسلسل تدور أحداثه خلال فترة الحَرب العالمية الأولى، أي في الأعوام ما بين 1914-1918، هو خلل فني لا يُمكن اعتباره أمراً غير مُهم. قد يَقول قائل بأن ذلك لم يُؤثر على حَبكة المُسلسل، أو على سَير الأحداث، وأظن ذلك قَولاً مقبولا بِشكل أو بآخر، إلا أن عدم الاعتناء الجاد بهذه التفصيلات قَد يُرسِّخ عادة إغفالها، في أعمال تكون فيها هذه الموجودات التكميلية أساسية أكثر ومفصلية.
كان من المُمكن أن يتفادى القائمون على المُسلسل، هذا الخطأ التفصيلي، من خلال استشارة من يعرف في تاريخ الكاميرات. أو ببساطة من خلال بَحث لن يحتاج الكثير من الوقت، حول نوعية الكاميرات التي كانت موجودة في تلك الفترة الزمنية. أعتقد بأنه كان من الممكن جداً العُثور على الكثير من الكاميرات التي تعود إلى تلك الفترة لاستخدامها في العمل. أما إذا تَعَذَّرَ ذلك، فمن السَهل العثور على صور لشكل الكاميرات، ونوعياتها، ومن ثَمَّ إعادة تصنيع ما يُشبهها ظاهراً، وهي من مُهمَّات قسم التصميم الفني، والمسؤولين عن الموجودات التكميلية «Property Master».
كان ذلك ليُثري القيمة البَصرية والدقة التاريخية في المشاهد التي ظَهرت فيها الكاميرا بين يدي المُستشرق نيومان، في مسلسل «وعد الغريب». المُسلسل الذي كانَ برأيي الشخصي، من أنجح المُسلسلات البدوية الأردنية، والذي يتمتع بسيناريو وحوار مُتماسكين، للكاتب مُصطفى صالح، من حيث الحبكة الدرامية والسَرديات المُترابطة. وكذلك من أنجح المُسلسلات البدوية الأردنية، التي حَمَلتْ مفردات وجماليات بصرية وإخراجية، وخصوصا تلك التي اعتنت بإضاءات مَشهديات «عُمق الحَقل» الليلية والواسعة، ما قارَبَ بها المُخرج حسين دعيبس، المَساحات المشهدية السينمائية «Cinematography».
*فوتوغرافي وكاتب فلسطيني أردني - تشيلي