Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    20-Mar-2017

اختلال مقاربة ربط التطرف العنيف بالعقيدة - حسن أبو هنية
 
الراي - رغم تكاثر الدراسات والأبحاث الرصينة المعمقة المتخصصة في البحث عن علل وأسباب انتشار التطرف العنيف والإرهاب وربطها بأسباب وشروط وظروف موضوعية سياسية واقتصادية واجتماعية دون اهمال العوامل الثقافية المتعلقة بالدين والاعتقاد إلا أن المقاربة الشائعة لا تزال تصر على إيلاء موضوعة العقيدة عناية فائقة وتعتبرها الدافع الأهم والحاسم في انتشار التطرف العنيف والإرهاب ولعل سبب الترويج لمقاربة ربط التطرف العنيف بالعقيدة هو سياسي استراتيجي أكثر مما هو معرفي ابستمولوجي يحجب الحقيقة للتخلص من المسؤولية السياسية والإخلاقية.
 
كانت ميا بلوم قد توصلت في دراساتها المعمقة حول أسباب التطرف والعنف والإرهاب إلى القول: يحدد جميع المؤلفين في حقول علم النفس وعلم الاجتماع والعلوم السياسية أسباباً جذرية يعتبرونها أساسية لفهم سبب وقوع معظم الحوادث الإرهابية والتحول إلى العنف من الرجال والنساء وهي تشمل ما يلي: الافتقار إلى الديمقراطية والحريات المدنية وحكم القانون، ودولا فاشلة أو ضعيفة توفر ملاذاً آمناً للإرهابيين، وتحديثا مفرطا في السرعة، وإيديولوجيات متطرفة – العلمانية والدينية على حد سواء، وتاريخا من العنف السياسي والحروب الأهلية والثورات وأنظمة الحكم الدكتاتورية أو الاحتلال، وحكومات غير شرعية أو فاسدة، وقمعا من قبل احتلال أجنبي أو قوى استعمارية، والتعرض للتمييز على أساس خصائص الانتماء (الإثنية أو العرقية أو الدينية) والظلم الاجتماعي، ووجود زعماء إيديولوجيين كاريزماتيين.
 
الإدارة الأمريكية الجديدة غير معنية بالتعامل مع الأسباب الحقيقية للتطرف العنيف والإرهاب فمنذ المراحل المبكرة لرئاسة دونالد ترامب أوضح المسؤولون في إدارته أن أولويتهم الكبرى تتمثل بمكافحة الإيديولوجية التي تحرّك جماعات مثل تنظيم «الدولة الإسلامية» وتنظيم «القاعدة» وهو نهج اتبعته الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ نهاية الحرب الباردة التي شهدت تحولا في تحديد المخاطر المفترضة من الإيديولوجية الشيوعية إلى الديانة الإسلامية.
 
هكذا سوف تشكل حقبة الرئيس أوباما الأولى اختلالا واستثناء في السياسة الأمريكية ليس لكونها تبنت مقاربة مختلفة ولكن لأنها تحلت ببعض «الكياسة السياسية» في تجنب التحدث عن أعمال الإرهاب الجهادي أو التطرف الإسلامي بينما عادت إدارة ترامب إلى تراث بوش الإبن باستخدام لغة جريئة تصرّح بأن الإسلام السياسي هو الفكر المتطرف الذي يشكل التهديد الأكثر تحدياً على أمن الولايات المتحدة حسب عبارة معهد واشنطن فمواجهة التطرف العنيف لم تشكل مسألة ذات أولوية خلال النصف الأول من ولاية أوباما بينما شددت إدارة بوش عام 2006 من خلال «خطة التنفيذ الوطنية» التي وضعتها على ضرورة «مكافحة التطرف الإسلامي العنيف» وبحسب أنصار المقاربة الثقافية والاستشراقية المتطرفة في الولايات المتحدة فإن الاستراتيجية التي أصدرها البيت الأبيض لمكافحة التطرف العنيف خلال إدارة أوباما في عام 2011 كانت ضعيفة وغير ممولة لكنها ولم تتغير إلا بعد تنفيذ تفجيرات ماراثون بوسطن عام 2013
 
لقد بدأت الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب الاستغناء عن استعمال مصطلح «مكافحة/مواجهة التطرف المتطرف» والاستعاضة عنه بـ «مكافحة/مواجهة التطرف الإسلامي» أو «مكافحة/مواجهة التطرف الإسلامي الراديكالي» التي كانت متبعة منذ بوش الإبن بعد الإجماع على أن التطرف الإسلامي يشكل تهديداً مباشراً على الأمن القومي الأمريكي الأمر الذي يعني أن أي جهود جدية وفعالة لمكافحة الإيديولوجية المتطرفة التي تدفع جماعات مثل تنظيم «الدولة الإسلامية» وتنظيم «القاعدة» أن تكون جزءاً من استراتيجية أوسع لمنع المجموعة الكاملة من الإيديولوجيات المتطرفة ومكافحتها حسب تقرير الخبراء الأخير لمعهد واشنطن وفي صلبها إيديولوجية الإسلام السياسي وممثله الأبرز حماعة الإخوان المسلمين والتي يجري التعامل معها عمليا كحركة إرهابية أو تتوافر على إيديولوجية إرهابية.
 
إن المقاربة القديمة الجديدة بربط التطرف العنيف بالعقيدة وهي الإسلام مقاربة سخيفة وتنطوي على أبعاد إمبريالية وسوف تؤدي إلى انتشار التطرف العنيف وهيمنة المقاربات العسكرية والأمنية بالتعامل مع ظاهرة التطرف ويمكن ببساطة ربط التطرف في المنطقة بالاحتلال والدكتاتورية والطائفية لكن هذه المقاربة مكلفة ولا تخدم السياسات الإمبريالية والدكتاتورية والطائفية فلم يكن صعود تنظيم «الدولة الإسلامية» سوى نتيجة مؤكدة لثلاثية العنف حيث برزت المسألة السنية في العراق وبهذا فإن مستقبل إيديولوجية تنظيم الدولة الإسلامية يبدو واعدا حيث ستتعاظم الأصوات المؤيدة للتنظيم في الوسط السني لاعتقادهم أن التنظيم يدافع عن قضية عادلة تتوافر على حقيقة ماثلة ومسارات تاريخية ساطعة إذ لم يكن صعود تنظيم الدولة الإسلامية اعتباطيا وخطأ تاريخيا ومصادفة بل نتاج بروز إيديولوجية احتجاجية سنيّة غاضبة لما آلت إليه أحوال العرب السنة في العراق من إقصاء وتهميش وإذلال منذ إحتلال العراق ومع فساد العملية السياسية وغياب النخب السنية المسؤولة وضعف الدعم العربي والإسلامي بات التنظيم يمثل أملا للمقهورين والمهمشين كدرع واق لهوية سنية مهددة في وجودها ومستقبلها.
 
خلاصة القول أن مقاربة ربط التطرف العنيف بالعقيدة تنطوي على أبعاد سياسية واستراتيجية ولا تنتمي إلى عملية تفهمية معرفية وأخلاقية ولذلك فإن إيديولوجية تنظيم «الدولة الإسلامية» و»القاعدة» سوف تصبح أكثر جاذبية بعد توسيع نطاق مفهوم التطرف والإرهاب ليشمل جماعات الإسلام السياسي بل ويتجاوزه ليشمل العقيدة الإسلامية ذاتها كأساس للتطرف العنيف والإرهاب.