Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Nov-2017

السابقون اللاحقون .. أولئك الحاضرون الغائبون - م. فواز الحموري

الراي -  تصدر قائمة التقاعد لعدد من الموظفين في وزارة التربية والتعليم لتشكل بذلك فرصة مناسبة للحديث عن العديد من المواقف المرتبطة بتقاعد من يخدم في الدولة لأكثر من ثلاثين عاما أو اقل قليلا ويغادر بكل بساطة وفق مضمون الكتاب الرسمي ويعود للبيت ريثما يرتب أموره الخاصة ويعيد حساباته من جديد.

حين دخلت وزارة التربية والتعليم عام 1988 ،وصدر كتاب التعيين الخاص بي، لحظتها وقفت أمام مقولة لزميل مرددا: أمامك ثلاثون عاما إلا يوم للتقاعد، سوف تمر بسرعة، ستتذكر ذلك لاحقا. وفي كل مرة تصدر قوائم التقاعدات أتذكر تلك المقولة وأحاور مازحا من تمت إحالته للتقاعد ليجيب: نحن السابقون وانتم اللاحقون.
 
نتحدث عن أولئك الحاضرين في ردهات الوظيفة العامة والذكريات لمن دخل فتيا شابا وخرج قريبا من عمر الستين ومفعما بالعديد من المواقف الخاصة والعامة ويعود ضيفا على وزارته ويرقب من بعيد تصرف الزملاء والزميلات معه بعد التقاعد ويردد من جديد: هل كانت تلك السنوات كافية لاكتشاف معنى الحياة ورسالة الوظيفة العامة وهل بالإمكان البداية بشكل مختلف وجديد بمعنى الكلمة من مدلول؟
 
لم يصبح ذلك الموظف رئيسا لقسم أو مديرا لمديرية أو مديرا لإدارة وخرج نادما على سنوات عمله تلك التي قضاها مخلصا ومتفانيا لدرجه أن يتم إعلامه بقرار التقاعد بشكل مباغت على الرغم من توقعه ذلك خصوصا مع سنوات خدمته في الوظيفة الكافية للتقاعد. الحديث عن الخدمة في الدولة والوظيفة الحكومية وبصراحة يحتاج إلى سجال وحوار حقيقي ؛ فالواقع يختلف عن الجانب النظري
ويتقاطع مع الأنظمة والتعليمات والعديد من المواقف التي يحظى بها أكثر من موظف على حساب موظفين آخرين وبشكل مبرر ومرتب.
 
عندما يدخل الموظف سلك الوظيفة يدرك تماما انه وفي يوم من الأيام سوف يتقاعد ولكن تلك الفترة يكون قد انغمس فيها في ثنايا العمل وتزاحم الدوام وطاحونة الأيام والسنوات ليتكشف بعد حين انه أفنى من عمره المعدود سنوات الشباب وتمرس في العمل الروتيني وظل كذلك إلى أن تطبع بالسمة الرسمية لموظف القطاع العام وأضاع بعض الفرص لتحسين وضعه المعيشي وظل منتظرا الفرص ومضى العمر مسرعا.
 
ثمة العديد من الإشارات التي ترتبط بالتقاعد وأهمها وأولها: أن السنوات كفيلة بالترفيع من درجة إلى أخرى ولكن التقدم في الوظيفة العامة غالبا ما يعتمد على ظروف وعوامل مساعدة أخرى يقف الموظف العادي أمامها وتجعله لا يرجو كثيرا من الوظيفة العامة ، بل يستمر في العمل بشكل روتيني إلى أن تحين ساعة اتخاذ قرار التقاعد وهذا حال شريحة كبيرة من الموظفين ممن يبقون على عاداتهم الوظيفية ولا يحبون أو يشجعون على التغيير الذي لا يعني لهم شيئا كثيرا.
 
أما الإشارة الثانية: فهي السؤال الأهم والمحطة القادمة: ما العمل بعد التقاعد ؟ وكيف السبيل لقضاء الوقت أثناء فترة قد تطول وقد لا يجد المتقاعد عملا وهل تكفي لأداء جميع الصلوات في الجامع والقيام بالواجبات الاجتماعية على أكمل وجه ؟
 
الإشارة الثالثة: تدعو إلى التكريم وإسداء التحية والتقدير للمتقاعد بدل التسلط واعتبار التقاعد وسيلة للاقتصاص والانتقام من الموظف أو هكذا يشعر عند تسلمه قرار الإحالة على التقاعد على الرغم من الأمنيات له بالتوفيق ،ويمتلكه الشعور بعدم الرغبة بالعودة إلى مكان العمل بعد التقاعد ولهذا الشهور حاجة إدارية ينبغي الالتفات إليها بالاهتمام والمتابعة ؛ انه يعكس نتائج سلبية ليس أكثر ويعني الكثير من حب العمل والانتماء إليه.
 
الإشارة الرابعة: تعني بمدلول الصفوف الأولى والثانية والثالثة وحتى الصفوف الأخيرة والإحلال الوظيفي والتحضير لتحمل المسؤولية على جميع المستويات ؛ فقد يستمر العمل مع غياب المسؤول المباشر وبشكل أفضل ، فلهؤلاء الحاضرين الغائبين ثمة تطلع للطموح الوظيفي والترقي في العمل والتقدم إلى الأمام من صغار الموظفين ولكن لماذا تقف العقبات في طريقهم ؟
 
الإشارة الخامسة: تختص بالمقابلات الصورية والتنافس بين المتقدمين واختيار من لم يقابل ( أحيانا ) تثير حفيظة الموظف مثلما يأتي قرار التقاعد ليشمل فئة دون أخرى؛ فعلى الرغم من وجود المعايير والأسس الواضحة إلا أن الواقع يختلف تماما عن الأدبيات والنظريات والتعليمات وبمقدور القائمين على الموارد البشرية في أي مؤسسة التبرير لكن مهما بلغت حجتها إلا أن التجاوز يحصل في اغلب الأحيان. الإشارة السادسة: وهي من كتاب نشرته ممرضة عملت بمستشفى في أستراليا و الكتاب عبارة عن نقل تجارب شخصية عاشتها الممرضة مع مرضى كبار السن الذين كانوا بالمستشفى وسمت الكتاب:( الندم) ومحور الكتاب يدور حول أكثر سبعة أشياء نندم عليها عندما نكبر واستندت الممرضة في الكتاب على سؤال العديد من كبار السن بالمستشفى قبل وفاتهم عن أبرز الأشياء التي ندموا على فعلها أو عدم فعلها لو عادوا إلى سن الشباب، وكان من أبرزها:
(تمنيت لو كانت لديّ الشجاعة لأعيش لنفسي ولا أعيش الحياة التي يتوقعها أو يريدها مني الآخرون... فقد عبّر معظمهم عن ندمه على إرضاء الغير كرؤسائهم في العمل أو إرضاء عائلاتهم على حساب نفسه وأسرته الخاصة أو الظهور بمظهر يُرضي المجتمع ومن يعيشون حولهم) بالإضافة إلى الأمنيات التالية: تمنيت لو أنني خصصت وقتاً أطول لما أُحب بدلا من إضاعة العمر كله في روتين مُمِل، تمنيت لو كانت لديّ الشجاعة لأعبّر عن مشاعري بصراحة ووضوح فالكثيرون كتموا مشاعرهم لأسباب مثل تجنّب مصادمة الآخرين أو التضحية لأجل أناس لا يستحقون ، تمنيت لو بقيت على اتصال مع أصدقائي القدامى أو تجديد صداقتي معهم فالأصدقاء القدامى يختلفون عن بقية الأصدقاء كوننا نشعر معهم بالسعادة ونسترجع معهم ذكريات الطفولة الجميلة ولكننا للأسف نبتعد عنهم في مرحلة العمل وبناء العائلة حتى نفقدهم نهائياً أو نسمع بوفاتهم فجأة ، تمنيت لو أنني أدركت مبكراً المعنى الحقيقي للسعادة، فمعظمنا لا يدرك إلا متأخراً أن السعادة كانت حالة ذهنية لا ترتبط بالمال أو المنصب أو الشهرة إن السعادة كانت اختياراً يمكن نيله بجهد أقل وتكلفة أبسط ولكننا نبقى متمسكين بالأفكار التقليدية حول تحقيقها ، تمنيت أن تكون علاقتنا مع شريكة وشريك حياتنا مبنية على الحب والمشاركة لا العِشْرة والتَعوُد فهناك فرق كبير جدا جدا، الأم والأب هما الشخصان الذين لا يمكن تعويضهما تمنينا أن نقضي معهم كل الوقت الذي أضعناه).
أنهم السابقون أولئك الحاضرون الغائبون...طوبى لهم ولمن قرر إحالة نفسه على التقاعد في الوقت المناسب ليتفرغ إلى عالم رحب لا
يشعر خلاله بالندم أبدا !