الدستور-كشف الملك عبد الله الثاني في مقابلته مع مجلة “لونوفيل أوبزرفاتور” الفرنسية المزيد من تفاصيل رؤيته طويلة الأمد للإصلاح والحاكمية في الأردن؛ ما يثري التفكير والتخطيط الوطني للمراحل القادمة ومعرفة الجهات والقوى السياسية لدورها والأولويات التي يجب عليها التعامل معها في المراحل القادمة.
كرر الملك مرة أخرى وبوضوح رؤيته الخاصة بمبدأ الملكية الدستورية وتحولاتها في السنوات القادمة والتي تتطلب تغييرا تدريجيا في نمطية الحكم عندما اشار إلى أن الملكية التي سيرثها ابنه ستكون مختلفة عن تلك التي ورثها الملك عبد الله الثاني عن والده الملك الحسين وهذا يؤكد بأن الملك مدرك تماما للمرونة في نمطية النظام الملكي. في المقابل فإن اي تحول كهذا يتطلب مزيدا من التأثير والتطور للقوى الحزبية البرلمانية التي سوف تتحمل مسؤوليات أعظم في تشكيل الحكومات وتحمل مسؤوليات إدارة الحكم اليومي فلا يمكن مثلا المطالبة من قبل المعارضة بملكية دستورية بدون تطوير متزامن للعمل الحزبي الجاد والتحول من مئات الحراكات والتجمعات والأحزاب الصغيرة غير المؤثرة إلى عدد محدود ولكن مؤثر من الاحزاب يجمع ويضم مئات الآلاف من الأعضاء ويطور برامج عملية واضحة للسياسة والاقتصاد والتنمية والمجتمع.
في إشكالية العمل الحزبي أوضح الملك بأن المشكلة الحقيقية هي في تردد الناس في الانضمام للأحزاب قائلا: “التحدي الحقيقي الذي يواجه المعارضة اليوم يتمثل في تردد الناخبين في الانضمام للأحزاب السياسية، ذلك أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن نحو 90 بالمائة من الأردنيين ينأون بأنفسهم عن هذه الأحزاب؛ الأمر الذي يستدعي بذل جهود جادة من قبل مجلس النواب والحكومة القادمين، وكذلك المعارضة، لتطوير برامج تشجع المواطنين على الانضمام كأعضاء في الأحزاب السياسية، وتستجيب لمصالح الناخبين وتحثهم على اتخاذ القرار بالإدلاء بأصواتهم في الانتخابات بناء على برامج هذه الأحزاب.” إزالة الأسباب الداعية لهذا التردد تتطلب المزيد من الثقة في جدوى العمل الحزبي والسياسي
أشار الملك إلى أهمية الانتخابات القادمة والتي ستكون استثنائية في كونها ستفتح الباب أمام تشكيل الحكومات القادمة وليس فقط مجلس النواب المراقب على أدائها وهذا ما يتطلب حسن الاختيار في الانتخاب وضرورة الحرص التام على النزاهة في التصويت والفرز وإعلان النتائج. تضمنت المقابلة ايضا الإشارة إلى عدة سيناريوهات في ذهن الملك حول نشكيل الحكومة إما من خلال التشاور مع الأغلبية النيابية أو مع كافة الكتل البرلمانية في حال لم يتم تشكيل كتلة أو إئتلاف أغلبية وهذا هو المتوقع نتيجة تفتت الأصوات ما بين الدوائر المحلية والقوائم. ولكن من الواضح أن خيار الملك قد يتجه نحو رئيس وزراء من خارج البرلمان في الحكومة القادمة ولكن مع التأكيد على أنه بحاجة إلى الحوار مع كافة الكتل البرلمانية قبل تشكيل الحكومة.
مسار التحول إلى الملكية الدستورية والمزيد من مسؤولية الحكومات يتطلب أيضا المزيد من مسؤولية الأحزاب ودورها. لا يمكن الحديث عن تقليص لصلاحيات الملك بدون وجود قوى سياسية مجربة وتستحق الثقة تستطيع أن تملأ مثل هذا الفراغ السياسي. الإخوان المسلمون بمقاطعتهم للانتخابات وغياب برامجهم البديلة واكتفائهم بالنقد السلبي وأحيانا لا يمثلون نموذجا لعمل حزبي يستحق الثقة، والمفروض ظهور أحزاب أخرى قادرة على حمل مسؤولية الحكم والإدارة في نظام الملكية الدستورية.
ملكية دستورية وتقليص صلاحيات الملك بدون وجود أحزاب قوية وذات قاعدة جماهيرية واسعة وبرامج بديلة وخبرات وثقة هو قفزة هوجاء في الفراغ بغض النظر عن كل التبريرات السياسية النظرية.