Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-Apr-2018

هل أصبحت دمشق آمنة؟ - حسن أبو هنية

 الراي - منذ اندلاع الأزمة السورية منتصف آذار 2011 وتحولها إلى نزاع مسلح وحرب أهلية ودخولها سريعا إلى أفق حروب الوكالة الإقليمية فالدولية، فقد النظام السوري سيطرته على مناطق واسعة من أراضيه، وبات يسيطر على أقل من ثلث الأراضي مع نهاية 2013 ،وقد ركز النظام السوري جهوده بالحفاظ على دمشق وخلق حزام آمن كأولوية حيوية، إذ تمكنت المعارضة المسلحة من انتزاع السيطرة على مناطق أحزمة دمشق وأصبح يهدد العاصمة بطرق عديدة، وعقب التدخل الإيراني

ثم الروسي نجح النظام السوري، بمساندة حلفائه الروس والإيرانيين، بين عامي 2014 و2016 ،بتفتيت الحزام الناري الذي فرضته المعارضة حول دمشق، فاستطاع تجزئة غوطتيها الشرقية والغربية، وتحييد البلدات الجنوبية بشكل كامل، ما سهل عليه فرض «هدن» بالقوة، ثم فرض تسويات تضمن ترحيل الفصائل إلى الشمال.
شكلت الغوطة الشرقية لدمشق أحد التحديات الأخيرة لتأمين دمشق من هجمات المعارضة، وقد نجح النظام وحلفاؤه من الروس والايرانيين من التخلص من فصائل المعارضة المتواجدة في الغوطة الشرقية بعد الحملة العسكرية المكثفة التي شنها النظام السوري، في 18 من شباط الماضي، حيث فتحت روسيا «معابر إنسانية» لخروج المدنيين المحاصرين، وذلك بعد عشرة أيام من القصف راح ضحيته 3314 قتيلًا و3607 مصابين، وسرعان ما بدأت عملية خروج الفصائل المسلحة إلى الشمال كمقدمة ضرورية لإعلان النظام أن دمشق أصبحت «مدينة آمنة»، في حين أجرت اتفاقيات «مصالحة» مع المقاتلين في صفوف فصائل المعارضة، قضت بتوجههم مع ذويهم إلى إدلب، معقل المهجرين الأكبر.
بات النظام السوري يحكم سيطرته على المقومات الحيوية الثلاثة لدمشق، وهي الطرق الرئيسية وآخرها الأوتوستراد الدولي دمشق- حمص، وكبرى محطات توليد الطاقة الكهربائية، والمصدر الرئيسي للمياه، فضلًا عن السلة الغذائية المتمثلة بمنطقة المرج والمزارع المحيطة بها شرق دمشق، ولم تعد دمشق مهددة باستثناء جيب في جنوب دمشق يسيطر عليه تنظيم الدولة الإسلامية، والتي سترتكز جهود النظام وحلفائه على استعادته في الخطوة التالية.
منذ التدخل الروسي في نهاية سبتمبر 2015 بات الحفاظ على «دمشق» وتأمينها في إطار مفهوم «سورية المفيدة» أولوية قصوى، وقد طرحت استراتيجية سورية المفيدة من طرف نظام الأسد وإيران وصادق عليها الروس، وهي استراتيجية تهدف إلى دعم وإسناد نظام الأسد في الحفاظ على سيطرته على دمشق وخلق ممر آمن يربط المنطقة الساحلية السورية بمعاقل «حزب االله» في جنوب لبنان عبر إحداث تغيرات ديمغرافية والقيام بعمليات تطهير مذهبي وعرقي وهو الأمر الذي تولاه «حزب االله» في بعض المناطق على طول الحدود منذ تدخله وبرز خلال حملته عام 2013 في مدينة القصير ومنطقة القلمون ومن خلال طرد مئات الآلاف من السنة من حمص.
في سياق تأمين دمشق في إطار سورية المفيدة جرت عمليات إخلاء الضواحي السنية المحاصرة المحيطة
بمدينة دمشق تحت شعار الهدن ووقف الأعمال القتالية ففي 27 أغسطس 2016 دخلت قوات النظام
والمليشيات الشيعية المساندة إلى داريا وتم إخلائها من سكانها السنة بعد اتفاقات مهينة ومذلة ومباركة دولية وبعدها بدأ النظام بالتفاوض على اتفاقيات مماثلة مع المناطق السنية المحاصرة الأخرى المحيطة بدمشق من أجل حماية عاصمة سورية المفيدة دمشق كما حدث مع سكان «معضمية الشام» في ريف دمشق وكذلك حي «الوعر» في حمص حيث يتم تطهير معظم هذه المناطق من السنة وترحيلهم إلى شمال سوريا بانتظار تطبيق خطوط الاستراتيجية على بقايا السنة في الغوطة والزبداني ومضايا واليرموك وغيرها من المناطق المحيطة بدمشق.
في هذا السياق لم تعد فصائل المعارضة المسلحة التي جرى حشرها في إدلب بانتظار تسوية جديدة بين تركيا وروسيا حول إدلب، أي وجود في دمشق وريفها، ولم يتبق سوى جيب جنوب دمشق الذي يسيطر تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) والذي استثمر معارك الغوطة الشرقية لفرض سيطرته على حي القدم في دمشق، حيث يتواجد في بضعة أحياء في جنوب دمشق، أبرزها الحجر الأسود والتضامن وأجزاء واسعة من مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، فد تمكن مقاتلو التنظيم في20 آذار 2018 من السيطرة على حي القدم إثر هجوم مفاجئ ومعارك عنيفة أسفرت عن مقتل أكثر من 150 عنصراً على الأقل من القوات الحكومية والمقاتلين الموالين لها.
لا شك أن تنظيم الدولة لا يشكل تهديدا خطيرا على دمشق لكنه يتسبب بقلق بالغ، فحسب الباحث في المعهد الأميركي للأمن، نيك هاريس، إن «تنظيم الدولة الإسلامية يُشكل مصدر إزعاج بالنسبة لحكومة الأسد في دمشق، لكنه لا يشكل حالياً تهديداً قاتلاً» ويرى هاريس أن التنظيم «يحاول ملء الفراغات في المناطق التي كانت في السابق خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة في محيط دمشق»، وقد تسلل التنظيم إلى حي القدم بعد نحو أسبوع من إجلاء المئات من مقاتلي هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) مع أفراد من عائلاتهم إلى الشمال السوري، ويعتبر هاريس أن «القضاء على المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية إضافة إلى ضعف قوات الأسد في إعادة الاستقرار إلى ضواحي دمشق، يشكلان ظروفاً مواتية لتنظيم الدولة الإسلامية» حيث يُقدر الباحث الأمني هاريس عدد مقاتلي تنظيم «داعش» في سوريا بما بين ثمانية إلى 13 ألفاً.
خلاصة القول أفضت استراتيجية النظام السوري وحلفائه من الروس والإيرانيين إلى تحقيق تقدم واضح في تأمين دمشق، والتخلص من الحزام الناري الذي شكلته المعارضة المسلحة، والتي باتت معزولة ومتروكة لمصيرها بعد تخلي مجموعة أصدقاء سوريا عن دعمها بصورة لافته نهاية 2016 ،ولم يتبق سوى معركة أخيرة مع تنظيم الدولة الإسلامية في جيب جنوب دمشق، لكن تأمين دمشق ليس نهاية المطاف بل خفض وتيرة حدة النزاع، فهي لن تنهي الأزمة التي لا أفق لها في سوريا، إذ لا يوجد أي تقدم على صعيد تحسين الوضع الإنساني ولا في تحقيق تسوية سياسية، وبهذا فإن الاستقرار في سورية لن يتحقق قريباً في ظل تباين مصالح اللاعبين الرئيسيين.