Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    26-Jun-2017

الرئيس - د. ابراهيم صبيح
 
الراي - حتى الساعات الاولى من ذلك الصباح كان الرئيس لا يزال مستيقظاً مع بطانته المقربين حيث شاهدوا فيلماً عن رعاة البقر توجهوا بعدها الى دارة الرئيس الريفية لتناول الطعام واستمروا حتى الساعة السادسة صباحاً عندما غادرت بطانة الرئيس على عجل.
 
بدا الرئيس مهموماً وفي مزاج متعكر وهو يطلب من حراسه ان يتركوه لينام وحذرهم من ازعاجه. كان الرئيس معتاداً على الاستيقاظ عند الساعة الحادية عشرة صباحاً ولكنه في ذلك اليوم لم يظهر للافطار او للغداء وبقي الامر هكذا الى ما بعد الظهر.
 
بدأ القلق يتسرب الى الحراس والموظفين ولكن احداً منهم لم يجرؤ على الذهاب لاستقصاء الامر فالتعليمات واضحة: لا احد يدخل الى جناح الرئيس الا اذا تم استدعاؤه.
 
عند الساعة الحادية عشرة مساءً لم يستطع الحراس الانتظار اكثر فمشوا من خلال الممر الذي يوصلهم الى جناح الرئيس وكانوا يتخاطبون بصوت عالٍ ويصدرون اصواتاً بأقدامهم ليشعروا الرئيس انهم قادمون.
 
كانوا يعلمون ان الرئيس يعاني من فقدان الثقة، لذلك قام بتخصيص 8 حجرات للنوم في جناحه تغلق جميعها باحكام فلا يعرف احد في اي حجرة يبيت ولم يكن كذلك يتذوق الطعام الا بعد ان يتذوقه الطاهي اولاً.
 
اختلسوا النظر من ثقب الباب ودخلوا ليجدوا الرئيس ملقى على سجادة بالقرب من مكتبه وكان لا يزال يرتدي ملابسه اليومية وقد بلل نفسه بالبول. كان بجانبه على الارض نسخة من الصحيفة اليومية الرسمية وساعة ومعطف وكان يشخر بصوت عال. كان الرئيس عاجزاً عن الكلام دون ان يفقد وعيه وقد اشار برأسه بالايجاب عندما سأله الحراس اذا كان ممكناً ان ينقلوه الى الاريكة.
 
قام الحراس بإجراء الإتصالات اللازمة مع رموز الدولة وبعد مرور أربع ساعات حضرت اول سيارة حكومية وكان فيها مدير الاستخبارات وأحد الوزراء اللذان دخلا الى جناح الرئيس وهما يرتجفان وبعد دقائق خرجا وهما يؤنبان الحراس: «ما بكم، ان الرئيس في حالة نوم عميق لذلك لا تزعجوه ولا تزعجونا»، بعد مرور عشر ساعات وصل بعض رموز الدولة ومنهم مدير الاستخبارات نفسه الذي احضر معه سبعة من الاطباء الذين قام هو باختيارهم.
 
وصل الاطباء الى نتيجة ان الرئيس اصيب بنزيف في الدماغ ادى الى شلل نصفي وبوشر في اعطائه المحاليل والادوية. لم يتم نقل الرئيس الى اي مستشفى وبقي على هذه الحالة 3 ايام وهو يدخل ويخرج من غيبوبته. تم استدعاء ابنة الرئيس التي وصفت لحظات والدها الاخيرة: «كان عنيداً جداً ومتواضعاً جداً ويحبني جداً وكان دوما يلاعبني ويناديني بعصفورته الصغيرة. عندما نظرت اليه في ذلك اليوم كان تنفسه ثقيلاً وبدأ وجهه الاصفر يكفهر ويصبح اسود ثم فتح عينيه ورفع يده اليسرى وكأنه يريد ان يملي علينا امراً ثم سقطت يده ومات».
 
اظهر التشريح الذي اجري في اليوم التالي ان الرئيس مصاب بتشمع في الكبد ناتج عن تناول الكحول كما تبين وجود نزيف دماغي على الناحية اليسرى من الدماغ. أُبلغ الشعب الروسي عن طريق المذياع بالرواية الرسمية الحكومية: «لقد فقدنا، في الثالث من اذار 1953، الرئيس جوزيف ستالين، قائد الحزب الشيوعي وزميل لينين جراء اصابته بنزيف دماغي حاد».
 
بدأ الراديو ببث الموسيقى الكلاسيكية وفي يوم الجنازة حضر 3 ملايين شخص لوداع الرئيس وقد وضع جثمانه المحنط بجانب جثمان لينين في الساحة الحمراء بموسكو. حديثاً ظهرت مقالة طبية تم نشرها في المجلة الاميركية الدولية لجراحة الاعصاب بقلم الدكتور «ميشيل فاريا» من الولايات المتحدة تحدث فيها عن «اغتيال» الرئيس. تظهر المقالة المستندة الى مجموعة من الوثائق الطبية والبراهين ان «ستالين» قد تعرض لمحاولة سابقة لاغتياله قبل عدة سنوات عندما دس له احد الاطباء حقنة مسمومة.
 
يظهر في هذه المقالة أن ابنة الرئيس «سفيتلانا» اتهمت رئيس الاستخبارات بيريا بالتآمر على والدها وتأخير علاجه عندما اعتبر أن الرئيس نائم وليس في غيبوبة ثم أنه أحضر بعدها فريقاً من الاطباء قاموا باضافة مادة مميعة للدم حتى يتفاقم النزيف الدماغي. تظهر الوثائق كذلك ان بيريا اعترف بجرمه ولذلك قام «خروتشوف» (خليفة ستالين) بإعتقاله وتجريده من الرتب العسكرية واتهمه بالتجسس لأميركا ومن ثم قام بإعدامه.
 
اختلفت الاراء في الرئيس «جوزيف نوفيتش» الذي لَقَبهُ رفيق دربه، لينين، بستالين اي الرجل الحديدي، فمن الناس من يرى فيه القائد الملهم والزعيم المناضل، وأبا الشعوب الذي دخل برلين في الحرب العالمية الثانية وقضى على هتلر والنازية وهو الذي اجتمع مع «روزفلت» و»تشرشل» في يالطا وفي عهده تم تفجير اول قنبلة ذرية سوفيتية في العام 1949.
 
يراه الاخرون دكتاتوراً قضى على معارضيه مما ادى في النهاية الى اغتياله, ويذكر ان خروتشوف انقلب على ستالين لاحقاً واتهمه بأفظع الصفات وبناء على اوامره تم تحريك جثمان ستالين من الساحة الحمراء للتقليل من اهميته ولكن شعبية ستالين عادت قوية مرة اخرى في عهد فلاديمير بوتين الذي تسلم السلطة الروسية في العام 2010.
 
في النهاية تظل قضية موت «ستالين» من الالغاز المعقدة حتى يومنا هذا, ولكن ما سبق يُظهر انه يجب علينا كأطباء ان لا نهمل التاريخ المرضي للزعماء ونتركه للسياسين الذي لا يملكون خلفية طبية، فالطبيب يمكن ان يكون سياسياً ولكن السياسي لا يمكن ان يكون طبيباً.