Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    26-Jul-2017

لماذا وثيقة التماسك الاجتماعي ؟ - بلال حسن التل
 
الراي - كثيرة هي الأسباب التي دفعت جماعة عمان لحوارات المستقبل إلى إطلاق وثيقتها «للتماسك الاجتماعي». وأول هذه الأسباب الإحساس بالخطر الداهم، والذي يتزايد حجمه يوماً بعد يوم، نتيجة لتزايد حجم ومظاهر التفلت من الضوابط الأخلاقية للكثير من ممارساتنا المشوهة لعاداتنا وتقاليدنا. فليس من شيمنا وعاداتنا الأصيلة أن نعتدي على الآخرين ونؤذيهم في مشاعرهم، لنمارس نحن جنون أفراحنا التي صارت تتحول إلى أتراح نتيجةً للرصاص الطائش الذي نطلقه في هذه الأفراح، ونتيجة للإصابات الناجمة عن المشاجرات التي صارت تلازم الكثير من أفراحنا وعندما نغلق الطرقات ونعطل السير وحركة الآخرين، وكأن أفراحنا يجب أن تتم على حساب أوقات الآخرين وأعصابهم ومن خلال إغاظتهم وصولاً إلى إنهاء حياتهم برصاصةٍ طائشة أو حادث سير مروع.
 
ليس إطلاق الرصاص وإغلاق الطرقات بالمواكب هو التفلت الوحيد من منظومة السلوك الاجتماعي التي صرنا نعاني منها كثيراً. فكثيرة هي صور هذا التفلت التي صار كل فريق منا يشكو من جزء منه، لأنه لا يرى إلا هذا الجزء من أجزاء الصورة، التي صار من المهم أن تنفر طائفة من أبناء مجتمعنا لجمع أجزاء هذه الصورة وتقديمها كاملةً متكاملة إلى كل أبناء هذا المجتمع ليروا حجم الخطر الذي يهددنا جميعا، وهو ما فعلته جماعة عمان لحوارات المستقبل التي لم تتوقف في وثيقتها حول «التماسك الاجتماعي» عند ظاهرة إطلاق الرصاص في الأفراح والمواكب التي ترافق هذه الأفراح، بل ذهبت للتذكير بكل الاختلالات التي أصابت الكثير من عاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية في الفرح والترح بما في ذلك «الجلوه العشائرية» التي لم تعد صورتها القديمة مناسبة للحياة المعاصرة، وطبيعة العلاقات بين الناس، والكلف الاقتصادية لهذه العادة العشائرية.
 
كما تناولت الوثيقة سائر طقوس الأفراح والمآتم وما أصابها من مظاهر الرياء الاجتماعي والإسراف الذي يرهق الناس، وهو الخلل الذي انسحب على مفهوم الجاهة وعدد أفرادها والذي صار محل نقد من الجميع، وقد آن أوان معالجة هذا الخلل، وهو ما تصدت له وثيقة التماسك الاجتماعي.
 
سبب آخر من الأسباب التي دفعت جماعة عمان لحوارات المستقبل الى إصدار وثيقة «التماسك الاجتماعي»، هو إحساسها بأهمية المشاركة بين القطاعين الرسمي والأهلي في معالجة ظواهر الاختلال الخطرة التي أصابت سلوكنا الاجتماعي، فإذا كان من مهام الحكومة أن تصدر التشريعات لمعالجة الاختلال كما هو في حال إطلاق الرصاص في الأفراح، فإن مسؤولية القطاع الأهلي أن يشارك في جعل هذه التشريعات فاعلة ومؤثرة من خلال بناء وعي المواطنين على خطورة هذه الاختلالات من جهة، وعلى أهمية التقيد بهذه التشريعات والانصياع لها باعتبارنا مواطنين في دولة قانون من جهة أخرى.
 
كثيرة هي صور مشاركة القطاع الأهلي في محاربة الاختلالات الاجتماعية، وأولها تنبيه الأفراد إلى مسؤوليتهم في مقاومة هذه الاختلالات من خلال الامتناع عن ممارستها من جهة ومقاطعة من يمارسها من جهة أخرى. فكلنا مسؤول عن هذه الاختلالات وكلنا يجب أن يتحمل مسؤولية معالجتها.
 
بالإضافة إلى تحريك الإحساس بالمسؤولية الفردية لإصلاح الاختلالات التي أصابت سلوكنا الاجتماعي فإن من أسباب إصدار جماعة عمان لحوارات المستقبل لوثيقة «التماسك الاجتماعي» إيمانها بأهمية إحياء دور الرقيب الاجتماعي. لأن الرقابة الاجتماعية تشكل في كثير من الأحيان رادعاً أقوى وأفعل من الرادع القانوني، لذلك فإن هذه الوثيقة تسعى إلى تفعيل الرقابة المجتمعية على ممارساتنا الاجتماعية لتجعل من الاختلالات التي طرأت على هذه الممارسات رذيلة اجتماعية يخجل من يمارسها، ويحسب ألف حساب للعقوبة المجتمعية التي سيتعرض لها من خلال إحساسه بالنبذ نتيجة لممارسته للخطأ.
 
كثيرة هي الأسباب التي دفعتنا في جماعة عمان لحوارات المستقبل إلى اصدار وثيقة التماسك الاجتماعي، أستطيع اختصارها بالقول أنه الاحساس بالخطر الذي يهدد كل واحد منا، فلم يعد أحد منا بمأمن من رصاصة طائشة تنهي حياته أو حياة عزيز عليه، أو موكب ثقيل يعطله عن الوصول إلى موعد مهم أو يحول بينه وبين إنقاذ مريض أو مصاب، أو أزمة اقتصادية تسببها ممارسة اجتماعية ممجوجه غريبة عن عاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية، على أن السبب الرئيس لذلك كله هو تلمس جماعة عمان لحوارات المستقبل لهموم ومشاكل مجتمعنا، والسعي للمساهمة في حلها من خلال رسم صورة متكاملة لهذه الهموم والمشاكل، ومن ثم معالجتها بصورة شاملة من خلال رؤية متكاملة لهذه المشاكل كما هو في وثيقة التماسك الاجتماعي.