Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-Mar-2017

عقل.. ووحي - ابراهيم العجلوني
 
الراي - تكاد ثنائية العقل والنقل التي عني بها القدماء والمحدثون من المتكلمين تكون – لدى النظر غير المرتهن بما تراكم من اسفار واشتبك من مقولات – ضرباً من كسل الذهن وتثاؤب العقل, يقلّد فيه الخائضون فيها بعضهم بعضاً. وعلى ما يبدو من غنى ظاهر وبذخ منظور في الكم الكبير من المباحث المتعلقة بهذه الثنائية, الا ان اساس معظم ذلك منتقض بجملة مختصرة من بدهيات العقل التي لم تزن بعد بريبة الحذلقة والتحاذق ولم تثقل حركتها المصطلحات والمقولات.
 
ذلك أن اول ما يؤسس لاطمئنان العقل الى احكامه سلامة الفطرة, وتوافر ذلك الوعي الكوني الذي يتجاوز ظنون العقل المتحصّلة من طريق الحواس الى يقينيات هذه الفطرة. ونحن في الاسلام الذي هدينا اليه نؤكد اهمية وأولية «الوحي» ونرى ضرورة اقامة العقل عليه, اذ الوحي اساس العقل في الانسان واساس النظام في الكون. والعقل بدون الوحي مظنّة الضلالة, وهو لا يثبت شيئاً حتى ينقضه, ولا يستقر على شيء حتى يقلق عنه.
 
ثم إن الموازين القسط لا تكتمل للانسان لنسبية معاييره فهو محتاج الى أن يهتدي الى النجدين في دائرة نورين: نور الفطرة ونور الايمان «نور على نور».
 
ثم إن من تمام اسباب اطمئنان الانسان الى أن مصايرة معقودة الاواصر بحكمة خالقه سبحانه وتعالى, وانها «معقولة» في الافق الاعلى لهذه الحكمة, أن يأخذ نفسه ازاء هذه المصاير بما يسميه «ابن الجوزي» في كتابه المعروف: «صيد الخاطر» بالتكليف العقلي, في مقابل التكليف الشرعي, وهو أن ترى ما ترى مما تحسبه متناقضات فتنسبه الى حكمة الله, وما يخفيه لعباده من ذخائر ومدّخرات الصبر والتسليم.
 
ثم إن الانسان لما كان لا يعلم الا ما يعرفه عن طريق تجاربه وما يراه رأي العين أو يدركه احساسه, وكانت هذه المعرفة في حال صدقيتها وقفاً على ما يمكن له ان يتحقق منه في ما يسميه فتجنشتاين العالم أو الواقع الفعلي Actual world على حين لا يمكن التحقق فيما وراء هذا الواقع أو فيما يسميه External World أو العالم الخارجي الذي لا يمكن للعقل الوضعي درك ابعاده, فإن ما يقوله بعضهم من قياس الغائب على الشاهد هو قفزة في الوهم الواهم. كما أن قياس الشاهد على الغائب في قضايا الايمان لون من المغالطة لأن الله سبحانه «ليس كمثله شيء» و»لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار».
 
لقد سبق أبو سليمان المنطقي السجستاني, كما اورد أبو حيان التوحيدي في «الامتاع والمؤانسة» أو «المقابسات» اليهودي فتجنشتاين صاحب «الرسالة المنطقية الفلسفية» التي ترجمها الدكتور عزمي اسلام ثم صاحب «الابحاث الفلسفية» التي ترجمها هو نفسه ايضاً, في ما يراه من حظر النشاط الميتافيزيقي على العقل, وذلك لقصور العقل البشري عن الاحاطة بعلم الله سبحانه أو بأفعاله وكلماته «قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا».
 
واذا كان ما سبق متعلقاً بتنزيه الله وبيان قدرته جل وعلا, فإن من مقاصده أن يغادر وعي الانسان الذي كرّمه الله وطيء آفاق المادة ومطبق ظلماتها الى حيث سعة ملك الله وسعة التصوّر الذي يمدّه به وحي الله. الذي يكون له عقلاً متراحب الآماد فوق عقله, ودليلاً هادياً مرشداً ونوراً مبينا..
 
إن تبين عظمة الله سبحانه المنطلق الى احترام كرامة الانسان. وكلا الامرين منوط بوعي ابعد آفاقاً مما ينتهي اليه العقل, وكم للعقل من نزوات, وكم لمعطياته حين لا يهتدي بوحي فاطره من جسيم العقابيل.