Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    02-Dec-2020

الفيلم الإنكليزي «العش»: ثلاثية الوهم والخسائر النفسية والتفكك الأسري

 القدس العربي-عبدالله الساورة

تدور أحداث الفيلم الإنكليزي «العش» (the nest) (إنتاج 2020/ المدة 107 دقائق) في أواسط عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وبالضبط عام 1986، يقوم ببطولته الممثل جاد لو في دور (روري أوهارا) وهو وسيط استثماري بريطاني يعيش في نيويورك مع زوجته الأمريكية أليسون (كاري كون) وابنته المراهقة سام (أونا روش) وابنه الصغير بين (تشارلي شوتويل). يقرر في أحد الأيام أن ينتقل رفقة أسرته إلى إنكلترا، حيث يعتقد أنه سيكون قادرا على الاستفادة من بعض الفرص التجارية الجديدة هناك.
تبدو الزوجة أليسون حذرة وينتابها القلق والارتياب والخوف ـ لقد انتقلوا عدة مرات على مدار السنوات العشر الماضية، دائما بسبب يقين روري بمستقبل مشرق ـ ومع ذلك سرعان ما تجد نفسها وعائلتها في دوامة الانتقال ومحاولة التأقلم. تجد الأسرة الحياة الجديدة صعبة في منزل مخيف في الريف الإنكليزي تحت ضغط اجتماعي واقتصادي يهدد بتدميرها من الداخل، ويبدو أن هناك شيئا ينذر بالخطر وتبدأ التشققات في الظهور داخل عائلة أوهارا.
يبدأ الفيلم بلقطة طويلة لمنزل واسع في الضواحي، مع سيارتين متوقفتين أمام باب المنزل. يعيش الزوج الحلم الأمريكي الذي حقق من خلاله مستوى من النجاح الاقتصادي والعاطفي، الذي يسمح لعائلته بالعيش بشكل مريح أكثر من الغالبية العظمى من الأمريكيين، لكن هذا لا يكفي، فرجل العائلة يريد المزيد من المال، ومن الانغماس في الماديات في مجتمع رأسمالي متوحش.
يشترك فيلم «العش» وفيلم « The Shining» (التوهج) للمخرج ستانلي كوبريك بالمشاهد الخادعة نفسها، السكينة والهدوء التي سرعان ما تنقلب مع توالي المشاهد بين الفيلمين. فيلم «التوهج» يتناول قصة رجل سافر مع زوجته وابنه للعناية بفندق مهجور في شهور الشتاء، ليهبط ببطء في هاوية الجنون. لا يأخذ الأب الشاب والمهووس «جود لو» في فيلم «العش» مقود الأسرة بنوع من الصرامة بشكل متقن، بل ينقل الرعب إلى عتبات المنزل، ويعمل على تفكيك العائلة، تتبع ذلك مشاهد الانتقال إلى المسكن الجديد بأمتعة يطالها الموت.
بعد تسع سنوات من فيلم «Martha Marcy May Marlene» (2011) يعود المخرج سين دوركين إلى السينما بالقلق ذاته والغموض ذاته، وبفيلم يحمل الكثير من التحديات، ويمكن القول إنه أكثر إنجازا على المستوى الفني، على الرغم من أن نهايته ليست نهاية تقليدية. تكمن نقط المقارنة بين «The Nest» وفيلم «The Shining» في الخسائر النفسية التي يلحقها الأب الأناني بعائلته، بمعنى من المعاني.. أي أن له قواسم مشتركة أكثر عن الأنا الذكورية المدمرة، التي يتم سردها جزئيا، على الأقل من وجهة نظر أنثوية. قد يكون روري هو الشخصية الأولى التي نلتقي بها، لكن الفيلم يفضل في نهاية المطاف أليسون (كاري كون) الزوجة المسؤولة، ذات الملاحظات الدقيقة، التي تتغير نفسيتها بتغير المكان وبتغير مكان إقامتها في منزل فخم في إحدى الضواحي في لندن. يوحي منظر المنزل بالهدوء والانسياب، وبالخوف جراء الفراع العاطفي المتباعد بين الشخصيات رغم لحمة الأسرة الواحدة.
بعد ما لا يقل عن عقد من العيش في الولايات المتحدة، يقرر روري المولود في إنكلترا التخطيط لاقتلاع جذور أليسون وطفليهما، الابن (تشارلي شوتويل) وابنته سام (أونا روش) من أجل متابعة «فرصة الثراء» مرة أخرى في لندن. وعلى الرغم من أنها تحب زوجها بصدق، إلا أن أليسون لها ما يبرر قلقها عندما تخبر والدتها أن «هناك شيئا ما ليس على ما يرام». تجيبها والدتها: «ليس من وظيفتك أن تقلقي». «اتركي هذا لزوجك». إنه قول مؤثر ويعكس الاتجاهات السائدة في تلك الفترة لعش الزوجية. أمضى الزوج بعض الوقت في التنقل بين كل من إنكلترا والولايات المتحدة. كما أن السياق التاريخي للفيلم منتصف الثمانينيات لم يكن الطلاق شائعا بشكل كبير، وكانت النساء يكرمن أزواجهن بأكثر من اتجاه ومنحى.
 
يخلق الفيلم القلق الذي نشعر به، لكن لا يمكننا عزله، وذلك بطرح السؤال هل المنزل مسكون؟ أم هي الشخصيات مسكونة بالوهم؟
 
للمنزل الريفي في ضواحي لندن تكلفته المادية والنفسية الباهظة.. استأجره الزوج بأكثر مما يستطيع تحمله، ويزداد قلق أليسون عندما ترى المكان، في حين أن الطفلين (غافلين عن الشؤون المالية للأسرة) يخافان من المنزل نفسه، الذي يمكن أن يكون مسكونا. حتى الحصان لم يتمكن من التأقلم، فيعلو صهيله ويزداد عصيانه.. حصان أليسون يترنح وعنفه يتنامي بعد انتقال الأسرة إلى المنزل الجديد، ويخلف موته ندوبا دائمة في نفسية أليسون، وفي الأسرة بكاملها. الطفل تنتابه نوبات من الخوف… الابنة تدمن معاقرة المخدرات والرقص، والأم تبدو في حالة من الجنون، بعد موت الحصان كأن الحصان هنا هو رب الأسرة. يعمل روري في مجال التمويل والحسابات المعقدة، المخاطرة والمكافأة هي تخصصه، لكنه في هذه الحالة يراهن براحة أسرته وسعادتها. يقول «لقد كانت طفولتي تعيسة وأنا أستحق ذلك!» فهو يسعى لمزيد من تحصيل الثروة، بدون أن يدري أنه يقود العائلة بكاملها إلى حافة الدمار. ثم يحاول زيارة والدته التي لم يرها منذ سنوات ويكشف الكثير عن دوافعه، يريد روري من والدته أن ترى منزله الجديد وأن تقابل «الفتاة الأمريكية الشقراء الجميلة» التي تزوجها وأن تُظهر لابنه العاطفة التي حرم منها (يتجاهل بشكل ملائم ذكر اسم سام، التي ليست ابنته البيولوجية والتي يرسلها إلى مدرسة ثانوية بينما كان يدفع لولده «بين « لحضور أفضل في أكاديمية خاصة له). في المقابل تسود نغمة صامتة وغامضة في الفيلم تنطلق مع البداية حتى نهايته وتنمو وتمنعه ​​من التواصل بشكل كامل مع جماهير واسعة.
لم تتخيل أليسون أبدا أن هويتها الخاصة المحاطة بالحيطة والحذر، لن تتغلب على ما يسمى بـ«حالة القلق» عندما تزوجت من روري، لكن يبدو أن حالته غير قابلة للشفاء: كلما حاول الزوج أن يثبت نفسه للآخرين، يصبح أكثر خطورة على نفسه وعلى عائلته (هناك سبب وجيه لإخفاء أليسون أموالها عن زوجها) وبالاستفادة من الجانب المظلم من جاذبيته الخاصة. دور الممثل جود لاو رائع، على الرغم من أن المشاهد التي يستخدمها المخرج له لإضفاء نوع من الطابع الدرامي على دوامة الزوج ستدفع معظم الناس إلى الملل والضجر.
في فيلم المخرج السابق مارثا ميرسي، دراما مشحونة بالقلق بشكل رائع حول طائفة خطيرة، لكن المخرج يتابع تشرذم وحدة عائلية تعاني من الوهم في فيلم «العش». من المثير للاهتمام مع ذلك أن المخرج لم يحدد أبدا ما يزعج عائلة الزوج، وبدلا من ذلك يقدم أدلة مختلفة تتعلق بمصدر الخلاف. ربما يكون ذلك لأن روري لديه أحلام كبيرة، لكن القليل من الانضباط. ربما يرجع ذلك إلى أن أليسون لا تحترم زوجها تماما، أو لأنه كما اقترح في وقت ما أن المنزل مخيف للأطفال حقا، وذلك باستخدام التكبير البطيء والتصغير لبعض المشاهد، بالإضافة إلى اللقطات الطويلة الثابتة التي تثير الفزع. يخلق الفيلم القلق الذي نشعر به، لكن لا يمكننا عزله، وذلك بطرح السؤال هل المنزل مسكون؟ أم هي الشخصيات مسكونة بالوهم؟
يقدم العمل نقدا مبطنا للمجتمعات الرأسمالية، والجشع المادي. هذا ينطبق بشكل خاص على الزوج روري، الذي يرمز في الفيلم، للتسلق الاجتماعي الطموح وتتمثل صفته الوحيدة في أنه يريد أن يكون ثريا وأبا وزوجا، لكن لا يمكننا الوثوق به، في أداء رائع للمثل «جود لو». يبدو الزوج مثيرا للشفقة بينما الزوجة أليسون امرأة تدافع عن نفسها، وتحاول الحفاظ على وحدة الأسرة وعلى نفسها، مع بعض السيطرة على حياتها، بينما يؤكد زوجها سلطته على جميع قرارات الأسرة. فغضب أليسون المتزايد بسبب ضغط الظروف هو الأقرب لتوفير صمام إطلاق لهذه الدراما المقيدة والغامضة. تنتهي مخططات روري المالية، بدون نجاح وينمو التوتر فقط داخل العائلة، وكذلك الشعور بأن شيئا فظيعا حقا يمكن أن يحدث في أي لحظة. لا يتعلق الأمر بتجنب المفسدين ولا بالمؤامرة، بقدر ما يقدم الفيلم دراسة لخطوط التصدع غير المرئية في عائلة معرضة للخطر، بسبب تغير مشهد الانتقال. قد يشعر البعض أن الفيلم ينتهي بشكل مفاجئ للغاية، مع ترك الكثير من الأسئلة المعلقة بدون إجابة، وهم مجتمعون على الطاولة، لكن الحقيقة أن الإجابات المتولدة من المشهد الأخير والمصاحبة للكثير من الرعب والقلق في إدراك أن الرباط الأسري ربما انكسر بشكل دائم.
 
٭ كاتب من المغرب