الغد - منى أبو صبح - "لقاء يثلج الصدر" كلمات نطق بها شريف جبر (46 عاما)، عندما جمعته الصدفة بصديقه في أحد المحلات التجارية، بعد افتراق طويل، بسبب ظرف كل منهما. فهو يصف تلك اللحظة بالقول "تمعّن كل منا في الآخر، ورغم تقدم السن استطعت معرفته، وهو كذلك، وفي آن واحد صرخ كل منا باسم الثاني، وتعانقنا، وإذا بكل من حولنا يلتفت ليتابع المشهد".
ويضيف، "إنه لقاء غير عادي، لا أستطيع وصفه. لم يكن مجرد صديق، بل كان أخا تجمعني به أجمل الذكريات والمغامرات التي تسابقنا باستذكارها، وكأننا نخشى أن تسرق منا الحياة هذه اللحظات".
ما أجمل لقاء الأصدقاء والزملاء بعد طول الغياب. إنها لحظة ترسم أحداثها في لوحة ربيع العمر، تفرح القلوب، لحظة فيها من الوفاء ما يروي الأحاسيس. تتناثر فيها أجمل الكلمات، وأرق التراحيب، واستعادة الذكريات، سواء أيام المدرسة، أو الجامعة. فلا شك أن هذا اللقاء يبعث في القلوب ضياءها، ويرسم البسمة على الشفاه.
ويشير استشاري الاجتماع الأسري، مفيد سرحان، إلى أن الإنسان بطبعه بحاجة إلى العلاقة مع الآخرين. ومن أشكال العلاقات الصداقات، وتكوين الصداقة مطلوب، ومُهمّ في جميع المراحل العمرية، وفي جميع المستويات الاجتماعية، وكلمة "الصداقة" في الأصل مأخوذة من الصدق، والصدق صفة محمودة ومطلوبة، والصداقة هي عبارة عن علاقة صادقة بين شخصين أو أكثر، يريد كل منهما الخير والفائدة للآخر. فهما يتبادلان -أو يتبادلون- المشاعر، ويرتاح بعضهم للبعض الآخر. والصديق ملاذ وملجأ لصديقه، وقد تكون علاقة الصداقة أعمق من علاقة القرابة.
تصف الموظفة سوسن كمال (32 عاما) فرحة اللقاء بعد غياب، بالقول "للقاء بعد طول الغياب طعم مختلف عن أي لقاء، تصاحبه نشوة حقيقية صادقة، تعيد للقلب حياته وفرحه، فيشعر الإنسان كأنه ولد من جديد، ويصبح ليوم اللقاء طعم مختلف، وتصبح الحياة أجمل في نظرنا".
وتذكر سوسن عندما كان لديها ثلاث صديقات مقربات جدا أثناء المرحلة الدراسية، وشاء القدر أن لا يجتمعن بذات الجامعة كما كن يخططن.
وتقول "بعد مرور ما يقارب من 15 عاما على آخر لقاء بيننا، جمعتنا صدفة الأيام، والتقيت واحدة منهن، واكتملت فرحة اللقاء عندما هاتفت صديقتنا الثالثة، وحضرت لتروي كل منا ما حدث معها طيلة السنين الماضية، وفوجئنا بالقصص والأحداث التي مرت علينا".
كل هذا جعلها سعيدة، حتى إن زوجها وأولادها أحسوا بذلك، فكانت فرحتها مليئة بذكريات جميلة كما أن صديقاتها ما يزلن على حالهن، بسيطات، طموحات، يكثرن من المزاح والضحك.
بعناق حار، وفي لحظات مؤثرة، ووسط أجواء تسودها الألفة، التقى صديقان فرقت بينهما الأقدار لعشرين عاما. أحد هذين الصديقين هو الأربعيني المهندس مروان الزيود الذي اضطرته ظروف الحياة للعمل خارج المملكة. وبغربته هذه ابتعد عن أعز الأحباب والأصدقاء، حسب قوله.
يقول "لم ألتقِ بصديقي منذ تخرجنا في الجامعة، وقد انشغلت بعملي في الخارج، وبأعباء الحياة المختلفة. وفي الوقت الذي قررت فيه العودة والاستقرار في بلدي من جديد، بدأت في البحث عن الأصدقاء وخصوصا صديقي العزيز مراد، وعلمت بمكان عمله، فقررت أن أفاجئه هناك. ويضيف "طرقت الباب، ودعاني للدخول إلى مكتبه، ولم يتعرف عليّ للوهلة الأولى. سلمت عليه، لكن بعد تحديقه الطويل، قمت بإخباره بمَن أكون، فقام مرحّبا وهو لا يكاد يصدق عينيه، ثم عانقني، وحلقنا في عالم الذكريات الجميل".
أما نوال سالم (28 عاما) فكان لمواقع التواصل الاجتماعي فضل كبير في وصولها لإحدى صديقاتها المقربات لها منذ الطفولة. تقول "لا يمكنني وصف لحظة لقائنا. كانت لحظات جميلة وإحساسا رائعا وشعورا بالفرح، وبكت العين من حرارة اللقاء، وأشرق الوجه بعد الغياب".
وتضيف "رغم أن صداقات الطفولة تختلف كثيرا عن صداقات الكبر إلا أن الشوق لتلك الأيام، والبراءة، والبساطة جعلت كل دقيقة وكل ساعة عشناها معا، من أجمل الدقائق والساعات، فتواعدت وصديقتي أن لا نفترق أبدا، وأن نجدد صداقتنا الجميلة من جديد".
ويلفت سرحان لضرورة حسن اختيار الأصدقاء، والحفاظ على الصداقة. فنجاح الإنسان في بناء الصداقات يقاس يعمق هذه الصداقات، وعمرها الزمني، أكثر مما يقاس بعدد الأصدقاء. والصداقة تعني الاختيار السليم، ولا يجوز أن تترك للصدفة، حتى تكون صداقة حقيقية.
ويؤكد أهمية التواصل بين الأصدقاء، حتى لو فرضت الظروف انقطاع الصلة إلى حيني عود التواصل بعدها في أقرب فرصة، مع عدم التنكر لسنوات الصداقة لأن ذلك من الجحود والنكران. فالوفاء للصديق صفة الرجال الصادقين.
يقول "ومن أشكال الوفاء للصديق استمرار ذكره الحسن، حتى بعد وفاته، وكذلك الوفاء. فالصداقة الحقيقية رابط قوي لا ينقطع بسهولة، ولذلك نجد الصديق في شوق إلى صديقه، يتمنى لقاءه والتواصل معه، ولهذا نرى الأصدقاء يتلهفون للحظة اللقاء بعد غياب، والتواصل المباشر هو أفضل أنواع التواصل، وأكثرها تعبيرا عن المشاعر. وهو أكثر قوة وصدقا من أشكال التواصل الأخرى، كالتواصل عبر الهاتف أو الرسالة، أو الفيسبوك".
ويختم قائلا "من أكثر الأمور تأثيرا في النفس خسارة الصديق، وهي مدعاة لمراجعة النفس، ومحاسبتها وتقويمها، لأن الصديق ينبغي ألا يفرط فيه بسهولة".