Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    26-Nov-2018

مصطلح جاهلية المجتمعات والأنظمة!!* د. رحيل محمد غرايبة
الدستور - 
 
من أخطر المصطلحات التي تحتاج إلى مراجعة في فكر الحركات الإسلامية المعاصرة مصطلح « الجاهلية « الذي تم اشتقاقه من الآية القرانية (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ? وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) حيث تطور استعمال هذا المصطلح وأصبح يقرن بالكفر والخروج عن الإسلام على صعيد الأفراد والمجتمعات والأنظمة ولذلك فإن أحد قادة الحركة الأسلامية في الأردن في مرحلة سابقة كتب كتاباً بعنوان (حكم المشاركة في الوزارة في الأنظمة الجاهلية ) وهو يقصد بكل تأكيد المشاركة في الأنظمة التي لا تحكم بما أنزل الله اشتقاقاً من قوله تعالى (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) ويأتي استخدام الأنظمة الجاهلية هنا في الكتاب معنى الكفر، ولو لم يكن يقصد الكفر لما كان الموضوع بحاجة إلى فتوى أو بحث أو اصدار كتاب.
لقد عالج المستشار حسن الهضيبي هذا المصطلح في وقت مبكر و ناقش الموضوع بطريقة علمية هادفة ورصينه بعيداً عن العاطفة والتهويش وأنصح بالرجوع إلى كتاب ( دعاة لا قضاة ) للمرشد الثاني لجماعة الاخوان المسلمين المستشار حسن الهضيبي الذي عالج من خلاله بداية بروز ظاهرة التطرف التي نبتت ابتداء في سجون عبد الناصر في الستينيات من القرن الماضي حيث ظهرت جماعة التكفير والهجرة بزعامه ( شكري مصطفى ) وأدى ذلك إلى اندلاع جدال حاد و حوار واسع داخل السجون حول إسلامية الأنظمة وكفرها.
وكان واضحاً أن مصطلح « الجاهلية « يطلق على المرحلة التي سبقت مجيء الإسلام حيث إن النبي محمد صلى الله عليه وسلم استطاع من خلال رسالة النبوة أن يبني مجتمعاً جديداً يقوم على قاعدة التوحيد والإيمان بالله وانشاء دولة جديدة ونظاماً جديدا ومجتمعاً مدنيا وحضارة ممتدة، وبناء منظومة قيمية جديدة مختلفة غيرت مسار البشرية ولكن بقيت بعض عادات الجاهلية الموروثة أحياناً لدى بعض الأفراد والتجمعات البشرية حيث كان يجري معالجتها بهدوء وحكمة وروية، ولذلك يروى أن أبا ذر قال لبلال بن رباح : (يا ابن السوداء..!! ) و لمّا سمعه الرسول صلى الله عليه وسلم غضب غضباً شديدا و قال لابي ذر لقد طف الصاع ! لقد طف الصاع ! انك امرؤ فيك جاهلية ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل...ألا لا لفضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ولا لأبيض على أسود ولا أسود على أبيض الاّ بالتقوى كلكم لآدم وآدم من تراب..) ويأتي استعمال الجاهلية في هذا الحديث في أمر من أمور الجاهلية او من بعض سماتها وليس بمعنى الكفر بكل تأكيد.
لكن بعض الكتاب والمفكرين ومنهم الشهيد سيد قطب رحمه الله وشقيقه الاستاذ محمد قطب استعملا لفظ الجاهلية بتوسع وقد صنف المرحوم محمد قطب كتابا بعنوان ( جاهلية القرن العشرين ) ووردت بعض العبارات عندهم أن البشرية أصيبت بردة شاملة عن الإسلام ؛ ردة في القيم وردة في السلوك وردة في النظم والأحكام، وهذا أوجد فهماً عند بعض الشباب المتحمس أن المجتمعات أصابتها الردة الحقيقية عن الاسلام والرجوع للجاهلية الأولى، بل ذهب بعضهم إلى استخدام مصطلح ردة المجتمعات الإسلامية ! وقد تم إثارة جدل واسع داخل صفوف الحركه الإسلامية في المرحلة السابقة في معظم الاقطار العربية والاسلامية،حول الحرج في اطلاق وصف المجتمعات العربية والإسلامية، بما يجعل فريقا من قادة الحركة الإسلامية يفتي بعدم جواز المشاركة في الحكومات الجاهلية وعدم جواز المشاركة في القضاء، وعند التوسع يقاس عليها المشاركة في الجيش والشرطة وغيرها من الأجهزة الأمنية.
يقتضي الوقوف على دلالة هذا المصطلح بطريقة علمية منضبطة، وأن المجتمعات العربية الإسلامية على امتداد الرقعة الأرضية هي مجتمعات إسلامية ليست كافرة، وأنما وقع فيها بعض الخلل وبعض الفساد وبعض الانحراف الذي يحتاج إلى اصلاح بروية وهدوء وحكمة بعيداً عن منطلق التكفير المستند إلى مصطلح الجاهلية، و أن الأمة بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ما زالت تنتمي لهذا الإسلام العظيم وما زالت تعظم قيم الإيمان، وما زالت ترفع راية التوحيد وسوف تبقى كذلك إلى يوم القيامة وقد أيس الشيطان من كفرها ولكنه ما زال يستطيع التحريش بينها.