ومثلما تضم جماعة عمان توجهات فكرية وسياسية مختلفة يجمع أصحابها الرغبة بالوصول إلى الحقيقة، من خلال الحوار، فإنها تضم كذلك كل المستويات الأكاديمية، ففيها أساتذة جامعة من حملة درجة الدكتوراة في الكثير من التخصصات، وفيها ما دون ذلك من الشهادات العلمية، وعلى المستوى الثقافي، فمن بين أعضاء الجماعة مبدعون في الكثير من مجالات الإبداع الثقافي والفكري والفني.

وعلى الصعيد المهني، فمن بين أعضاء الجماعة أساتذة جامعات وأطباء، ورجال مال وأعمال، ومصرفيون، وصناعيون، وموظفون، وحرفيون وبرلمانيون، وقانونيون، ومهندسون بالإضافة إلى الإعلاميين وصناع الكلمة، ومن كل مناطق الوطن وفئاته الاجتماعية مسلمين ومسيحيين، هؤلاء جميعاً توافقوا على إصدار وثيقة التماسك الاجتماعي التي أقرتها الجماعة بعد نقاشها نقاشاً مستفيضاً، مما يعني أن الوثيقة تعبر عن كل مكونات الشعب الأردني الإجتماعية والعلمية والفكرية والمهنية..الخ، وهذه ميزه تنفرد بها وثيقة التماسك الاجتماعي.

ميزة ثانية تمتاز بها وثيقة التماسك الاجتماعي هي أنها جاءت متكاملة في موضوعها، أعني به التقاليد والعادات الإجتماعية، حيث كانت تقتصر كل الوثائق التي صدرت سابقاً حول العادات والتقاليد والسلوك الاجتماعي على قضية أو أثنتين من قضايانا الإجتماعية، غير أن وثيقة جماعة عمان لحوارات المستقبل الخاصة بالتماسك الإجتماعي جاءت أشمل وأعم، حيث عالجت حزمة متكاملة من تقاليدنا وعاداتنا الإجتماعية في أفراحها وأتراحها، وفي ما يتعلق منها بالطعام واللباس والأثاث والمباني والأسواق، وبناء الذوق العام والسلوك المتعلق بذلك كله، وما أصابه من اختلالات أخرجت الكثير من عاداتنا وتقاليدنا عن مسارها العام وأهدافها الأصلية.

غير تكاملها من حيث الموضوع، فإن وثيقة التماسك الإجتماعي جاءت متكاملة من حيث انها تطرح لكل أبناء الوطن وبناته، ولكل فئاته الإجتماعية دون ان تختص بمدينة أو محافظة بعينها وهذا التكامل ميزة ثالثة للوثيقة كما أسلفت.

ميزة رابعة من المزايا التي توفرت لوثيقة التماسك الاجتماعي، هي أنها لم تتوقف عند حدود وصف

المشكلات، بل ذهبت إلى اقتراح الحلول، فعلى صعيد حل مشكلتي الطلاق والعنوسة اقترحت الجماعة قيام صندوق وطني للتشجيع على الزواج، مع الحث على تقديم تسهيلات للمستثمرين في هذا القطاع، كما دعت الوثيقة إلى تدريب الشباب على الزواج، بالإضافة الى حلول مقترحة أخرى، كما حثت الوثيقة على منع اطلاق الأعيرة والألعاب النارية في الأعراس وسائر المناسبات، كذلك منع المواكب التي تغلق الطرق وتخلق إختناقات مرورية، بالإضافة إلى مقترحات لحلول مشكلات المآتم وغيرها من التقاليد والعادات الإجتماعية، مما سنتعرض له في مقالات لاحقة.

ميزة خامسة إجتمعت لوثيقة التماسك الاجتماعي، هي مساهمتها في تعزيز دولة القانون من خلال حثها للمسؤولين والمواطنين معاً على التقيد بنصوص القوانين والتشريعات النافذة، واحترام هذه التشريعات بالإضافة إلى دعوتها إلى تعديل بعض التشريعات النافذة، لتتواءم مع التطور الذي يعيشه مجتمعنا لترسيخ مفهوم دولة القانون في هذا المجتمع، بخاصة من خلال محاربة الواسطة وهي قضية ركزت عليها وثيقة التماسك الإجتماعي كثيراً.

ميزة أخرى ومهمة توفرت للوثيقة هي أنها رسمت خريطة طريق للتغير الإجتماعي الإيجابي في المجتمع الأردني، من خلال دعوتها إلى المساهمة في تعزيز العمل اليدوي والمهني عبر تغيير النظرة لأسس الزواج في مجتمعنا، بحيث تعطي أولوية للمهني في الإستجابة لطلبة عند خطوبته لمن يرغب بالزواج منها، بخلاف ما كان سائداً في مجتمعنا بخاصة في الثلث الأخير من القرن الماضي، من نظرة دونية متخلفة للعمل اليدوي والمهني، وفي هذا المجال لابد من الإشارة إلى أن الوثيقة تسهم كذلك في تعزيز دور المرأة الأردنية، من خلال جعلها شريكا أساسيا في تأسيس الأسرة ابتداء من حريتها في اختيار شريك حياتها، مرورًا بكل مجالات الحياة، وكل هذا يعبر عن هدف التغيير الإيجابي الذي تسعى جماعة عمان لحوارات المستقبل إلى إحداثه في المجتمع الأردني من خلال بناء الوعي الذي تمثل وثيقة التماسك الإجتماعي بمزاياها الكثيرة احدى أدواته.