Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-May-2020

‏بين البوذية والرأسمالية..!*د. زيد حمزة

 الراي

أعترف بدايةً أن هذا العنوان غريب إذ ما الذي يجمع البوذية بالرأسمالية في أي مقارنة أو مقاربة فالأولى ديانة واسعة الانتشار خرجت من شرق آسيا ‏قبل المسيحية والثانية نظام اقتصادي نشأ في أوروبا في العصر الصناعي و ‏تبلور كنظرية ‏ ذات أركان قوية بفضل آدم سميث في القرن الثامن عشر وتميز بإطلاق عنان القطاع الخاص لتحقيق الازدهار حتى لو تم على حساب القطاع العام عماد اي دولة وملاذ الاكثرية الساحقة من مواطنيها وبالتالي حرمانهم من نصيبهم في الانتاج وتركهم يقتاتون بالفتات ويعيشون على هامش الحياة عبيداً للمستثمرين ،او حتى لو تم كذلك بالاحتلال الاستعماري للبلاد الاخرى وقهر شعوبها حد الإبادة ،الى ان ذاق العالم مرارة الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي وخرج الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز بنظريته محاولاً تجنب الأسوأ مستقبلاً بالتخفيف من غلواء اقتصاد السوق عن طريق المحافظة على بعض العدالة الاجتماعية في التأمين الصحي والضمان الاجتماعي والتعليم العام المجاني لغالبية الناس، لكن الكينزية واجهت مقاومة شديدة خاصة في الولايات المتحدة التي اعتبرتها أشد خطراً من الشيوعية ‏بكونها إعتداءً على قدسية السوق ونظامه الذي يقترب عندها من منزلة الدين والعقيدة! حتى خرج علينا في سبعينات القرن الماضي من جامعة شيكاغو أستاذ الاقتصاد ميلتون فريدمان عراب الليبرالية الجديدة الاشد ضراوةً وعدواناً!
 
اما البوذية فهي ديانة متعددة الآلهة تبشر بالجنة على الارض لا في السماء! وقد بحث نبيُّها بوذا (Siddhartha Guatama )في رحلته الشاقة المتقشفة في طول البلاد وعرضها على مدى ست سنوات عن السعادة المطلقة فوجدها في النيرڤانا التي تعني لغوياً إطفاء النيران المشتعلة في النفس البشرية من الغيرة والحسد والطمع والجشع واشتهاء التملك والاستحواذ والتسلط على الغير ليحل محل ذلك السلام النفسي والسكينة المتماهية مع مشاعر الآخرين ،ولقد تباين فهم الناس للنيرڤانا وتفسيرهم لها إذ كيف يمكن ان تكون السعادة مستقلة عن الثروة والغنى والجاه العريض والمناصب الرفيعة والعيش في القصور والاستمتاع بالملذات الجسدية والمادية ؟!وهي مفاهيم تتبناها الرأسمالية التي يعتبرها دهاقنتها المرحلة النهائية والمثالية في تطور المجتمعات البشرية !
 
وبعد...ففي زمان كورونا حيث التأمل متاحٌ بوفرة أطرح سؤالاً بسيطاً مستوحىً من آخر خمسمائة سنة في تاريخ الانسان عَلى الكرة الارضيّة البالغ مليارات السنين فقد كان عدد السكان عام ١٥٠٠ للميلاد حوالي خمسمائة مليون نسمة واصبح الآن اكثر من سبعة مليارات أي 14 ضعفاً وإرتفع إنتاج العالم 24 مرة واستهلاك الطاقة 115 مرة فأين ذهب الفرق الهائل ‏في هذا الازدهار؟ هل شبع الفقراء حول العالم واكتسى العراة واطمأن القلقون على مصائرهم أم زاد رفاه الأغنياء فقط وليس بالضرورة انهم قد حققوا السعادة بصدق ؟!.. وهل الجواب كامن في المقارنة بين اخلاق السوق...وقيم النيرڤانا ؟!