Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-May-2017

صراع المدرستين - د. محمد المجالي
 
الغد- ليس هناك أضرّ على الأمة من الاختلاف، خصوصا الاختلاف العقدي الذي يقسمها ويشتت ولاءها ويفتك بجهودها، ويجعل بأسها بينها شديدا، وربما يقود هذا إلى تعصب مقيت يتم من خلاله الفرز إيمانيا، فيُبدِّع كل فريق الآخر، وربما يكفِّره ويخرجه من الملة.
ينشغل هؤلاء بمسائل جانبية على حساب أصول وقضايا مصيرية، فالأصل أن يُعْبَد الله ويُوَحَّد، وتعَظَّم شعائره، وبعد ذلك فهي فروع يجوز فيها تعدد الرأي والفهم، بما فيها فرعيات العقيدة إذ ليست كلها أصولا، ولنأخذ العبرة من ماض انقسمت فيه الأمة فِرقا، واليوم بفضل الله ذهب معظمها.
حين ينشغل الناس والعلماء بقضايا جانبية على حساب قضايا جوهرية رئيسة، فهي الطامة الكبرى الدالة على الجهل ولو كانت صفة هؤلاء أنهم علماء، فالعالِم الحق نظرته أدق، وصدره أوسع، وأفقه أشمل، ورسالته رحمة، لا يسمح لنفسه أن يقاد إلى معارك جانبية، وجدل مقيت، وتعصب أعمى لا يدري من خلاله ما هي الحقيقة.
هناك خلاف تاريخي بين المسلمين أسبابه كثيرة، ويهمني هنا ما هو في إطار أهل السنة، حول فهم آيات الصفات وأحاديث الصفات، التي تصف الله تعالى بصفات تشبه صفات المخلوقين، كاليد والعين والساق والمجيء والنزول والاستواء والقدم وغيرها، كيف نفهمها بلا تجسيم ولا تخيّل ولا تشبيه، والأمر لو تُرك كما هو لما اختلفت فيه الأفهام، فالأصل تعظيم الله تعالى وتنزيهه من خلال آية التنزيه "ليس كمثله شيء"، وهو الخالق وحده ولا يمكن أن يكون بعضه مخلوقا، فلو بقي الأمر بهذه الصورة وهذا التعظيم لما وقعنا في الاختلاف، لكن شاء الله سبحانه أن تختلف الأفهام، ولا نشكك في النوايا فكل فريق يريد توحيد الله تعالى، ولكن وفق رؤيته، والمصيبة حلت حين أراد كل فريق أن يُلزِم الآخر بفهمه، وأن يتهمه فيما ذهب إليه.
لن أتحدث عن الفرق كلها، فغالبها اندثر، وإن كانت أفكارهم يمارسها بعض المسلمين عن قصد وغير قصد، وربما يرددون بعض أقوالهم وهم لا يدرون أنها ترجع إلى فرق المعتزلة أو الخوارج أو القدرية أو الجبرية، وربما المشبِّهة وغيرها، ولكنني أركز على مدرستَيْ أهل السنة من سلف وأشاعرة، ومع الأشاعرة الماتريدية إذ يتفقون في أهم شيء في المنهج، حيث التأويل، وهناك خلافات بينهم أوصلها بعضهم إلى اثنتي عشرة مسألة.
يؤمن السلف بما وصف الله به نفسه أو وصفه رسوله صلى الله عليه وسلم، من دون تكييف ولا تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل، معتقدين بأنه ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، فهم يثبتون هذه الصفات ويفوضون المعنى، فعقولنا أبسط من أن تدرك كنهه تعالى، ونعرفه سبحانه من خلال ما عرّف به نفسه من خلال أسمائه وصفاته، وننشغل بما هو أهم من التنظير، فحين نعتقد أنه لا بد من وجود خالق، وهذا الخالق ينبغي أن يكون وحيدا غير محتاج لغيره، وهنا العظمة المستدعية لعبادة هذا الخالق وحده، ولا نبحث فيما سوى ذلك، فقد اقتضت حكمته تعالى أن لا يُرى في الدنيا، ولا يقدح هذا في وجوده سبحانه، فدلائل قدرته ووجوده وعظمته محسوسة، والتصديق بكل ما أخبر به سبحانه مطلوب وضروري، لينشغل الإنسان بما هو مهم، ويترك الجدل والتنظير، وينطلق في إعمار هذه الأرض، وأداء واجب العبادة بمفهومها الواسع.
ويذهب الخلف إلى تأويل هذه الصفات، على أن ظاهر معناها يجلب شيئا من التخيل والتجسيم لذات الله تعالى، ولما كانت اللغة العربية تتسع لمعان أخرى لهذه الأوصاف، فلم لا تكون هي المعنى؟ فهناك في اللغة مجاز وكناية، ولبعض كلمات العربية أكثر من معنى، فهناك الظاهر والمؤوَّل إضافة إلى النص الذي لا يحتمل إلا معنى واحدا واضحا، ومن هنا فالعرب تطلق كلمة اليد وتريد بها أحيانا القوة والنعمة، والعين لتدل على الرعاية، والساق لتدل على الجد والشدة، وهكذا في بقية الصفات، فما الذي يمنع أن تكون هي المرادة واللغة العربية التي هي لغة القرآن تستوعبها!؟
هنا ينكر السلف عليهم هذا بحجة أنْ لا داعي لاستحضار معان جديدة، ونكتفي بما وصف الله به نفسه أو وصفه رسوله، فيرد الخلف بأن مثل هذا قد يكون مدعاة إلى الوقوع في التجسيم، وبقي الأمر أقوالا باحترام، إلى أن وقع التعصب، وأقصى كل فريق الآخر، إذ نجد في كتب بعضهم من المعاصرين ذكر مذهب أهل السنة، ثم يذكر مذهب السلف مثلا، أو الأشاعرة، على أنهم من غير أهل السنة.
ما الذي يضير في أن يكون الفهمان لأهل السنة؟ والمسألة فيها سعة، فكما أن الاجتهاد وما ينتج عنه مشروع، فلم لا نعد مثل هذه المسائل من فرعيات العقيدة لا من أصولها، فالأصل الإيمان بالله تعالى، واحدا وخالقا ومقصودا بالعبادة، ونتجه إلى واجبنا العبادي والشرعي عموما، إضافة إلى إعمار الأرض والدعوة إلى الله تعالى ونشر العدل في الأرض؟!
ألا نعلم أن علماء الأمة عبر التاريخ هم من المدرستين؟ وأن تعصبي لرأي سيقودني إلى إلغاء الرأي الآخر وعلمائه وأتباعه!؟ لِمَ لا أتعامل مع هذين الرأيين تماما كما هو التعامل اليوم مع المذاهب الفقهية، آخذ من هذا ومن ذاك، فكلها مدارس واجتهادات، وسعة ورحمة، يقبلها النص القرآني، ويقبل اختلاف التنوّع في فهمها وإثراء معانيها!؟
كان غالب علمائنا في الماضي يحترم بعضهم بعضا، فالمفسر يذكر الرأيين، وكذا المحدِّث والأصولي، فنجد كثيرا منهم يذكر المدرستين بلا تعصب ولا إقصاء للرأي الآخر، وهذا ما نريده في عصر تراجع فيه المسلمون، وهم لقمة سائغة لأعدائهم، حين بثوا الشبهات وأغروا بالشهوات وأوغلوا الصدور بالعصبية العرقية والمذهبية، بل احتلوا ديارنا وأصابوا إرادتنا بالشلل في هذه التبعية التي أخضعونا لها، ونرى تطور الأمور إلى ما نشهده من احتلال ودمار وقتل وفرقة، ومع ذلك يصر جهلة الفريقين على إحياء هذه الخلافات التي يمكن أن نتجاوزها بكل بساطة، حين نعدها كلها من أهل السنة، ونتجه إلى ما يجمّعنا ويقوي من عقيدتنا وينير فكرنا.