الراي - سهير بشناق - ليس من قدرة الاسر ان تراقب اطفالها على مدار الساعة خاصة الأمهات اللواتي ليس هناك من يساعدهن في شؤون البيت فالاطفال يلعبون وقد يتعرضون للسقوط او حوادث اخرى وهي قد تحدث وان كانت الامهات يراقبن اطفالهن .
وهذا الواقع الذي لا بد ان يكون قد اثبت نفسه في كثير من الاسر التي مرت بمثل هذه المواقف ولكنه لا يلغي اهمية الابقاء على الرقابة الاسرية قائمة خاصة في عمر معين للأبناء والبنات فالصغار منهم يحتاجون لهذه الرقابة كون وعيهم الادراكي لم يتشكل بعد ولا يستطيعون التمييز بين ما يشكل خطرا على حياتهم والكبار منهم بمرحلة المراهقة يحتاجون لنوع مختلف من الرقابة التي لا تتناقض مع الحرية المسؤولة .
وقد اعادت حادثة الطفل الذي قام بخنق شقيقته البالغة من العمر عاما واحدا في محافظة جرش اول امس اثناء لعبهم، مسلسل حوادث الاطفال التي تبدا من تناول مواد سامة موجودة بالمنزل الى محاولاتهم بتقليد شخصيات يتابعونها في التلفاز فيؤدي هذا التقليد الطفولى الى موتهم ، باللعب الخطر كما حدث مع الطفل وشقيقته .
الطفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات اي انه لا يستطيع التمييز بين اللعب الامن والخطر فقام بلف حبل على عنق شقيقته مما ادى الى اختناقها ، فوجود اطفال بمثل هذا العمر بالاسرة يتطلب رقابتهم بين فترة واخرى حتى اثناء لعبهم للتاكد بماذا يلعبون وكيف يلعبون .
الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي والخبير في مجال حماية الاطفال من العنف لدى مؤسسات الامم المتحدة قال ان الإهمال هو أحد أشكال الإساءة للأطفال الأكثر شيوعاً، والتي ينتج عنها حوادث يتعرض لها الطفل بسبب غياب المراقبة الوالدية وقد يفضي إلى الوفاة في العديد من الحالات، كما حدث مع الطفلة الرضيعه التي توفت خنقا من قبل شقيقها البالغ من العمر 3سنوات أثناء تواجدهما لوحدهما بدون رقابة من بالغين.
واضاف : ان الدراسات العلمية اثبتت أن أشكال الإهمال الشائعة تتراوح بين عدم توفير الطعام والكساء إلى ترك الأطفال لوحدهم بالمنزل أو في الأماكن العامة، إلى عدم توفير التعليم أو الرعاية الصحية لهم. فموت رضيع اختناقا أثناء عبث شقيقه معه بدون رقابة لا يمكن التجاوز والتساهل باعتباره قضاءً وقدراً، فهذا الحدث يقع في صَميم التعريف العلمي لإهمال الأطفال القاتل.
واشار الى انه في مثل هذه الحوادث فانه لن يكون هناك عقاب على الطفل مرتكب الفعل وقد أوضح القانون الأردني ذلك، فقد نصت المادة 94 من قانون العقوبات «لا يلاحق جزائياً كل من لم يتم التاسعة من عمره»، والمادة 36 من قانون الأحداث «لا يلاحق جزائياً من لم يتم السابعة من عمره».
والتعاطف الوجداني مع والدي الرضيع لفقدانه في مثل هكذا ظروف هو أمر واجب ويستلزم دعماً من قبل المهنيين في قطاعات مختلفة، إلا أنه لا يجب أن يحجب كون ما حدث هو جريمة إهمال جنائية عاقب عليها قانون العقوبات الأردني بنص صريح وواضح بالمادة 289 والتي تنص على «كل من ترك قاصراً لم يكمل الخامسة عشرة من عمره دون سبب مشروع او معقول ويؤدي الى تعريض حياته للخطر، او على وجه يحتمل ان يسبب ضررا مستديماً لصحته يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة. وتكون العقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات إذا كان القاصر لم يكمل الثانية عشرة من عمره، كما ونصت المادة 343 من نفس القانون على أن «من سبب موت أحد عن إهمال او قلة احتراز او عن عدم مراعاة القوانين والأنظمة عوقب بالحبس من ستة أشهر الى ثلاث سنوات».
واكد جهشان ان تراخي الدولة في عقاب مرتكبي الإهمال بالأطفال، يشكل شكلاً من أشكال الإفلات من العقاب، وانتهاكا لحق الطفل بالحياة كما نصت عليه الاتفاقيات الدولية، كما أن القانون الأردني لم يفرق بين أهمية حياة الطفل الرضيع، وحياة البالغ فقد نصت المادة 30 من القانون المدني الأردني «تبدأ شخصية الانسان بتمام ولادته حيا» مشيرا الى ان المراجع المعرفية تشير الى أنه من الممكن الوقاية من وفيات الأطفال الناتجة عن الإهمال، فهذه تتجاوز المسؤولية المباشرة للوالدين أو راعي الطفل إلى مسؤولية المجتمع ومسؤولية الدولة خاصة وإن إهمال الأطفال هو واقع وبائي منتشر في فئة كبيرة من المجتمع ينتج عنه إصابات وأمراض عديدة ويؤدي إلى إعاقات وإلى الموت، وهناك مسؤولية مباشرة على الدولة للوقاية منه كما هي مسؤولة عن الوقاية من شلل الأطفال والكزاز والإيدز، وتراخيها في ذلك يعتبر انتهاكا لحقوق الطفل بمرجعيات الاتفاقيات الدولية.
واعتبر جهشان إن إهمال الأطفال هو مشكلة شائكة مقلقة جذورها تتراوح بين المخاطر المجتمعية كالجهل والفقر والبطالة، إلى المفاهيم الاجتماعية السائدة بأن الطفل هو ملكية خاص لوالديه، كما وأن إهمال الأطفال مرتبط بعوامل خطورة فردية كالأمراض النفسية أو انهيار العلاقات الأسرية
مبينا إن إخفاق الدولة في ضبط هذه المتغيرات يشكل انتهاكا لحقوق الطفل كونها المسؤولة عن حماية الأطفال بموجب الدستور والمسؤولة عن تعزيز التغير الاجتماعي الإيجابي بموجب الاتفاقيات الدولية.
ويرى اخصائيون اجتماعيون ان مثل هذه الحوادث تترك اثرا بالغا في نفوس الاباء والامهات وقد يشعرون بتأنيب الضمير طيلة حياتهم كونهم لم يقوموا بدورهم الرقابي كما يجب .
واشاروا الى ان الاطفال بمرحلة عمرية معينة يجب ان تتم مراقبتهم سواء كانت هذه الرقابة اثناء لعبهم او في اقترابهم من مواد خطرة بالمنزل يجب ان تبقى بعيدة عن متناول ايديهم
مؤكدين ان هذه الحوادث تتكرر بين فتة واخرى كما حدث مؤخرا مع طفل اختار ان يشنق نفسه بعد ان تعرض لمواقف استهزاء من قبل زملائه بالمدرسة فلم يجد سوى الانتحار كوسيلة للتعبير عن غضبه فكانت حياته ثمن ذلك .
الاطفال باختلاف اعمارهم مسؤولية الاسرة ورقابتهم يجب ان تبقى حاضرة الا ان الاطفال الصغار وفي سنوات اعمارهم الاولى يحتاجون لمضاعفة هذه الرقابة فترك اطفال يمثل هذا العمر يلعبون بمفردهم دون تفقدهم او وجود بالغ معهم قد يقودهم الى سلوكيات خطرة في لحظة واحدة تنهي حياتهم وتترك ذكرى مؤلمة لا يمكن ان تفارق ذاكرة امهاتهم وابائهم مهما امتد العمر .