Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    21-Feb-2017

الشعوب لا تنسى مفكريها! - د. زيد حمزة
 
الراي - احتفلت مؤسسة ( روز اليوسف) الصحفية في مصر يوم 11 شباط الجاري بمرور تسعين عاماً على ميلاد الكاتب الراحل احمد بهاء الدين (1927 – 1996) وتحدث في الاحتفال لويس جريس عن الدروس التي تعلمها في صحبة بهاء، واختار الفنان حلمي التوني ان يقول إنه كان يعطي القارئ دوماً جرعة ثقافية حقيقية بلغة بسيطة خالية من التكلف، واصدرت جريدة القاهرة بهذه المناسبة ملفاً خاصاً عن حياته ضمّنته عدداً من مقالاته القديمة التي سوف تنشر في كتاب واحد بعنوان ( مقالات لها تاريخ) حرره الكاتب الكبير رشاد كامل واعطاه هذا الاسم على وزن كتاب الاستاذ بهاء ( ايام لها تاريخ) الذي صدر في خمسينات القرن الماضي، وقد كتب عنه في هذا الملف الصحفيُّ سيد محمود قائلاً إنه ضمير الكتابة العربية وإن الاحتفال التسعيني حدث فريد من الاحداث التي يؤرخ لها في مصر، ومن ناحيتي كأنني كنت بحاجة لمثل هذه المناسبة كي اكتب عنه وأنا الذي ذكرته كثيرا في مقالاتي وفي كتابيَّ ( بين الطب والسياسة) و( بين الطب والصحافة) واعترفت بتأثيره عليّ في التوجه للكتابة الصحفية منذ كنت في مصر طالبا بكلية الطب أزوره وهو يعمل في تحرير روز اليوسف ثم لما كلّفته السيدة فاطمة اليوسف صاحبة تلك الدار الصحفية الوطنية بإخراج مجلة جديدة باسم صباح الخير ولما يبلغ الثلاثين من عمره وقد نجح في مهمته نجاحاً باهراً لا أدل عليه من أنها مازالت تصدر حتى اليوم، كما كنت استفسر منه اثناء زياراتي عن نقاط كثيرة غمضت علي في كتابه الاخير عن مشروع النقطة الرابعة / الاستعمار الاميركي الجديد ولم اذكر له بالطبع أنني كنت اشرح الكتاب لرفاقي في اجتماعات تنظيم طلابي سياسي أردني انشأناه في مصر آنذاك..
 
كان ذلك قبل اكثر من ستين عاماً وكان احمد بهاء الدين احد الكتاب الاحرار الذين كنا نصفهم بالتقدميين أمثال احسان عبد القدوس وعبد الرحمن الشرقاوي وعبد الرحمن الخميسي ومحمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس ويوسف أدريس وصلاح حافظ وسعد مكاوي وخالد محمد خالد الذين شاركوا في سنواتٍ من الغليان أدت الى انفجار الثورة التي قادها جمال عبد الناصر في 23 يوليو 1952 ثم واصلوا الطريق واضطر بعضهم أحياناً لمعارضة كثير من القرارات غير الديمقراطية لمجلس قيادة الثورة وتعرضوا للقمع والسجن، لكن احمد بهاء الدين كان من القلائل الذين احتفظوا بذلك الخيط الرفيع مع عبد الناصر فلم يصل معه الى المواجهة الحادة وتقلب في مناصب صحفية هامة كان احدها رئاسة مجلس ادارة دار الهلال وقد زرته فيها عام 1961 ووصف لي هذه المؤسسة العريقة بأنها ليست داراً صحفية فحسب بل هي مصنع كبير يعج بالعمال من كل نوع وصولا لصناّع الفكر وتختلط إدارته الصعبة المعقدة بالهموم السياسية اليومية الملحّة، ومع ذلك وحسبما أعلمني آنذاك كتاب مصريون آخرون استطاع أن يرسي فيها اعرافاً ثورية لم تألفها من قبل سياستها التقليدية المحافظة.
 
لقد احدثت هزيمة حزيران 1967 جرحاً بالغ العمق في نفس بهاء أدى الى إصابة البنكرياس عنده وبدأ رحلته الصعبة مع مرض السكري كما روى لي فيما بعد وذكّرنى بحالته الصحية المضطربة عند لقائنا القصير في عمان وهو في طريق عودته الى القاهرة حيث كان في اوروبا أثناء حرب حزيران بدعوة من مؤسسات ثقافية وصحية لالقاء محاضرات عن مصر والعالم العربي، وفي أيار من عام 1971 فوجئ بي في القاهرة مدعواً لاجتماع المجلس الوطني الفلسطيني ضمن الوفد الشعبي الاردني، وقد جلسنا في غرفتي بفندق شبرد لاكثر من ساعتين تناولنا فيهما مختلف المواضيع السياسية التي كانت تشغل بال العرب بعد فاجعتهم بوفاة عبد الناصر إثر احداث ايلول 1970 في الاردن، وفي خضم ذلك اللقاء الطويل كان يدخن بشراهة لم أعهدها فيه من قبل وكان بادي الحزن والأسى على ما يجري لمصر بعد عبد الناصر وعلى الحريات الصحفية وما تعانيه في ظل القوانين القمعية التي فرضها السادات لكنه لم يعرب عن أي من هواجسه بأننا حين نحضر في اليوم التالي جلسة افتتاح المؤتمر الفلسطيني الكبير بقيادة ياسر عرفات وتحت رعاية الرئيس السادات في مبنى الجامعة العربية ستكون الدولة العميقة في مصر مستمرة في الاعداد للقيام بعد أيام قليلة بانقلاب كامل على عهد عبد الناصر وسياسته الداخلية والعربية والدولية وعلى سياسة مصر التاريخية بالنسبة للقضية الفلسطينية، ولم أستغرب فيما بعد لماذا لم يلمّح لي الصديق بهاء يومئذ بانه قد يهجر عشه ليعمل في صحافة الكويت..!
 
وبعد.. لقد بدا واضحاً للمراقبين والمتابعين منذ ثورة يناير 2011 أن مصر لم تنس الراحلين من مفكريها الاحرار فذكراهم حية باقية في ضمير شعبها الأبي..