Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Oct-2017

سـيـر ومـذكـرات - د.صالح جرار

الراي - لمعرفة التاريخ ثلاثة مصادر أساسيّة، هي كتب التاريخ والوثائق والمذكّرات، ولكّل منها أهميّته الخاصّة فيالكشف عن الأحداث والوقائع، لكنها ليست كلّها على قدْرٍ متساوٍ من المصداقيّة، فالمؤرّخون إذا كانوا

ذوي أهواء وميول سياسيّة أو حزبيّة أو مذهبيّة أو غيرها، يؤخذ عليهم أنّهم يقدّمون للقراء روايتهم
التي تتناسب مع ميولهم وانتماءاتهم، ويجتزئون من أخبار الوقائع ما يعزّز وجهات نظرهم ويتغاضون
عمّا ينقض آراءهم، وإذا كانوا معاصرين للدول التي يؤرخون لها فربما يدفعهم النفاق أو الخوف من
السلطة إلى أن يقدّموا ما يروق للسلطة فقط. كما أنّ المؤرخين لا يستطيعون الوقوف على أحداث
تفصيلية ودقيقة تصلح أن تكون شهادات على حقائق كبرى، لأنّ تلك الأحداث تقع في حدود ضيّقةٍ أو في
أماكن معزولة أو بعيداً عن العيون ولا تشتهر أخبارها.
ولهذا فإنّ للوثائق مصداقية قد تزيد على مصداقية كتب التاريخ، ما لم يكن بعضها مزوّراً.
وتبقى للمذكّرات أهميّة خاصّة ودرجة من المصداقية قد تزيد على مصداقية كتب التاريخ، لأنّها في العادة تؤرّخ لجوانب كثيراً ما يغفل
عنها المؤرّخون، وتحتفظ للأجيال القادمة بصورٍ من الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي، لكون كاتبيها شهود عيان على
ما يوردون من وقائع وأحداث ومشاركين في الأحداث وصانعين لها، ولكون بعض الأخبار التي يسوقونها تمثل خبرة شخصية لهم لا
يعرفها غيرهم، وفيها تسجيل لجهودهم وإنجازاتهم.
غير أن كتابة المذكرات يشوبه محذوران: الأوّل الخوف من أن يلمّع كاتب المذكّرات نفسه وعشيرته وأسرته وينتقص من غيره، ومثل هذا
المحذور يدركه القارئ الفطن و الناقد المتمرس، ولا سيّما عند ربطه بين ما يورده المؤلف وبين سيرته المعروفة لدى الناس.
وأمّا المحذور الثاني، فهو أن يتجنب كاتب المذكّرات التعرّض لبعض الجوانب في تجربته وبعض الأسرار التي يعرفها ولا يرغب في
إيرادها، وقد عزف كثير من أصحاب التجارب والخبرات الغنية عن كتابة مذكراتهم لهذا السبب، وقد خسر الناس كثيراً من جرّاء ذلك.
وفي رأيي أنّه ليس هناك ما يمنع من التغاضي عن بعض الجوانب والأسرار لدى كتابة السيرة الذاتية أو المذكرات، إذا كان هذا التغاضي
يمنع فتنة أو يحول دون إلحاق أذى بأحد، ولكن بشرط ألاّ يأخذ هذا التغاضي شكل قلب الحقائق أو تزويرها.
وفي هذه الحالة لا أرى بأساً في الاجتزاء على ألاّ يؤدّي الاجتزاء إلى تغيير الحقيقة على نحو «فويلٌ للمصلّين» أو «ولا تقربوا الصلاة».
ومع ذلك تبقى كتابة المذكّرات أمانةً في أعناق من لديهم حقائق وأخبار ومن كانوا شهوداً على وقائع أو أحداث، أوّلاً حتّى لا ينفرد المؤرّخ
المتعاطف مع جهةٍ أو المتحامل على جهة بإيراد الأحداث كما يراها هو، وثانياً حتّى تسجّل المذكرات بعض الزوايا التي لم تصل إليها
أقلام المؤرخين، وثالثاً حتّى يسجّل أصحاب الخبرات والإنجازات إنجازاتهم وجهودهم التي يجهلها كثير من الناس.
وإلى جانب ذلك كلّه فإنّ كتب السير والمذكّرات قد تقدّم للأجيال صوراً من النماذج الوطنية والإنسانية التي نبحث عنها عند اشتداد
حلكة الظلام