Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    15-Jun-2017

هل دخل لبنان عصر.. «النِسبِيّة»؟ - محمد خروب

 

الراي - «هيدا لبنان».. كلمتان تختصران المشهد اللبناني في كل تحولاته وازماته المتناسلة والسجالات السياسية, المحمولة على نَفَسَ طائفي ومذهبي والمترافقة على الدوام مع نكايات وتفخيخات حزبية, تُتقن الطبقة السياسية الحاكمة والمؤلفة من امراء الحرب السابقين والاقطاعيين القدامى والاثرياء المُحدثين وملوك الطوائف والمذاهب وقادة المحاور وقبضايات الزواريب، العزف على اوتارها وإرجاع اللبنانيين – في غالبيتهم – الى مربعات الطائفة والمذهَب والهويّات الضيِّقة، التي وما إن تبرُز في فضاءات لبنان من مناخات توحي بأن قوى المجتمع المدني قد استجمعت بعض قوتها ونجحت في تنظيم صفوفها وبخاصة في احتجاجاتها السابقة على تمديد مجلس النواب, او النية المتوفِرة للتمديد للمجلس الحالي المُمدِّد لنفسه اربع سنوات, كذلك في شأن «القمامة» التي ملأت شوارع بيروت وباقي المدن والبلدات اللبنانية, بعد اختلاف «الزعماء» على إحالة عطاء جمعِها او نقلِها للمطامر، ناهيك عن التجديد لشركة يملكها «ائتلاف» من شخصيات نافذة، اضافة الى انتشار الفساد والفلتان الامني وجرائم القتل التي تُرتكَب لأتفه الأسباب, نظراً لحساسيات طائفية او مذهبية فضلا عن الأزمات النفسية والمعيشية والبطالة.

 
نقول: ما إن يبرز ذلك التفاؤل باحتمال نجاح الحراك الشعبي المدني والسلمي الرامي إلى كسر قبضة الطبقة الحاكمة وفسادها, كما تابعناها في حِراكات «بدنا نحاسبكن» و»طِلعت ريحتكن» وغيرها مما أخاف (بل أرعَب) هذه الطبقة, التي ما زالت تحكم لبنان, في سِلمِه كما كانت في حروبه الطويلة، حتى يهرع السياسيون هؤلاء لـ»لفلفلة» الامور, والبحث عن مخارج غير جِدّية, عبر طرح شعارات ووعود خُلّبِية. تنتهي كالعادة بإعادة تقسيم كعكة السلطة وفقاً لموازين القوى وقوة التحالفات الخارجية, التي قد تكون لصالح هذا الحزب او ذلك التيار، لكنها تبقى في النهاية «صفقة» لا تحمل اي تغيير جذري او نوعي أو حتى مرحلي, يسمح لأيّ لبناني خارج هذه الطبقة, التي ادمنت الفساد والتدليس واحتكار التمثيل, مُستخدمة أدواتها التقليدية ولكن الفاعِلة والمُؤثِرة في المجتمع اللبناني... بالتفاؤل.
 
مناسبة الحديث هو الاتفاق/الصفقة، التي تم الإعلان عن التوصل اليه مساء الثلاثاء الماضي حول قانون انتخاب جديد، ابرز ما فيه انه دفن «القانون الأكثري» الذي تم العمل به في لبنان منذ اواسط القرن الماضي حتى الآن، وكان أبرز وأشهر تجلياته القانون المعروف باسم «قانون الستين» والدخول ولو على استحياء في «مسار» جديد, حمل اسم «القانون النِسبي»، وانه ليس شاملا لبنان كدائرة واحدة، بل قسّمَه الى(15) دائرة لاعتبارات طائفية ومذهبية وخصوصاً لاسترضاء الزعامات الطائفية الحاكِمة، كما انه لم يرقَ الى مستوى الشعارات التي كانت بعض الاحزاب والقوى السياسية قد رفعتها وراهنت عليها, بل هدّدت بان لا سبيل إلاّ الى اقرارها وإلاّ فان البلد ذاهب الى الفراغ وغيرها من المفردات والمصطلحات العنترية مما يتقن رموز الطبقة السياسية التلويح بها، استغلالاً لظروف الإقليمية الراهنة او اعتقاداً واهماً بانهم يتوفرون على قوة «مُستجدة» تسمح لهم باستخدامها، قبل انتهاء مفاعيلها او بروز جديد يجعلها من الماضي, كما كانت حال رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، صهر الجنرال عون رئيس الجمهورية الذي رفع شعار «إنصاف المسيحيين» فيما هو يحظى بدعم شعبي قوي كان بإمكانه الابتعاد عن هذا الشعار الذي قد يجذب بعض الانصار والداعمين, لكنه ينزع عنه صفة «الوطني», حيث كان بمقدوره الاستفادة من دعم الطوائف الاخرى, التي أُعجب كثيرون فيها بكاريزمية الجنرال عون وصِدقيته وقدرته على الجمع بين الدفاع عن حقوق المسيحيين «التمثيلية» وبين اخذ لبنان بطوائفه ومذاهبه,الى مربع الاصلاح والتغيير ومقاومة اسرائيل وانتهاج سياسة تُراعي مصالح لبنان, ولا ترتهن لِلعبة المحاور الإقليمية او إملاءات دول معينة, تريد توظيف نفوذها في لبنان، الذي جاء بطرق مشبوهة ومكشوفة, لصالح سياساتها الاقليمية وتحالفاتها الدولية بالضِّد من مصلحة لبنان الحقيقية.
 
الصفقة «الحزبية» التي انتجت الاتفاق على قانون انتخاب جديد يجعل من لبنان «15» دائرة ويعيد بيروت التسمية التقسيمية التي التصقت بها سنوات الحرب الأهلية (شرقية وغربية), بحاجة الى اقرار من مجلس الوزراء (انها تمت يوم امس), ليُحال الى مجلس النواب غداً الجمعة او السبت، وقبل ان تنتهي ولاية المجلس النيابي المُمْدّد له حتى الساعات الاخيرة من يوم الاثنين القريب.
 
الاعتراضات عليه كثيرة ولم تتوقف، لكن الاحزاب «الكبرى» حسمت امورها ولم يعد للمعارضين قوة للتأثير في تعديل الصفقة او تأجيلها، إلاّ اذا حدث شيء لم يكن في الحسبان، قانون الإنتخاب الجديد قد يُسهِم في إدخال لبنان الى عصر «النِسبية»، لكن احتمالات تطور الصيغة الملتبسة الراهنة مرهونة بالنتائج التي ستحصل عليها الاحزاب التي سيطرت على المشهد اللبناني, اقله منذ اتفاق الطائف اوائل تسعينيات القرن الماضي, وهي انتخابات ستجري في 6 ايار 2018 , بعد ان تم وضع شرط تعجيزي او قل لتبرير «التمديد التقني» للمجلس الحالي, وهو ان إجراء الانتخابات يجب ان يتم بعد حصول كل مقترع لبناني او لبنانية على «البطاقة المُمغنَطة» وهو شرط ادّى لاندلاع خلافات يُمكن السيطرة عليها، لكن القانون/الصفقة لم يحتوي على اي تغيير «إصلاحي» حقيقي, سواء في منح كوتا للنساء ام في تخفيض سن الاقتراع الى (18) سنة, ام في تلبية مطالب الذين نادوا بحق «العسكريين» في التصويت.
 
هيدا لبنان... ونقطة.
 
kharroub@jpf.com.jo