Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-Jun-2019

محمد العامري يحاضر حول الفن التشكيلي الفلسطيني ومقاومات المحو والنسيان

 الدستور- عمر أبو الهيجاء

ألقى التشكيلي والناقد والشاعر محمد العامري، مساء أول أمس، في رابطة الكتاب الأردنيين، محاضرة حملت عنوان: «الذاكرة ومقاومات المحو والنسيان في المنفى والداخل: التشكيل الفلسطيني نموذجا» والتي جاءت بتنظيم ما بين الرابطة ومركز «تعلم واعلم» للأبحاث والدراسات، وقدم المحاضر وأدار النقاش د. أحمد ماضي.
وأشار العامري في مستهل المحاضرة إلى أن الذاكرة في الضمير الجمعي تعدّ خزانا لأفعال تمتلك لذاذاتها الخاصة، بل هي احدى القوى الطاغية على متحققات الابداع الانساني، حيث تنسرب في حاضرنا كصنبور ماء لا غنى عنه، وهي احد السلوكيات الحاضرة (الان) بفعل الماضي كممارسة تناكف المحو والإقصاء على المستويين الفرداني والجمعي، فالذاكرة من (حكايات ومشهديات وصور تراثية واحداث جسام ومسرودات شعبية وغناء واعمال فنية وخرافات خيالية شعبية واساطير) منجم مغرٍ لاستعادة الحاضر المعيش كأحد أدوات الدفاع عن وجود الذات الجمعية، فهي جغرافيا مخيالية لا يكاد ينجو منها أحد في الكون، فقد تسطو الذاكرة البعيدة في حاضر الابداع باستمرارية فاعلة، كي تستوطن الخيال الابداعي عبر مخرجاته، دون اغفال تفلت بعضها اليسير من ربقة الماضي لتعود اليه، فهي المحفز العضوي لسيرورتها في مناحي الابداع بصور متنوعة ومتعددة. فالذاكرة جغرافيا مشخصة نسكن فيها وتسكننا ونستعيدها كل مرة من احتلالات المحو والاقصاء، لأنها في غالب الأمر يتم توارثها من جيل لجيل، لها استمراريتها وسياقها الفطري، بل تعتبر من ترف الحاضر ولذّاته، وهي الشرط القوي والديناميكي لمجريات الهوية ووجودها الآني والتاريخي بوصفها صيغة سلوكية وملمحية، لها هيأتها وقوتها المشخصة والمتخيلة في آن.
وأكد المحاضر أن اللوحة الفلسطينية التي تجري في أنساغها رائحة التراب وأصوات الجدّات وجدار البيت وهواء النوافذ ومنسوجات الثوب وترويدات الأعراس هي بمثابة شجرة لذاكرة مخضرة لا يمكن لها ان تتيبس، استمرارية  لسردية الوطن الملحمية في الداخل والشّتات من خلال اختبارات مناكِفة لما بعد الكولونيالية، تحديدا النموذج الاستيطاني الكولونيالي الصّهيوني، ورغم تواصل الارتحال الثقافي الفلسطيني الا اننا لم نزل نقبض على فلسطين في الشتات اينما حل الفلسطيني او إرتحل، يحمل معه خارطة الوطن «فلسطين» ومفتاح بيته ومِكحْلة الأم وبعض من زيت الزيتون وثوب الجدات والامهات ووثيقة الارض التي يسكن عليها (القوشان). 
وقال العامري: النموذج الأكثر حضورا في الشتات الفلسطيني  فهو الفنان اسماعيل شموط (1930-2006) الذي كرس جل حياته للتعبير عن ما تعرض له الانسان الفلسطيني من تهجير قسري واضطهاد من قبل الكيان الصهيوني، هذا الفنان الذي انغمس في التعبير عن وطنه السليب منذ بدايات الخمسينيات من القرن الفارط، حيث اقام اول معرض له في غزة في العام 1954 برعاية الرئيس المصري جمال عبدالناصر، كرست أعماله مسيرة الفلسطيني على مدى عقود من البؤس فقد كانت تلك الاعمال تعبر عن مستوى الأداء العالي في اللوحة الفلسطينية، بتشكيل يتناسب وحجم القضية وعدالتها.
وأضاف العامري: الفنان عزيز عموره، مواليد بلدة الطيرة في حيفا العام (1944-2018) الذي قضى عمره بعيداً عن بلدته في حيفا كرس جلّ ابداعاته في الشتات الذي توزع بين العراق وبين لندن والاردن، حيث قدم سلسة من الاعمال في الحبر عن مجزرة صبرا وشاتيلا والتي كانت تسجل بصورة تعبيرية عن قسوة وفظاعة الكيان الصهيوني الذي لاحق التجمعات الفلسطينية في شتات بيروت. يقول درويش: في قصيدة مديح الظل العالي «صبرا.. تقاطع شارعين على جـسد، صبرا.. نزول الروح في حجر، وصبرا لا أحد، صبرا هوية عصرنا حتى الأبد». كان للمنفى تجلياته الصائتة حيث اصبح مناكفا قويا لمسألة الاقتلاع والعودة الى جغرافيا اللوحة للاستعاضة عن جغرافيا الارض، فالوطن اصبح في روح الفلسطيني وجسده، وعبرت عن ذلك الفنانة الفلسطينية منى حاطوم حين تعاملت مع جسدها بوصفه وطنا لها، لقد اصبح الجسد لدى حاطوم وطنا كاملا لتقدم صورة مهمة عن مفهوم الاغتراب فحين يصبح الجسد بيتا يعني دخول الكائن الى اقصى درجات العزلة الشخصية المشفوعة بأحلام  كابوسيه تتحرك في جغرافيا النفس ومن اهم المغامرات التي قامت بها حاطوم تتمثل بالطلب من طبيبها ان يضع كاميرا صغيرة في جوفها لتصوير بيت الجسد كوجاء اخير في عالم تحكمه القوة والظلامية فكان من اهم الاعمال التي عبرت عن مفهوم الاغتراب وتجلياتها الانسانية بقسوة لم نعهدها من قبل، حيث يتعرض جسد منى حاطوم الى احتمال جسد غريب داخل جوفها لتلب حواس الجوف كرحم اشبه بالبيت.
وبين العامري أن الفنان الفلسطيني عدنان يحيى (1960) كان ذهب الى اللوحة التي تطرح صراعها مع المحتل بصورة تعبيرية مباشرة فعائلتة التي استقرت في مخيم الوحدات بالاردن بعد تهجيرهم ومجموعة هائلة من الفلسطينيين في العام 1948،حيث  استيقظت عيناه على جرح من نوع خاص، جرح التشرد في بيوتات لا تمتلك مواصفات السكن الاعتيادي الذي جمع في حواريه أطفالا من الرملة والخليل وبئر السبع ويافا والجليل وجنين وأريحا وبيسان اقصد أن فلسطينا مصغرة جُمِعَتْ في  مخيم الوحدات.