Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Jul-2018

النهوض بالثقافة مسؤولية من؟ - د. محمد القضاة

الراي -  مَن يطالب من بالنهوض بالثقافة؛ المثقفون أم وزارة الثقافة؟هناك معادلة مفقودة ورؤية تعيش غربة حقيقية بين طرفي المعادلة؛غير أنه على كل طرف أن يقدّم حجّته،وليس من حق الطرفين أن يتقاعس في أداء مَهَمّته تجاه الثقافة وآثارها المهمّة في صقل حياة الشعوب ودورها في تقدّم كل نواحي الحياة؛لكن أين الحلقة المفرّغة في هذه المعادلة؟ومَن يا تُرى يتحمّل انكفاء الثقافة عن أداء دورها؟هل هم الوزراء الذين تعاقبوا على الوزارة؟أم ميزانية الثقافة التي لا تتجاوز رواتب الموظفين؟هل هي أنظمة الوزارة وتعليماتها؟أم التحديات المفصلية التي عصفت بالمنطقة برمّتها؟ هل هو التطرّف بأشكاله كلها؟أم ماذا برأيكم؟وتستمرّ أسئلة الثقافة في هذا الزخم وتُسمع أصواتُ المثقفين؛حتى إني سمعت خطيب الجمعة يناشد وزارة الثقافة،وهذه المرة الأولى في الحياة أسمع فيها خطيبًا على منبررسول االله يطالب بتفعيل دور وزارة الثقافة لأداء وظيفتها تجاه هذا الجيل،سمعته وسمعت أفكاره النيّرة وهو ينادي بأعلى صوته أن تضع وزارة الثقافة خُططها لاستقطاب الشباب وبناء فكرهم وثقافتهم،وأنا بدوري أضمّ صوتي لصوت المثقفين واقول إن الواقع الثقافي لبلدنا يحتاج إلى كل فكر نزيه وكل رؤية خلّاقة وكل جهد طيّب وكل قلم حرّ لا تأخذه في الحق لومة لائم كي ننهض بالواقع الثقافي ونرفده بكل جديد.

عودًا على بدء،فقبل زمن ليس بعيدا كتبت في هذا المكان عن الثقافة والمثقفين انتقدتُ فيها الأوضاع والمآلات التي تعيشها الحالة الثقافية في بلدنا،وها نحن في الظروف نفسها وكأنّ المشهد يعيد ترجمة نفسه لكن بشكل جديد خاصة بعد ربيع عربي أفضى إلى شتاء قارص وجمود حقيقي في دور المثقفين على المستويين العربي والمحلي،ولمّا كان بلدنا الأولى في القراءة والفعل كان لا بدّ من الإشارة إلى حالة السكون والصمت الغريب التي تنبئ عن تساؤلات واستنامة وعدم اهتمام،فعلينا أن نتحدث عن حال المشهد الثقافي الذي لا يسرّ أحدًا،لاالمثقفين الذين يحاولون إيصال أفكارهم وآرائهم حين تاهت بين السطور والورق على حدّ أقوالهم،ولا المتفرّجين الذين لا يحسنون الفرجة،وإنما يحتاج إلى نقاش موضوعي وحوار في العمق لتصحيح الخلل.المثقفون لايحبّذون هذا التراجع ولايرغبون في أن يوسموا بصفات ليست بهم،وإنما يشعرون أن حروفهم وكلماتهم وندواتهم وخطاباتهم وإبداعاتهم ومنجزاتهم أصبحت في زمن الربيع العربي لا تشكّل شيئا،بل لا قيمة لها أمام ربيع مؤلم فرض تحدياتٍ كارثيةً في المشهد العربي والإقليمي والمحلي،ولذلك،على الجميع أن يقرأوا المشهد من جديد قراءة صحيحة كي نجتاز هذه الصور الصامتة، وهذا يحتّم على الجميع أن يتحاوروا بمنتهى الجدية والمسؤولية حول دورالثقافة والمثقفين في زمن التحديات الكبرى في العالم العربي حيث انتهى إلى حالة من الصمت واللامبالاة وكأنهم أعجاز نخل خاوية.
وفي هذا الصدد،فإن التغيرات والتطورات التي لحقت بالمشهد السياسي العربي لم تترك للمثقفين القدرة على الحوار الذي يبدأ وينتهي في النقطة نفسها،وكأن هناك محاولة واضحة لتغييرأطر الصورة ومراكز الجذب إلى نوع من التنميط والتحيّز والمبالغة تحجب معها صورة الوعي وتجرده من فكره وثقافته،نحن لانريد أن نتحامل على أية جهة، ولكن على كل طرف أن يعرف أين الخلل وكيف يمكن تجاوزه وعلاجه؟ نريد للمشهد الثقافي أن يكون مضيئا ومتحركا وفاعلا،يتحمل مسؤولياته الوطنية الى جانب قطاعات الدولة،ويكون ذراعا حقيقيا للسياسة والاقتصاد والمجتمع،بعيدا عن محاولات التهميش التي تقودها القوى الأخرى بمادياتها وأفكارها وآرائها السلبية بجدوى الثقافة وعدمها،لدرجة صار فيها رجال المال والتخطيط والتكنولوجيا هم الأساس،وهو ما يثير تساؤلات المثقفين واستغرابهم إلى حد الاستغناء عن دورهم وأفكارهم وإبداعاتهم،وهذا يستوجب إعادة بناء الثقة بالمثقفين؛لأنهم في صلب الطبقة الوسطى،وإذا كانوا هم على رأس هذه الطبقة يشعرون بتراجع دورهم،فكيف يكون حال الطبقة الأخرى؟وحين تذوب هذه الطبقة يدفع المجتمع ثمنا باهظا تكون نتائجه مزيدا من التحديات والخلل،وهنا أدعو السيدة وزيرة الثقافة إلى أن تبادر بطرح هذه المسألة للنقاش على جدول أعمالها حتى لو اقتضى الأمر شهورا؛لأننا لا نستغني معها عن هذا القطاع الذي يعد من قطاعات الدولة المهمّة ودونه يعيش المجتمع حالة من عدم التوازن،نحن اليوم بحاجة إلى نظرة دقيقة لحالة الإرباك في المشهد الثقافي،وذلك لتحريره من ارتباكه وسكونه وصمته وركوده لإعادة خلقه من جديد بعيدا عن سيطرة الاحتكار ومشاعر التشكيك بحركة تعكس دور العقل ومقوماته وفعله تجسد الإبداع وتستوعب ردّات الفعل السلبية التي أحدثها الوضع العربي الراهن.
وبعدُ،فيجب أن يتحمّل المثقّفونَ مسؤوليّةَ النهوض بالثقافة،ولا أعني ههنا رفعَ المسؤوليّة عن أيّ طرف آخر؛لأنّ الفعلَ الثقافيّ مسؤوليّتنا جميعًا،وإنّما خصصتُ المثقّفين لأنهم أقدرُ من سواهم على أداء هذه المَهَمّة؛فهم أصحاب الفكر النيّر وهم القادرون على أن يعيدوا الألقَ لمشهدنا الثقافي ويُضفوا عليه حِراكًا إيجابيًّا مثمرًا.والحقّ يُقالُ إنّ لوزارة الثقافة دورًا مهمًّا في هذا السياق يترجم ما نحن بصدده من حديث عمّن ينهض بالثقافة،خاصّةً أنّ هناك من يجمع بين وظيفتي المثقّف والسُّلطة في الوزارة نفسها.