كان يقول لي في المساء: (مد البربيش) وأنا أقوم بالمهمة، وأتأكد أن ضخ الماء في أوجه، ثم يقوم بسقاية النعنع، وبعد ذلك الأشجار، ثم نغسل سيارتنا.. وأنا لا أعرف لماذا كان يقوم (برش) السور؟.. صدقوني لا أعرف لكنه كلف الخزينة مياها هائلة.. وبصراحة لم يكن يدفع فاتورة الماء.. ففي زمننا اصلا لم يجرؤ الجابي على أخذ قراءة للعداد .. بعد ذلك يقوم (برش) المساحات الخارجية، وله تبرير مهم في ذلك.. فالماء يمنع الغبار.. وحين ينتهي من كل شيء،

يأتي دوري أنا.. فيقوم برشي بالماء، ففي ذهنه أنا مثل الشجرة أحتاج للسقاية.

بعد ذلك، يقول لي: (ضب البربيش).. ولكني أكتشف أن كل شيء قد غرق في الطين..

السيارة والجدران.. أنا واقدام أبي، (والبربيش).. كل المكان أصبح موحلا.. والكارثة تكمن في أنه كان يعتقد أنه أنجز عملا مهما في سقاية الأشجار، وتنظيف التراب.. والحقيقية غير ذلك فقد أغرقنا بالوحل.

وحين تكتشف أمي المشهد، تقيم الدنيا فوق رؤوسنا، لكني أكون قد غادرت وأبي هو الاخر غادر المنزل، وتركنا.. خلفنا كارثة طبيعية تحتاج لجهد بشري من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه..

أجمل وحل في الدنيا، هو الوحل الذي كان يصنعه أبي.. ولا أعرف هل كان لأجل أن نلهو قليلا، من أجل أن نستفز قلب الوالدة.. من أجل أن نزعج صمت القرى وهي تغفو في نوم.. هادئء لا يتناسب مع صخبنا..

مات أبي مبكرا، وكلما عدت لمنزلنا في الكرك، تذكرت المكان والحنفية والبربيش ودشداشته البيضاء، والحائط وموقف السيارة.. وهمست في أذن شجرة هو زرعها قبل( 35 (عاما وما زالت صامدة.. وأظنها تحن إليه كثيرا فلم يبخل عليها في الماء..

همست في أذنها قائلا: أخبري أبي أني ما زلت غارقا في الوحل..

Hadi.ejjbed@hotmail.com