Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    31-Dec-2019

مرتفعات ويذرينغ .. إقبال متزايد على قراءتها عالميًا

 الدستور

تُعتبر رواية إيميلي برونتي «مرتفعات ويذرينج» ضمن الروايات الإنكليزية الاجتماعية التي لا تزال مقروءة حتى أيامنا هذه، حيث تستمد الرواية ديمومتها - رغم تباعد الزمن - من إيغالها في النفس الإنسانية، وتقديمها لصراعات وجودية أزلية، ستظل مستمرة مع بقاء الإنسان.
إنها الرواية الوحيدة للكاتبة إيميلي برونتي؛ وقد نُشرت للمرة الأولى عام 1847 تحت اسم مستعار هو ايليس بيل Ellis Bell وقد أجرت أختها شارلوت برونتي تعديلات على الطبعة الثانية من الرواية بعد وفاة إيملي، وقد أخذ اسم الرواية من عزبة في مروج يوركشاير وهي بلدة تاريخية في شمال انجلترا.
تكشف الرواية عن عدة تصادمات بين الرومانسية والمجتمع، بين الفقر والثراء، وبين الفقد ورغبة الإنتقام.. يقف القارئ أمام كل هذا في عاطفة الحب الجارفة والمدمرة بين هيثكليف الصبي اللقيط، وكاثرين الفتاة الثرية.
يحضر الموت والألم والعذاب والصراع الداخلي في هذه الرواية، التي تكشف عن واقع قاتم، ونزاع داخلي وعتمة تسيطر على العالم، تحديدا تلك القسوة والتكبر في التعامل مع الضعفاء. لا تغيب عن «مرتفعات ويذيرينج»، هذه الحقائق ولا تبتعد الكاتبة عن الواقع الحقيقي القاسي للأخوات برونتي الثلاث، في عزلتهن وفقرهن ومرضهن بالسل وموتهن المبكر، فقد فماتت به شارلوت في سن التاسعة والثلاثين (1816- 1855 )، وماتت به إميلي في سن الثلاثين (1818- 1848)، ثم ماتت به آني في سن التاسعة والعشرين (1820 – 1849) وبسبب الفقر الشديد وعدم وجود معيل للأسرة عملت الأخوات برونتي كمربيات لدى الأسر الثرية، وهي المهنة الوحيدة الشريفة للعوانس الفقيرات في ذلك العصر، ثم رحلت شارلوت وإميلي إلى بروكسل حيث عملتا زمنا في التدريس، لكن صحة إميلي بدأت في التدهور، واشتد بها الحنين إلى أحراش يوركشاير، فعادتا إلى وطنهما، والجدير بالتأمل أن الأخوات برونتي كن يشتغلن بالكتابة في ظروف قاسية، لدرجة أنهن لم يكن يجدن ثمن الورق في بعض الأحيان.
وفي العودة للحديث عن الصراعات الموجودة في «مرتفعات ويذرينج»، يبدو وجود صراع الحب والمادة المتوازي مع صراع المجتمع الطبقي الذي لا يقبل بمن هم دونه مرتبة. هذا الموقف يحضر بشكل مؤثر في العلاقة العاطفية بين هيثكليف وكاثرين، قوة لحب لم يكن لها أن تنتصر في مجتمع بطريركي منغلق على نفسه، وسيظل كذلك لعقود طويلة بعد ظهور هذه الرواية.
يجدر بنا التوقف في هذا النص أمام شخصيات الأبطال، وقدرة الكاتبة على سبر أغوارها، هيثكليف مثلا منذ ظهورة الأول تبدو شخصيته قاسية وعنيفة كأنه يقوم برد فعل على التنكيل الاجتماعي الذي تعرض له. يظهر صراعه الداخلي وهو يعبر عن نفسه قائلا: «أشد ما أتمنى أن يكون لي شعر أشقر وبشرة ناصعة البياض وثياب شبيهة بثيابه، وعيشة تماثل عيشته، وفرصة لأن أكون ثرياً مثلما سيكون». وفيما بعد لن يكون  ثراء هيثكليف اللقيط حاملا له أي تعويض عن خسارته لكاثرين ووجعه لرحيلها، ولمعاناته النفسية في سنوات الطفولة.
أما كاثرين فتبدو أكثر خضوعا رغم طبيعتها الأنانية والسريعة الغضب والشرسة أيضا، أكثر استسلاما لقوانين مجتمعها، بل إن الأزمة الحقيقية في «مرتفعات ويذيرنج» تبدأ من اللحظة التي يسمع فيها هيثكليف كاثرين، وهي تكشف للخادمة عن قبولها بالزواج من إدجار. تقول: «تعود كاثي من بيت الجيران إلى أهلها بعد خمسة أسابيع، وقد تغيرت كثيرا فهي تبدو مهتمة بهندامها وزينتها وتتصرف كسيدة أنيقة ناضجة. وصارت تسخر من تصرفات هيثكليف وإهماله لمظهره. وحين أتى إدجار لزيارتها.. راحوا جميعا يتناقشون ويسخرون من هيثكليف فتركهم غاضبا وانزوى في غرفته الصغيرة بعيدا عنهم، فاضطرت كاثي لاسترضائه. لكنه أقسم أنه سينتقم يوما».
وتعتبر كاثرين أنها وهيثكليف متشابهان حد التطابق، بينما إدجار هو المناسب لها اجتماعيا، لكنها لم تتمكن من نسيان هيثكليف الذي تنجذب له بشكل غريزي وحدسي في آن واحد، هذا الانجذاب الذي سيحمل كل الغضب والانتقام للمحيطين بهما، لأنه لن يفضي في قلب هيثكليف إلا نحو رغبة مدمرة في الأخذ بثأره من كل من آذاه.
تقدم رواية «مرتفعات ويذرينج» عالما موحشا مضطرما بالعواطف، خاصا يقتصر على أبطاله، مخاوفهم، آلامهم، معاناتهم الذاتية، تساؤلاتهم المصيرية، وأحزانهم الشديدة بسبب مصائب الحياة التي يبدو الفرار منها مستحيلا. إنه عالم تظهر فيه أشباح الأبطال لتؤثر في حياة الأحياء. عالم فيه قسوة مباشرة لا تمنح السعادة حتى في اختيار النهايات.
يذكر أن هذه الرواية تم استلهامها في أكثر من عمل فني سينمائي وفي مراحل مختلفة من تاريخ السينما العالمية والعربية.