Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-Nov-2017

ابن سلمان ومشروع الإصلاح الديني - د. محمود عبابنة

الراي -  ابتداءً لا يسعنا إلا أن نبتهج ونصفق لصرخة الصحو المقدامة للقضاء على التطرف والإرهاب، والتي أطلقها الأمير السعودي «محمد بن سلمان» ضد التعصب والتطرف والتشبث بأهداب الماضي، ومما يعلي من قيمة انتفاضة الأمير وتحديداً في إعلان حربه على التطرف أنها تصدر من أمير من الوزن

الثقيل، يحث الخطى نحو كرسي العرش في بلد عربي وإسلامي قائد ووازن في المنطقة والعالم، نظراً لما يتمتع به من ميزات ذات مغزى، فبالإضافة إلى الثروات الطبيعية الهائلة من الغاز والبترول في
المملكة العربية السعودية، فهي حاضنة الأماكن المقدسة الإسلامية، حيث المدينة ومكة وحيث قبلة
المسلمين في جميع أنحاء الأرض.
 
الأمير الشاب المفعم بالحماس فتح أكثر من باب على مصراعيه، ولا نعرف إلى أين ستقوده الأقدار في مشاريعه السياسية والعسكرية، والمتخصصون في هذا الشأن أقدر على التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور، إلا أن ما يهمنا بالحديث عنه مشروع الإصلاح الديني الذي أطلق صرخته الأولى–على هامش مستقبل الاستثمار–بقوله: (نريد أن نتعايش مع العالم ونساهم في تنمية وطننا والعالم، وسوف نقضي على بقايا التطرف في القريب العاجل)، وقوله: (نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، وإلى الإسلام المنفتح على جميع الأديان والتقاليد والشعوب).
 
القيمة الإيجابية لإنتفاضة الأمير السعودي أنها تصدر من قمة الهرم نزولاً، وكنا دائماً نقول إن معادلة الإصلاح من الأسفل إلى الأعلى لن يكتب لها النجاح في مجتمعاتنا التي تأسست على مفهوم القبيلة والعشيرة والشيخ، والأخير إذا هداه االله وفعل تبعه الآخرون، وقديماً قيل: إذا كان رب البيت للدف ضارب فشيمة أهل البيت كلهم الرقص، ومن هنا تتبدى أهمية أن يقود أمير معركة الإصلاح الديني، حيث لن يجرؤ شيوخ السلطة والدولار على وصمه بالزندقة والكفر.
 
إلا أنه ولسلامة نجاح الإصلاح الديني فلا بد له من تمهيد يسبقه أو يترافق معه وهو الإصلاح السياسي في إطار دستور مكتوب لا يعادي الدين وتمثيل شعبي عن طريق انتخابات نزيهة، وتبني مفهوم الدولة المدنية والمواطنة، وبالمجمل إعادة النظر في العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم، ومن ثم الشروع بالإصلاح الديني الذي يستوجب إعادة النظر أيضاً في التراث الذي دخله من الغث والهراء ما وصم الإسلام بدين التطرف والعنف ومعاداة الآخر، والوقوف عند تفسيرات واجتهادات مضى عليها آلاف السنين، وما زال فقهاء ثبات الزمان ومحدودية المكان يقاومون إعادة النظر بها على ضوء معطيات العصر والتجديد والتطور، الذي هو من سنن العمران البشري، فمقاصد الإصلاح هي تحرير الإنسان من الخضوع والخوف، ومقاصد الدين هي حفظ العقل والنفس والمال والنسل، التراث الإسلامي أحوج ما يكون إلى مراجعة وتمحيص للأخذ بمقاصد الإصلاح، وإيجاد مقاربة بين العلم والعقل والمنطق من جهة ومبادئ الشريعة من جهة أخرى، وتقتضي هذه المقاربة تغليب العقل على النقل، وإعادة الصياغة لمفهوم النصوص المرسلة، المختلف عليها بين المدارس الفقهية، وعدم فهم النصوص كما استوعبها السلف، بل يتوجب الأخذ بروح النصوص المتوافقة مع النزعة الإنسانية الشاملة، التي أساسها التشريع القرآني والأحاديث الموثوقة.
 
الخروج من قمم التخلف والتعصب والتكفير والتحريم مسلك وعر، ويقتضي اقتحاماً شجاعاً لمتاريس وحصون التخلف، وقد خاضه الخليفة المأمون في عصر الدولة العباسية، فأسهم في وضع الحضارة العربية والإسلامية في أبهى صورها، ونقل «مصطفى كمال» تركيا من واقع الرجل أو الدولة المريضة إلى بلد حداثي وعصري وبعقد اجتماعي جديد، بعد أن فصل الدين عن الدولة ضمن مفهوم دولة المواطنة، وإلى حد كبير فعل «مهاتير» في ماليزيا، وربما يأخذ البعض على الملك القادم التسرع والمغامرة، وهذا غير صحيح، فنظراً للثقافة السائدة للمجتمعات العربية المتردية والبالغة الإنحطاط هذه الأيام فلا مجال للانتظار والتردد، فنار التطرف أفاضت ما في القدر، وصرنا نصحو على تفجير وننام على تكفير أو فتوى لا تصلح إلا للتندر في عصر الإختراعات العلمية والتواصل الإنساني الحضاري في جميع مناحي الحياة.
 
مشروع الأمير السعودي لن يكون سهلاً وخوضه لا يقل ضراوةً عن ضراوة المواجهات العسكرية، التي نأمل أن لا تكون حتى ينجح الأمير في مشروعه الإصلاحي الديني التنويري الذي لا نملك إلا أن نحييه ونشجعه في هذا المسعى تحديداً.