Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    24-Feb-2020

لبنان مفلس.. وكذلك حال احتجاجاته

 الغد-آنشال فوهرا* – (فورين بوليسي) 18/2/2020

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
تعرف حركة الاحتجاج في لبنان ما الذي تعارضه، لكنها لم تتوصل أبداً إلى معرفة كيفية تحقيق ما هي الاحتجاجات بشأنه. وعلى الرغم من أن الطبيعة التي بلا قيادة للحركة ساعدت على تعزيز جاذبيتها في البداية، فإن استمرارها في العمل من دون توجيه شخص واحد (أو مجموعة من الأشخاص)، يعرضها لخطر فقدان الزخم، لأن الحركة السياسية الناجحة تتطلب في النهاية أن يقوم قائد معروف بإعطاء التوجيهات، وفرض أجندة السياسة، واتخاذ إجراءات حاسمة. وتحتاج الحركة أيضاً إلى تعيين مجموعة متفق عليها من الأهداف من أجل المساعدة على حل التناقضات الأيديولوجية بين وجهات نظر أعضائها شديدة التبايُن، وتركيز جهود الحركة على مجموعة من الأهداف القابلة للتحديد.
 
* *
اختبأت “المانيكانات” في صالة عرض “شانيل” في وسط بيروت خلف أبواب من الصلب بسبب المخاوف من أن يطلق المتظاهرون غضبهم على مثل هذه الرموز القوية لعدم المساواة في البلد. وأحيط المسجد العمري التاريخي الكبير بطبقات من الأسلاك الشائكة لصد جموع المتظاهرين في الخارج. وبالمثل، قبع مبنى البرلمان محتجزاً خلف جدار خرساني سميك لحمايته من غضب الجمهور. هذه هي الآثار التي خلفتها أشهر عدة من الاحتجاجات ضد النظام السياسي في لبنان ونخبته الحاكمة.
كانت ساحة الشهداء في بيروت مركزاً للاحتجاجات المستمرة منذ 4 أشهر. وقد دعا الآلاف من الناس الذين تجمعوا هناك إلى التخلص من الطبقة السياسية المكونة من النخب، وإجراء انتخابات مبكرة، ووضع حد لنظام تقاسم السلطة الطائفي الذي أضفى الطابع المؤسسي على الفساد والمحسوبية في البلاد. والآن، أصبحت التجمعات الشعبية أصغر حجماً، وهتافات الثورة أكثر ليونة بكثير. ومع أن الاعتقالات في صفوف المحتجين ما تزال مستمرة، فإن البعض منهم يرون أن السبب الحقيقي وراء انخفاض أعدادهم هو الإرهاق المقترن بشعور متزايد باليأس بشأن مستقبل الحركة.
ما مِن شك في أن حركة الاحتجاج نجحت في التعبير عن شعور واسع النطاق بالإحباط مع نظام فشل بشكل روتيني في توفير الوظائف والرعاية الصحية والتعليم بكلفة ميسرة. لكن المتظاهرين لم يتمكنوا حتى الآن من صياغة استراتيجية متماسكة طويلة الأجل لإحداث التغيير -هذا لأنهم لم يكلفوا أنفسهم أبداً عناء تطوير استراتيجية.
في كانون الثاني (يناير)؛ أي بعد ثلاثة أشهر تقريباً من استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري، تولت زمام السلطة حكومة جديدة تتلاءم مع من يفترض أن يكونوا تكنوقراطيين أكثر استجابة، لكن هذا الواقع وضع المحتجين في موقف حرج. فقد حصلوا على حكومتهم الجديدة، ويشعر البعض بأنه يتعين عليهم أن يتراجعوا ويتيحوا لها الفرصة. لكن معظم المحتجين يتفقون على أن الحكومة الجديدة ليست أكثر من مجرد هيئة ظل، والتي تمثل المصالح الراسخة لحزب الله وحلفائه، الذين اتخذوا موقفاً ضد المتظاهرين.
عندما خرج المتظاهرون إلى الشوارع أول الأمر، أصدر حزب الله بيانات تعبر عن التعاطف مع مطالبهم. وكان هذا متماشياً مع ادعائه التقليدي بالقتال للدفاع عن حقوق الطبقة العاملة اللبنانية (التي ينتمي معظمها إلى الطائفة الشيعية في لبنان). لكنه استطاع أن يذهب إلى هذا البُعد فقط. وطوال مسار وجوده، أصبح حزب الله طرفاً راسخاً في المجتمع اللبناني، وأصبحت اهتماماته الآن تتشابك إلى حد ما مع مصالح المؤسسة. وقد اتخذ القرار العملي بالوقوف إلى جانب المتظاهرين في البداية، لكن دعم التغييرات الشاملة التي طالبوا بها شكل تهديداً لموقفه. وعندما بدأت مفاوضات تسمية الحريري، أوضح زعيم حزب الله، حسن نصر الله، أنه لا يريد أن يكون المتظاهرون مشاركين. والآن، بالإضافة إلى الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين، يدور قتال متكرر في الشوارع بين المحتجين وعصابات الدراجات النارية التابعة لحزب الله.
تعرض علي، وهو شيعي يقيم في معقل حزب الله في الضاحية، والذي رفض الكشف عن اسمه الأخير، للتهديد من قبل أنصار المجموعة لأنه كان ناشطاً في الاحتجاجات. وكان قد انضم إلى المظاهرات في اليوم الأول، وساعد على إغلاق الطرق والكتابة على الجدران، وردد الشعارات مع المحتجين. وقال: “كنت أتطلع إلى ذلك لأننا لا يمكن أن نشهد التغيير من دون ثورة”. لكنه أصبح يشعر الآن بقلق متزايد من أن الاحتجاجات شرعت في فقدان زخمها. ويضيف علي: “لقد صنعوا حكومة جديدة. يبدو أن 20 شخصاً عشوائياً وافقوا على منح 20 شخصاً عشوائياً بعض الوظائف. وهذا يعطيني شعورا بأننا مررنا بالكثير من المعاناة بلا مقابل”.
حتى الآن، كانت الاحتجاجات في لبنان مرتجلة وتفتقر إلى أي رعاية سياسية ذات مغزى -لم تكن أكثر من مجرد موجة عارمة من الغضب الشعبي. وعلى الرغم من أن هذا النمط من السياسة أعطى الحركة في البداية درجة معينة من المصداقية، إلا أنه لم يفض إلى التقدم بخطة محددة ورؤية.
بينما يشرع الوضع الراهن الجديد في الاستقرار، سوف يحتاج المتظاهرون إلى تطوير استراتيجية سياسية منظمة لإسقاط النخبة الحاكمة من خلال صناديق الاقتراع. وتتمثل إحدى العقبات الرئيسية التي يواجهونها في إيجاد طريقة للتغلب على الدوافع الطائفية الموجودة بطريقة تلقائية لدى الناخبين. وبخلاف ذلك، يمكن أن تنقسم الحركة الاحتجاجية على أسس طائفية، مما يعرضها لخطر أن تتغلب عليها النخبة الحاكمة التي تتمتع بخبرة سياسية أكبر بكثير من المحتجين.
لطالما كانت النخبة اللبنانية معتادة على مواجهة الحركات الجماهيرية. فخلال الأيام الأولى للحرب الأهلية في السبعينيات، طالب تحالف من الأحزاب اليسارية بإنهاء نظام الحكم الطائفي لتقاسم السلطة. وتم الإعلان عن المطلب نفسه خلال الاحتجاجات الجماهيرية في العام 2005، ثم مرة أخرى في العام 2015. وعلى الرغم من أن لدى الزعماء السياسيين القدرة على حل النظام الطائفي عندما يريدون، فإن مصالحهم الجماعية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالوضع الراهن، ولذلك قاوموا كل المطالب المتعاقبة بالتغيير.
لا يواجه المتظاهرون عدواً ذكياً فحسب، وإنما عدو مسلح أيضاً. وقد عمد أنصار حزب الله وحركة أمل، أحد حلفائها الرئيسيين، إلى مهاجمة المتظاهرين مرات عدة خلال الأشهر القليلة الماضية. وكان هناك خوف واضح من استيلاء حزب الله على الشوارع، كما حدث في العام 2008 عندما تم تحدي سيطرته على الاتصالات ومطار لبنان.
يتفاقم التهديد الذي يمثله حزب الله بفعل المشاكل التنظيمية الرئيسية لحركة الاحتجاج: افتقارها إلى هيكل للقيادة. وقال خليل الحلو، وهو جنرال متقاعد من الجيش اللبناني وأحد أبرز أصوات حركة الاحتجاج، إن السبب وراء عدم قيام المتظاهرين بتحديد قادة هو الخوف من تعرضهم للاغتيال. وأضاف: “القوى التي نتعامل معها خطيرة، بـ‘القوى’، أعني حزب الله. لقد قتلوا أصوات المعارضة في العام 2005. ولا شيء يمنعهم من تكرار ذلك الآن”.
لكن هذه المشكلة أعمق من حزب الله، وقد أصبحت الحركة تخسر الميزة بسبب تقسيم قاعدة دعمها. وقد اعترف الحلو بأن الحركة لم تتجمع تحت مظلة واحدة “لأن (المحتجين) يأتون من خلفيات مختلفة، وأوساط اجتماعية مختلفة”، على حد قوله. “ليس لديهم نضج سياسي”.
ربما يتقاسم المتظاهرون الأهداف العامة نفسها، لكن مطالبهم المحددة غالباً ما تكون غير قابلة للتوفيق.
البعض يطالبون بتقليص القطاع العام المتضخم، لكن البعض الآخر يرفضون كل أشكال التقشف. كما أن الشكل النهائي للنظام السياسي الجديد هو أيضاً موضع نزاع. ففي حين ينادي قسم بديمقراطية أساسية تمثيلية غير طائفية، يقترح البعض الآخر حلاً أكثر راديكالية، والذي يتم فيه التخلص من أي شكل من أشكال التسلسل الهرمي ويؤسس ديمقراطية مباشرة يتم بموجبها التصويت على جميع التدابير السياسية عبر استفتاء.
أشارت لينا حمدان، وهي عضو في لجنة تنسيق الاحتجاجات، إلى مفارقة أخرى. قالت: “إننا نطلب من النخبة الحاكمة نفسها التي نريد التخلص منها تغيير النظام”. ويقول العديد من المتظاهرين إن النخبة السياسية لن تتخلى عن السلطة عن طيب خاطر، وإن قلة منها ستؤيد اتخاذ إجراءات متطرفة للإطاحة بالحكومة. ويشعر معظم الآخرين من أفرادها بالقلق من أن متابعة السير على ذلك الطريق ستهدد الشعبية الواسعة التي حققوها.
هذه هي التناقضات التي يجب على المتظاهرين حلها قبل أن يتمكنوا من أن يأملوا بشكل واقعي في التغيير. ويبدأ ذلك بالقيادة. فعلى الرغم من أن الطبيعة التي بلا قيادة للحركة ساعدت على تعزيز جاذبيتها في البداية، فإن استمرارها في العمل من دون توجيه شخص واحد (أو مجموعة من الأشخاص)، يعرضها لخطر فقدان الزخم، لأن الحركة السياسية الناجحة تتطلب في النهاية أن يقوم قائد معروف بإعطاء التوجيهات، وفرض أجندة السياسة، واتخاذ إجراءات حاسمة. وتحتاج الحركة أيضاً إلى تعيين مجموعة متفق عليها من الأهداف من أجل المساعدة في حل التناقضات الأيديولوجية بين وجهات نظر أعضائها شديدة التبايُن، وتركيز جهود الحركة على مجموعة من الأهداف القابلة للتحديد. وبالإضافة إلى ذلك، تحتاج الحركة إلى الاتفاق على استراتيجية طويلة الأجل. ويجب أن تقرر ما إذا كانت ستواصل الحملة في الشوارع، أو تسعى إلى التغيير من خلال الانتخابات، أو أنها ستتخذ إجراءً أكثر تطرفا. وسوف تقود كل هذه التغييرات بالضرورة بعض المتظاهرين إلى الشعور بالإحباط ومغادرة الحركة، وبالتالي سيتعين على القيادة الافتراضية اتباع مسار العمل الذي يمكن أن يقلل من تلك الخسائر ويساعد الحركة على الصمود.
حتى الآن، كانت الحركة ناجحة بشكل كبير في لفت الانتباه الوطني والدولي إلى المشاكل العميقة للنظام الحاكم في لبنان. لكن المحتجين يريدون أن يفعلوا أكثر من مجرد لفت الانتباه إلى ما هو مكسور ومفلس في نظامهم السياسي -إنهم يريدون التأكد من إصلاحه. ويجب أن يبدؤوا بتحديد ما هو مكسور ومفلس في احتجاجاتهم الخاصة أولاً.
*مراسلة مستقلة لقناة الجزيرة، تكتب بانتظام في مجلة “فورين بوليسي”. وهي صحفية تقيم في بيروت وتغطي الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Lebanon Is Broken. So Are Its Protests