Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-Apr-2019

كمال أبو المجد وحوار الثقافات والأديان*وليد محمود عبدالناصر

 الحياة-غيَّب الموت عن عالمنا منذ أيام، قامة من قامات مصر والوطن العربي والعالم الإسلامي في الفكر والثقافة والعلم والقانون، على تنوع فروعها في التاريخ المعاصر، كما مثل قيمة لها مكانتها لدى كل من عرفه واقترب منه وقرأ له وتعلم على يديه وتعامل معه، وأعني هنا الأستاذ الجليل الدكتور أحمد كمال أبو المجد، صاحب العطاء المديد على مدار عقود طويلة كان له خلالها بصماته الواضحة وتأثيراته العميقة في ميادين عدة ضمن ما نطلق عليه تعبير «الحياة العامة». وينطبق ذلك على بلده (مصر) وأيضاً على بلدان عربية أخرى مثل دولة الكويت، وفي محافل وساحات بارزة على الصعد العربية والإسلامية والعالمية.

 
 
أتناول في هذا المقال على سبيل التحديد، مجالاً واحداً كان للراحل الكبير أحمد كمال أبو المجد باع طويل فيه، وأقصد هنا موضوعات الحوار بين الثقافات والحضارات والأديان المختلفة على المستوى العالمي. إذ تسنّت لي فرصة مشاهدة ومتابعة عدد من تجليات هذا الدور على مدار العقدين الماضيين عن قرب، من خلال مداخلات ومساهمات الفقيد الكبير في الكثير من المبادرات المتنوعة والمهمة التي كان، ولا يزال، لها أثرها في مجالات الحوار بين الثقافات والأديان. وهو ما أتناوله بقدر ما تسمح به المساحة المتاحة هنا، بهدف الجمع بين عدد من الأمثلة على هذا الدور، وبين رؤية الأستاذ الدكتور أحمد كمال أبو المجد في هذا الصدد.
 
اهتم المفكر الكبير الراحل بحوار الحضارات والثقافات والأديان. وأدلى بدلوه بجدية وتعمق وحكمة وعن علم وخبرة تراكمية في هذا السياق، مستبقاً اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 الشهيرة في الولايات المتحدة الأميركية. علماً أن المنتدى الاقتصادي العالمي، والمعروف إعلامياً باسم «منتدى دافوس»، حرص بشكل مستمر على دعوته كمتحدث رئيس في عدد من جلساته المهمة في النصف الثاني من التسعينات، ليدلي بدلوه في هذا الموضوع، وفي موضوع تجديد الفكر والخطاب الديني.
 
وشهدت تلك الفترة (حقبة التسعينات)، إطلاق مبادرات عدة ومتنوعة كانت القاهرة طرفاً في عددٍ منها، ومنها مبادرة «حوار حضارات العالم القديم» التي ضمت مصر وإيران وإيطاليا واليونان، وكذلك «مبادرة «الحوار بين الإسلام والغرب» التي أطلقها الرئيس الألماني آنذاك رومان هرتزوغ، إضافة إلى مبادرات أخرى متناثرة هنا وهناك سعت جميعها إلى الإفادة من عطاء الأستاذ الدكتور أحمد كمال أبو المجد (رحمه الله) في هذا المضمار.
 
وكان من الطبيعي أن تتضاعف الحاجة إلى عطاء المفكر الكبير الراحل بعد اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، إذ طلبته جهات ومنظمات دولية عدة، من بينها الأمم المتحدة، التي شكل أمينها العام آنذاك (كوفي أنان) مجموعة رفيعة المستوى من الخبراء والشخصيات الدولية التي لها مكانتها ودورها في مجال العلاقات بين الثقافات والأديان، بهدف إصدار تقرير يتبناه الأمين العام، يضع الخطوط العريضة لما يمكن أن تقوم به المنظمة الدولية لتصحيح الأوضاع ومعالجة أوجه الخلل الهيكلية في تلك العلاقات. وكان من الطبيعي أن يأتي اختيار الأمين العام الأسبق للأستاذ الدكتور أحمد كمال أبو المجد ضمن أعضاء تلك المجموعة المتميزة. وخرجت المجموعة المذكورة في ختام مداولاتها بتقرير مهم صدر عن الأمم المتحدة ومثل خارطة طريق للمجتمع الدولي لمعالجة ما كشفه (التقرير) من مواطن تقصير في التعامل الدولي مع قضايا العلاقات بين الأديان والثقافات وإشكالياتها.
 
ولم تكن الأمم المتحدة الجهة الوحيدة التي سعت إلى الإفادة من خبرات مفكرنا الكبير الراحل في هذا المجال، إذ سعت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) إلى الاستعانة بالراحل القدير وأفكاره ومقترحاته في إطار إجرائها مراجعات لدورها وأنشطتها على المستويات الثقافية والتعليمية الدولية، بغرض ضمان أن تساهم هذه الأنشطة في تأمين أجواء أكثر إيجابية وبناءة، تساعد على نسج علاقات صحية بين أتباع العقائد والديانات والثقافات المتنوعة والكثيرة في عالمنا.
 
وكما كان متوقعاً بعد اعتداءات الحادي عشر من أيلول، استمر مسعى «منتدى دافوس» للحصول على تصورات المفكر الكبير الراحل وتوصياته في شأن كيفية الوصول إلى إدارة عالمية أفضل للعلاقات بين الثقافات والحضارات والأديان التي يعج بها عالمنا.
 
أتوقف بمزيد من التفصيل عند لقطتين محددتين في مسيرة عطاء الدكتور أحمد كمال أبو المجد في ميدان الحوار بين الأديان والثقافات، كنت شاهداً مباشراً وحياً عليهما.
 
اللقطة الأولى تمثلت في إطلاق فعاليات الحوار الإسلامي - الياباني والمشاركة في أعمال دورته الأولى، التي عقدت اجتماعاتها في العاصمة البحرينية المنامة في عام 2002، وترأس الراحل الوفد المصري إلى هذا المنتدى، الذي شارك فيه كذلك الأستاذ الدكتور محمد السيد سليم (رحمه الله)، والذي كان يشغل وقتها منصب مدير مركز الدراسات الآسيوية في جامعة القاهرة، كما كان لي شرف وفرصة أن أكون عضواً في الوفد المصري في تلك الدورة شديدة الأهمية. وشهدت بنفسي مداخلات الفقيد أحمد كمال أبو المجد والتي كانت بمثابة ريشة فنّان رسمت ملامح هذا الحوار وشكلت معالمه ووضعت حدوده، لدرجة أن استقت الوفود المشاركة في ذلك الحوار كافة مضمون مداخلاتها، مما طرحه المفكر الكبير الراحل الذي وضع يده على القضايا الحقيقية في هذا الحوار، والتي لا يجب أن تنحصر في مناقشات نظرية مجردة، بل كان من الضروري أن ترتبط أيضاً بأوجه عملية تتصل بحياة البشر اليومية ومصالحهم، بما فيها موضوعات الاقتصاد والبيئة والتكنولوجيا وموارد المياه وغيرها، لما لها من تأثير مباشر على معاناة البشر العاديين وهمومهم وآلامهم وما يواجهونه من مشكلات وتحديات، والتي تتعلق بها عقول وقلوب البشر على أمل أن توفر لهم حلولاً عملية وأن تدخل تغييرات جذرية ونوعية على حياتهم وحياة أبنائهم من بعدهم، أي ضرورة الجمع بين الفكر والتطبيق، بين النظر والتأمل والعمل والتجربة في أن معاً.
 
أما اللقطة الثانية، فتلت ذلك التاريخ بأعوام قليلة، وتحديداً في عام 2006، عندما دعا المركز الكاثوليكي في واشنطن، الذي يعنى بالنشاط الثقافي في صفوف الكاثوليك الأميركيين، الفقيد الكبير ليكون متحدثاً رئيساً في مؤتمر نظّمه المركز حول حوار الأديان والعقائد. حينها، تحدث الراحل عن الحاجة إلى الرقي بنوعية البشر، أياً كانت أديانهم أو عقائدهم وأينما وجدوا. وكانت رسالته بمثابة دعوة تجاوزت الحدود كافة التي تفصل بين أبناء العقائد والثقافات المختلفة. كما أكد يومها أن عدد الأتباع ليس معياراً للحكم على حيوية أو قوة أي دين أو عقيدة، بل أن الأساس هو ما يتمتع به هؤلاء الأتباع من معرفة وما يملكونه من ثقافة وما يتبعونه من قيم مثل التسامح واحترام الآخر والتواضع. وكانت هذه الكلمة بمثابة البوصلة التي وجهت أعمال المؤتمر وشكلت محور ما نتج عنه من توصيات.
 
هذا ما رأيناه في ميدان واحد فقط من ميادين عطاء المفكر الكبير الراحل أحمد كمال أبو المجد، وهو «حوار الثقافات والحضارات والأديان»، ومن خلال أمثلة محدودة عرضنا لها في ما تقدم، تظهر كم كان عطاؤه جزيلاً وحجم تأثيره بالغاً وعمق بصماته لا تخطئه العين، إذ كان بمثابة المنهل الذي يغرف منه الآخرون، زملاء وتلامذة، علماً وحكمة ورؤية ثاقبة وتصوراً مبنياً على المنطق، والمثل الذي يقتدون به في الجمع بين الفكر والعمل من خلال منهج يحكمه ويديره التجانس والتناغم ويعبر الفجوات متجاوزاً حدود التناقضات والاختلافات، وصولاً إلى المشترك بين صالح البشرية جمعاء، وبما يحفظ للأديان والعقائد والثقافات أيضاً دورها ويوجهه لصالح مآربها الأصلية، أي السعي إلى لعب دور إيجابي وفعال وبنّاء في تحقيق التعايش والفهم المتبادل والتقارب والتفاعل والتعاون بين البشر، على اختلاف انتماءاتهم العقائدية أو الدينية وعلى تنوع مرجعياتهم الثقافية وتعددها.
 
* مفكر وكاتب مصري.