Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    27-May-2017

إِسْتِقْبَالُ رَمَضَانَ وَأَحْكَامُ الصِّيَامِ* د.خالد الملكاوي
رصين - 
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ شَهْرَ رَمَضَانَ عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ سَيِّدًا وَكَمَّلَ فِيهِ الْفَخْرَ فَجَعَلَهُ لِلْخَيْرَاتِ وَالْبَرَكَاتِ مَوْرِدًا وَأَنْزَلَ فِيهِ الْقُرْءَانَ رَحْمَةً وَشِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وصَلِ اللهُمَ على سَيدِنا مُحَمَّدٍ صَلاَةً تَحُلُّ بِهَا عُقْدَتَنَا وَتُقِيلُ بِهَا عَثْرَتَنَا وَتُخْرِجُنَا بِهَا مِنْ وَحْلَتِنَا وَتُفَرِّجُ بِهَا كُرْبَتَنَا وَتَغْفِرُ بِهَا ذُنُوبَنَا وَتُصْلِحُ بِهَا عُيُوبَنَا وَسَلِّمْ يَا رَبِّ تَسْلِيماً كَثِيرًا
قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَريِمِ: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان﴾ ، نَحْنُ الْيَوْمَ فِي آخرِ شَهْرِ شَعْبَانَ الْمُبَارَكِ، ثُمَّ يَلِي ذَلِكَ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الشُّهُورِ عَلَى الإِطْلاَقِ وَفِيهِ لَيْلَةٌ هِيَ أَفْضَلُ اللَّيَالِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا الْقُرْءَانُ دَفْعَةً وَاحِدَةً إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ فِي السَّمَاءِ الأُولَى،مَا هِيَ إِلاَّ أَيَّامٌ قَلِيلَةٌ تَفْصِلُنَا عَنْ شَهْرِ رَمَضَانَ هَذَا الشَّهْرِ الْمُبَارَكِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ شَهْرِ الصَّدَقَةِ وَصِلَةِ الأَرْحَامِ، شَهْرٌ يُتَفَقَّدُ فِيهِ الْمَسَاكِينُ وَالأَيْتَامُ شَهْرٌ تُفَتَّحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجِنَانِ وَتُغَلَّقُ فِيهِ أَبْوَابُ النِّيرَانِ وَيُجْزَى فِيهِ بِالإِحْسَانِ،فَالصِّيَامُ عِبَادَةٌ لاَ يَطَّلِعُ عَلَى صِدْقِ صَاحِبِهَا إِلاَّ اللهُ سُبْحَانَهُ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، وَالْعَبْدُ الصَّالِحُ يُخْضِعُ نَفْسَهُ وَهَوَاهُ لِطَاعَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَيَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ، فَإِنَّ اللهَ يُجْزِلُ لَهُ الأَجْرَ وَيُضَاعِفُ لَهُ الثَّوَابَ مُضَاعَفَةً تَقَرُّ بِهَا عَيْنُهُ وَيَفْرَحُ بِهَا فِي يَوْمٍ لاَ يَنْفَعُ فِيهِ مَالٌ وَلاَ بَنُونُ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيِمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]، وَوَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي فَضَائِلِ الصِّيَامِ مِنْهَا أَنَّهُ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ" [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]، وَوَرَدَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ: "أَيْنَ الصَّائِمُونَ" فَيَقُومُونَ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ" [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]، وَفِي حَدِيثٍ ءَاخَرَ: "إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ" [رَوَاهُ مُسلِمٌ].
وَبِقُربِ حُلولِ الشَهرِ الفَضيل لا بُدَ أَن نُبينَ أَنَّ رَمَضَانَ لاَ يَثْبُتُ أَوَّلُهُ إِلاَّ بِرُؤْيَةِ الْهِلاَلِ أَوْ بِاسْتِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ يَوْمًا وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لاَ تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ" وقال : صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ يَوْمًا"،فَلاَ يَجُوزُ الاِعْتِمَادُ فِي صِيَامِ رَمَضَانَ عَلَى الْحِسَابِ لأِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "نَحْنُ أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا" مَعْنَاهُ إِمَّا تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا أَوْ ثَلاَثُونَ يَوْمًا وَلاَ يُعْرَفُ ذَلِكَ إِلاَّ بِمُرَاقَبَةِ الْهِلاَلِ.
و بِمَا أَنَّ صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ مِنَ الْفَرَائِضِ الْعَظِيمَةِ وَهُوَ أَحَدُ أَهَمِّ أُمُورِ الإِسْلاَمِ، كَانَ يَنْبَغِي عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَعْرِفَ أَحْكَامَ الصِّيَامِ الضَّرُورِيَّةَ حَتَّى يَكُونَ صِيَامُهُ صَحِيحًا مَقْبُولاً بِإِذْنِ اللهِ ، فَالصِّيَامُ لَهُ شَرَائِطُ وُجُوبٍ وَفَرَائِضٌ وَمُفْسِدَاتٌ فَلاَ بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا وَمُرَاعَاةِ الشُّرُوطِ وَالْفَرَائِضِ وَتَجَنُّبِ الْمُفْسِدَاتِ. فَأَمَّا شَرَائِطُ وُجُوبِ الصِّيَامِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ قَادِرٍ عَلَى الصِّيَامِ ، وَلاَ يَصِحُّ مِنْ حَائِضٍ وَلاَ نُفَسَاءَ وَلَوْ صَامَتَا حَالَ وُجُودِ الدَّمِ فَعَلَيْهِمَا مَعْصِيَةٌ وَلاَ يَصِحُّ مِنْهُمَا بَلْ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَلاَ يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ أَيْ غَيْرِ الْبَالِغِ وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالصِّيَامِ إِنْ أَكْمَلَ سَبْعَ سِنِينَ وَكَانَ قَادِرًا عَلَى الصِّيَامِ وَيُشَدِّدَ عَلَيْهِ إِذَا تَرَكَهُ إِنْ بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ وَهُوَ يُطِيقُهُ وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إِنْ أَفْطَرَ ، وَلاَ يَجِبُ عَلَى الْمَجْنُونِ وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلاَ يَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ الَّذِي يَضُرُّهُ الصِّيَامُ وَلاَ عَلَى الْمُسَافِرِ سَفَرًا طَوِيلاً وَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ، وَلَوْ صَامَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ صَحَّ مِنْهُمَا وَلَكِنْ إِذَا ضَرَّهُمَا حَرُمَ عَلَيْهِمَا.
وَأَمَّا فَرَائِضُ الصِّيَامِ فَهُمَا أَمْرَانِ: النِّيَّةُ وَالإِمْسَاكُ، فَأَمَّا النِّيَّةُ: فَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ وَيَجِبُ تَبْيِيتُهَا أَيْ إِيقَاعُهَا لَيْلاً قَبْلَ الْفَجْرِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ ، وَيَجُوزُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنْ يَنْوِيَ عَنِ الشَّهْرِ كُلِّهِ وَلَكِنْ لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ النِّيَّةُ لَيْلَةَ الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنْ رَمَضَانَ فَيَقُولُ بِقَلْبِهِ: "نَوَيْتُ صِيَامَ ثَلاَثِينَ يَوْمًا عَنْ شَهْرِ رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةَ" ، وَيَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ إِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ لَيْلَةَ الصِّيَامِ أَنْ تَنْوِيَ صِيَامَ الْيَوْمِ التَّالِي وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ بَعْدُ ، وَأَمَّا الإِمْسَاكُ: فَهُوَ الإِمْسَاكُ عَنِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَعَنْ إِدْخَالِ كُلِّ مَا لَهُ حَجْمٌ وَلَوْ صَغِيرًا إِلَى الرَّأْسِ وَالْبَطْنِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ كَالْفَمِ أَوِ الأَنْفِ أَوِ الْقُبُلِ أَوِ الدُّبُرِ مِنَ الْفَجْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ ، أَمَّا مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا وَلَوْ كَثِيرًا لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ وَلَوْ كَانَ صِيَامَ نَفْلٍ فَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: "مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ".
وَيَجِبُ الإِمْسَاكُ عَنِ الاِسْتِقَاءَةِ أَيْ إِخْرَاجِ الْقَيْءِ بِالإِصْبَعِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا مَنْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ وَلَمْ يَبْلَعْ مِنْهُ شَيْئًا فَلاَ يُفْطِرُ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يُطَهِّرَ فَمَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْلَعَ رِيقَهُ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ (أَيْ غَلَبَهُ) وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَمَنِ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ" [رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالأَرْبَعَةُ].
كَمَا يَجِبُ الإِمْسَاكُ عَنِ الْجِمَاعِ وَإِخْرَاجِ الْمَنِيِّ بِالاِسْتِمْنَاءِ أَوِ الْمُبَاشَرَةِ لأِنَّ ذَلِكَ مُفَطِّرٌ أَمَّا خُرُوجُهُ ْ أَثْنَاءَ النَّوْمِ فِي النَّهَارِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُفَطِّرٍ ، وَيَجِبُ الثُّبُوتُ عَلَى الإِسْلاَمِ عَلَى الدَّوَامِ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ فَاسْتِمْرَارُ إيِمَانِ الصَّائِمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ صِيَامِهِ لأِنَّ قطع الإسلام مُبْطِلٌ لِلصِّيَامِ ، إِنَّ تَعَلُّمَ أَحْكَامِ الصِّيَامِ أَمْرٌ مُهِمٌّ حَتَّى يُؤَدِّيَ الإِنْسَانُ هَذِهِ الْعِبَادَةَ الْعَظِيمَةَ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ فَيَنَالَ فَضْلَهَا وَعَظِيمَ ثَوَابِهَاِ.
شَهْرُ رَمَضَانَ هُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ وَالصَّبْرُ ثَوَابُهُ الْجَنَّةُ، وَشَهْرُ الْمُوَاسَاةِ، مَنْ فَطَّرَ فِيهِ صَائِمًا كَانَ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ وَعِتْقَ رَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَىْءٌ، وَهُوَ شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ وَءَاخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ سَقَى صَائِمًا سَقَاهُ اللهُ مِنْ حَوْضِ النَّبِيِّ شَرْبَةً لاَ يَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا ، نَسأَلُ اللهَ أَنْ يُعينَنَا عَلى الصِيامِ والقِيام وَقِراءةِ القُرءانِ وعَلى ذِكرِهِ وشُكْرِهِ وحُسنِ عِبادَتِهِ إِنَّهُ عَلى كُلَ شَئٍ قَدير .