Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-May-2017

أصول وفروع - د. محمد المجالي
 
الغد - تحدثت في مقال (صراع المدرستين) عن الضرر الكبير الناتج عن التعصب بين مدرستي أهل السنة الرئيستين حيث السلف والأشاعرة، وأن الأمر أقل من أن يتعصب له المتعصبون فهو في فرعيات العقيدة لا أصولها، والخلاف فيها لا يفسد للود قضية، فما يجمعنا أكبر بكثير مما يفرقنا، خصوصا إذا تذكرنا أن التعصب أمر مقيت لا يؤول إلا إلى سوء، حيث ازدراء الآخر وربما تكفيره، وبالتالي يكون التطرف حين تتطور الأفكار إلى سلوك، فيكون الولاء والبراء بناء على هذا الفرز الخاطئ، وربما يتطور الأمر إلى استباحة دماء بعضنا، وهو الحاصل فعلا عند بعض الغلاة والمتطرفين.
إنها الأصول التي ينبغي تعظيمها، أما الفرعيات فتُحترم، ولكنها من اسمها فرعيات قابلة للاختلاف، ولما كان موضوع الاختلاف سنة بين البشر، فهو أمر طبيعي متوقَّع، فالمطلوب احترام بعضنا بعضا، مع كامل الاعتقاد بأن في الدين سعة، وإذا كان الله تعالى قد شاء لكتابه الكريم أن يُقرأ على أكثر من وجه، وبين هذه القراءات ما يختلف أداء ومعنى عن بعضه، فمن باب أوْلى أن يكون الاختلاف في الفهم للنص القرآني نفسه، وللنبوي أيضا، ولكنه اختلاف التنوع لا التضاد، ففي الدين بحبوحة لا يدركها إلا من تعمق فهمه وخرج من قمقم التعصب، بل سيكتشف أن هذا الدين رحمة بكل تفاصيله.
إنها الأصول لا الفروع التي ينبغي تعظيمها، ما يجمع الناس ويحدد مسارهم ووجهتهم وبوصلتهم، أما الفروع فمن اسمها، فهي مسائل قابلة للاختلاف، وربما يتغير حكمها عبر العصور، ففي الدين مرونة في هذه الفرعيات تقدمها أحيانا وتؤخرها أخرى، وتطبَّق أحيانا وتستثنى أحيانا، وهكذا.
عجيب حقا هذا الفرز بين المسلمين أنفسهم بناء على مذهب عقدي أو فقهي، أو على الجماعة والحزب والتجمع، أو بناء على العرق واللغة، والله تعالى يقول: "وإن هذه أمتكم أمة واحدة، وأنا ربكم فاتقون"، فالولاء والبراء في الإسلام هي في الانتماء للدين في عمومه، لا في فرعيات الأفكار والمناهج، ولا يجوز لأي مسلم كائنا من كان أن يحدد من هو المسلم المقبول وغير المقبول، أو الأفضل وغيره، فالمقياس هو الشرع لا الأفكار والأهواء، فالله يقول سبحانه: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، وطلب سبحانه من عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وأن يؤدوا ما عليهم من واجبات ويجتنبوا ما نهاهم عنه من منكرات، وفي الأمر طاعة عامة لله فيما أمر أو نهى، فالمسألة مرتبطة بالله تعالى طاعة وانقيادا ومراقبة، ويبتغي أحدنا الأجر من الله تعالى، ولا يهمه إلا أن يكون مستقيما في هذه الدنيا، لينال الفوز في الآخرة.
إن ما ينبغي أن يشغل المسلم هو دينه على العموم، أما المذاهب فهي وسائل، وكذا الجماعة أو الحزب، فهي طرق للوصول إلى الهدف لا الهدف بذاته، فأنا أعمل من أجل نصرة هذا الدين وعلو شأنه وعزة المسلمين والذب عنهم، لا ذلك التفكير الضيق في الانتصار لجماعة أو حزب أو مذهب عقدي أو فقهي، وأنا أتحدث عن دائرة أهل السنة.
لو لم يكن إلا هذا الغزو والتشويه لهذا الدين، وهذا القتل والتنكيل والاحتلال لبعض بلادنا لكفى من أجل توحيدنا ورص صفوفنا والارتقاء الفعلي بأن أكون على مستوى الإسلام كله والمسلمين كلهم، لا ذلك التفكير الضيق والعصبية لفكر أو مذهب. فالعصبية والتعصب شر أكيد في النهاية، فلا ننسى أن هناك شيطانا يهمه هذا التفريق بيننا، وهناك أشخاص معروفون أصحاب مصالح، اشتُهروا عبر التاريخ وكما أخبر القرآن عنهم، فهم أشرار لا ينظرون إلا إلى مصالحهم وأهوائهم، فلا يكونن أحدنا جنديا لهؤلاء من حيث يدري ولا يدري، بل الولاء الخالص الكامل لله ورسوله والمؤمنين الصادقين، وهذه السعة في الأفق والرحابة في الصدر، ليقبل أحدنا الآخر، وننتبه إلى ما هو أسمى، حيث عالمية الإسلام، ودعوة البشرية كلها إلى الخير.
هناك حماقات يبثها بعض الملتزمين على أنها أصول، وهي غالبا فرعية، وأعجب من أمور شكلية يجعلها المتعصبون جوهرية، من طول لحية أو ثوب أو عدد درجات منبر أو خمار المرأة أو التلفظ ببعض ألفاظ مثل (سيدنا) قبل لفظ النبي صلى الله عليه وسلم. بل الطامة الكبرى حين تكون هناك أقوال عامة يصنعون منها قواعد فقهية، مثل (لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فهل كل ما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم حرام؟! ويترتب على هذا كله وغيره ما نسميه الفرز، فهذا مؤمن صادق من شكله، وهذا مشكوك فيه من شكله، ومرة أخرى فما نخشاه هو ازدراء بعضنا بعضا بناء على فروع وشكليات، فلا يعلم حقيقة أمر الواحد منا إلا الله سبحانه، ونحن مساكين فقراء إليه، نرجوه القبول والثبات.
حين يخطط غيرنا لاجتثاثنا وإلهائنا ومسخ هويتنا، بل قد بات من المعروف قطعا كيف استطاع أعداؤنا أن يؤسسوا مجموعات وتنظيمات من المسلمين أنفسهم، يشجعونهم ويموّلونهم ليديموا الفرقة بينهم، يسلحون بعضهم ليجاهدوا في سبيل الله، وهنا لا بد من تشويه للأفكار وتشدد في المعاملة، حتى يتشوّه الإسلام نفسه، وهذا ما مارسته داعش وغيرها وتمارسه، في هذا التشدد والغلو واستحلال دماء المسلمين أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، ففي خضم التعصب والانغلاق يُسْتهان بالحرمات، بل ما أسهل أن يُتّهم الإنسان في عرضه ويسفَك دمه، وهذا ما هو حاصل مطبَّق للأسف.
ومجموعات أخرى من المسلمين تختلق طرقا (للعبادة) فعبدوه سبحانه بما لم يشرِّع من الرقص والقفز والتعظيم لبعضنا، ابتدأت بذكر وانتهت (عند بعضهم) برقص واختلاط وموسيقى وتعظيم للأشخاص واستغلال للعوام، مع أفكار عجيبة من الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، وننسى أنه لا يُعبَد الله إلا بما شرع، والتزكية مطلوبة لكن وسائلها معروفة من ذكر وقيام ليل وصيام وصدقة وسعي لقضاء مصالح الناس عموما، ولا بأس بالخلوة التي ترد صفاء الروح وتتيح محاسبة النفس، ولكنها لا تعزل المسلم عن الحياة.
الفهم الفهم أيها المسلمون، ربنا لم يتركنا حيارى، ورسولنا صلى الله عليه وسلم تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، دين كامل واضح: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا".